هادي بو شعيا

بين شيطنة إيران واحتوائها... الكفّ عن إطعام الوحش!

17 شباط 2021

02 : 00

عبر دائرة تلفزيونية مغلقة استضافت باريس في الأمس اجتماعًا رباعيًّا ضمّ وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا لبحث ملف إيران النووي، حيث أعلن وزير الخارجية الألماني هيكو ماس أن إيران تلعب بالنار وسياسة التصعيد التي تمارسها قد تعوّق مساعي عودة واشنطن للاتفاق.


كل هذا يجري فيما الأمد الزمني يزداد ضيقًا أمام الحلول الديبلوماسية للأزمة النووية الإيرانية، حسبما يقول الخبراء، خصوصًا مع اقتراب انقضاء فترة رئاسة حسن روحاني المدافع عن الديبلوماسية مع القوى الكبرى، والذي، من المتوقع، أن يخلفه في انتخابات حزيران/يونيو القادم شخصية أكثر تشدّدًا.

أمام كل هذا المشهد خرجت في الأمس قراءتان أميركيّتان متناقضتان:

1- القراءة الأولى: من الواضح أن الترويكا الأوروبية لا زالت متمسّكة في الدفع لإحياء الإتفاق النووي، بما يتماهى مع توجهات الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن، في غير مناسبة، رغبته بالعودة للاتفاق عندما تعود إيران وتمتثل مجددًا.

في الحقيقة، هناك واقع مستجدّ وهو أن العالم تغيّر كثيرًا منذ العام 2015، خصوصًا وانه يُعاب على إيران سلوكياتها داخل الإتفاق وخارجه. حيث أن انتهاكاتها كثيرة، بدءًا باليورانيوم المخصب أكثر مما ينبغي، مرورًا بزيادة نسبة التخصيب وامتلاكها أجهزة طرد مركزية أكثر قوة، ووصولاً إلى استعدادها لصناعة معدن اليورانيوم ورغبتها لامتلاك سلاح نووي. ناهيك عن تقييد حرية مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بدءًا من الاسبوع القادم.

اما بالنسبة لسلوك إيران خارج الإتفاق فهو يعكس مشكلة كبيرة ولا بد من التذكير هنا بقرار محكمة بلجيكية صدر في 4 شباط/فبراير الحالي، أمر بسجن العميل الايراني أسد الله أسدي 20 عامًا على خلفية تُهمٍ تتعلّق بالارهاب، والذي كان يتلطّى خلف غطاء الديبلوماسية. وكان يعتزم شنّ هجوم في فرنسا شبيه بهجوم 11 أيلول/سبتمبر.

إلى ذلك، شنّت أحد أذرع إيران في المنطقة هذا الأسبوع هجومًا صاروخيًّا استهدف قاعدة أميركية في مطار أربيل الدولي وأسفر عن مقتل جندي أميركي وجرح عدة آخرين.

وبناء على ما تقدم لا يمكن التعامل مع هذا النظام الإيراني سوى بالقوة على غرار ما حدث باغتيال الجنرال قاسم سليماني. فضلاً عن سياسة الضغط القصوى التي مارسها الرئيس السابق دونالد ترامب وأدت إلى انهيار الإقتصاد الإيراني والاضطرابات المحلية عكست هشاشة النظام.

في المقابل، رأينا كيف تعاملت إيران بُعيد الإتفاق النووي في 2015 بعد إعتماد أسلوب المهادنة معها وكيف استخدمت مليارات الدولارات بعد رفع العقوبات عنها لدعم أذرعها الإرهابية والعمليات العدوانية التي المنطقة... وخلصت القراءة إلى أن إيران قوة تزعزع الاستقرار ويجب التوقّف عن إطعام الوحش!

2- القراءة الثانية: من المهم أن نتذكّر ان إيران كانت تحترم بنود الإتفاق النووي بالكامل. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة النووية في غير مناسبة أنها لم تكن تعمل على تخصيب اليورانيوم أكثر من النسبة المسموح بها. ولعلّ موقف إيران قد يكون محقًّا بعد الخروج الأحادي للولايات المتحدة من الإتفاق، بحيث لم تتلقَ أي دعم من المشاركين في الإتفاق بمن فيهم حلفائها في أوروبا.

إذ كان يجدر بأميركا التعامل مع الملف الإيراني، كما فعلت مع الاتحاد السوفياتي، حيث تم تخفيض الترسانة النووية اذ لم تشترط عليه الخروج من حلف وارسو او الإنسحاب من أفغانستان.

وتعود القراءة لتؤكد أن الإنسحاب الأميركي من الإتفاق هو من أفضى إلى هذه النتائج. وتتساءل لماذا يحق لإسرائيل امتلاك سلاح نووي في حين أن ذلك محرّم على إيران. ولعلّ أكبر خطر يتهدّد الشرق الأوسط هو التسابق على امتلاك السلاح النووي بين إيران وإسرائيل.

وخُتمت القراءة بخلاصة مفادها أنه منذ توقيع الإتفاق في 2015 حتى انسحاب الولايات المتحدة الأميركية في 2018، احترمت إيران بنود الإتفاق كافة. ولعلّ اشادات الوكالة الدولية للطاقة النووية تؤكد امتثال إيران وانفتاحها على التفتيش الدقيق. واذا ما توافرت النوايا الحسنة لدى الطرف الأميركي كان يمكن فتح باب المفاوضات في مسائل أخرى مع إيران كما فعلت مع روسيا عبر السنين.

وخلاصة الأمر أن أميركا انسحبت ويجب أن تستدرك الأمور وتعود إلى الإتفاق بسرعة قبل فوات الأوان.

في الختام، يقف جو بايدن عاجزًا إلى حدّ بعيد في حل معادلة في غاية الصعوبة. ولعلّ أسُسها تتمثل بإلغاء كل سياسات سلفه الخارجية، فضلاً عن إعلانه ضرورة إعادة توطيد العلاقات مع أوروبا وحلفاء أميركا في المنطقة، بالإضافة إلى وجوب نيل ثقة الكونغرس وتحديدًا اليسار الديمقراطي المتطرّف وختامًا استرضاء الداخل الأميركي المضطرب.

كلّ ذلك في آن واحد!

MISS 3