جاد حداد

الأصوات تؤثر على أولى مراحل نمو الدماغ

25 شباط 2021

02 : 00

يتساءل الكثيرون عن أهمية أن يتعرّف الجنين على أصوات مثل الموسيقى منذ مرحلة مبكرة. لهذا السبب، يحاول العلماء منذ فترة استكشاف الآلية الكامنة وراء تطور الأجزاء الدماغية التي تعالج المعلومات الحسية. حاول الباحثون في دراسة جديدة تقييم أثر الإشارات الصوتية على الخلايا العصبية الفرعية. إنها واحدة من أوائل الخلايا التي تنمو في الدماغ، لكنها تموت قبل الولادة أو بعدها بفترة قصيرة.

أراد العلماء أيضاً أن يعرفوا ما إذا كانت التقلبات في الإشارات الصوتية تُغيّر الدوائر الدماغية في مرحلة أبكر مما يظن الكثيرون.

يقول المشرف الرئيس على الدراسة، باتريك كانولد، أستاذ في الهندسة البيوكيماوية في جامعة "جونز هوبكينز": "نحن العلماء نبحث عن أجوبة على أسئلة أساسية ترتبط بالعوامل التي تُحدد قدراتنا المستقبلية. أنا أستكشف تحديداً طريقة تأثير بيئتنا الحسية والمرحلة التي تبدأ فيها هذه العملية منذ تَكَوُّن الجنين". ستُسهّل هذه النتائج تعقب النشاطات الدماغية الشائبة والأنماط المرتبطة بمشاكل حسية خلقية وتقييمها وتصحيحها مستقبلاً.

أجرى باحثون من جامعة "جونز هوبكينز" في "بالتيمور" وجامعة "ماريلاند" في "كوليدج بارك" هذه الدراسة ونُشرت نتائجها في مجلة "التقدم العلمي".

التعرّض للأصوات ونمو الجنين

تذكر الأبحاث أن الجنين قد يبدأ بسماع ضجة مثل أصوات الجسم بحلول الأسبوع الثامن عشر من الحمل. ويُفترض أن يكتمل سمع الجنين بين الأسبوع السادس والعشرين والتاسع والعشرين.

بعد هذه المرحلة، قد يتفاعل الطفل مع الأصوات الخارجية عبر التحرك أو ربما يتسارع نبضه. حتى أنه قد يبكي أو يضطرب إذا سمع أي شكل من الأصوات المفاجئة أو الصاخبة.

تكشف دراسات سابقة أن التعرّض المبكر للموسيقى قد يُسرّع النمو العاطفي والاجتماعي وطريقة إدراك الأصوات في مرحلة مبكرة. حتى أن سماع الموسيقى والضجة قبل الولادة قد يزيد سماكة الخلايا الموجودة في الأجزاء الدماغية التي تعالج المعلومات الحسية ويُسرّع نموها. وتدعم أبحاث أخرى الفكرة القائلة إن الطفل الذي يكون في طور نموه قد يتعرّف على الأصوات التي يسمعها باستمرار.

التعرّض للأصوات ونمو الدماغ

تستكشف الدراسة الجديدة أثر التعرّض للأصوات على الخلايا العصبية الفرعية في القشرة الدماغية، أي الجزء الدماغي الأبيض الذي يعالج المعلومات الحسية ويؤدي وظائف حيوية أخرى.

تُعتبر الخلايا العصبية الفرعية من أوائل الخلايا الدماغية التي تنمو لدى الجنين. تموت هذه الخلايا قبل الولادة وخلال الأشهر اللاحقة.

تنتج تلك الخلايا قبل تلاشيها جسوراً ضامة كي تتمكن المعلومات الحسية من التنقل بين المهاد والقشرة الوسطى. يشير المهاد إلى الجزء الدماغي الذي ينقل الإشارات الحسية إلى القشرة لتفسيرها.

استناداً إلى أبحاث سابقة جرت على القوارض، استنتج كانولد وفريقه أن الخلايا العصبية الفرعية هي أول مجموعة من الخلايا القشرية التي تتلقى الإشارات الصوتية.

في الجزء الأول من الدراسة، اكتشف الباحثون أن الفئران الصماء والمُهندسة وراثياً والمولودة منذ أسبوع تحمل أعداداً إضافية من الخلايا الفرعية والروابط العصبية القشرية الأخرى مقارنةً بالفئران التي لم تكن مصابة بفقدان السمع ونشأت في بيئة عادية. تطورت هذه التغيرات قبل أسبوع من الموعد المتوقع.

كان الباحثون يظنون سابقاً أن الإشارات الحسية تكتفي بتغيير الروابط القشرية بعدما تتصل الخلايا العصبية المشتقة من المهاد بالقشرة الدماغية، وتتزامن هذه العملية مع فتح قناة الأذن.

يوضح كانولد: "حين تفتقر الخلايا العصبية إلى مدخلات مثل الأصوات، تبدأ البحث عن خلايا عصبية أخرى للتعويض عن غياب الصوت. تحصل هذه العملية قبل أسبوع مما كنا نظن وتكشف أن غياب الصوت يعيد على الأرجح تنظيم الروابط في القشرة غير الناضجة".

في المرحلة اللاحقة، اختبر فريق البحث طريقة تأثير التعرض للأصوات على النمو العصبي المبكر. لاستكشاف هذا الجانب، وضع العلماء فئراناً عمرها يومان وتتمتع بسمع طبيعي في مكان مغلق وهادئ، وتركوا مجموعة أخرى في مكان هادئ لكن فيه مكبّر صوت يصدر صوت صفير.

طوّر صغار الفئران في المجموعة الثانية روابط أقوى بين الخلايا العصبية الفرعية والقشرية مقارنةً بالقوارض التي لم تسمع صوت الصفير. لكن لاحظ الباحثون أيضاً أن هذا الفرق تراجع بين الفئران الصماء وتلك التي تتمتع بسمع طبيعي.

على صعيد آخر، حملت الفئران تنوعاً إضافياً على مستوى الروابط الفرعية والقشرية بعد سماعها صوت الصفير مقارنةً بالمجموعة التي بقيت في أماكن هادئة. كذلك، رصد الباحثون لدى الفئران التي تتمتع بسمع عادي وتواجدت في أجواء صامتة روابط فرعية وقشرية مشابهة لتلك التي حملتها الفئران الصماء والمُهندسة وراثياً.

للتأكد من هذه النتائج، لا بد من تكرارها على نطاق واسع وتطبيقها على البشر أيضاً. يُخطط الباحثون مستقبلاً لتقييم طريقة تأثير الأصوات على تطور الدماغ في مراحل لاحقة.

يريد الباحثون في نهاية المطاف أن يُحددوا أهمية تعريض الجنين للأصوات وتأثير هذه العملية على نموه. هم يرغبون تحديداً في اكتشاف معلومات إضافية عن تغيرات الأنماط الدماغية المرتبطة بالصمم الخلقي لتسهيل زراعة القوقعة لدى الأطفال الرضع.

يتعلق هدف آخر بتطوير مؤشرات حيوية لرصد المشاكل المرتبطة باختلال روابط الخلايا العصبية الفرعية. أخيراً، يُخطط العلماء أيضاً لاستكشاف الأنماط الدماغية لدى الأطفال المولودين قبل أوانهم.


MISS 3