تعصف بالعالم أحداث وتطورات غير مسبوقة من خلال تصاعد غير مسبوق لحمى التطرف الديني واليميني الذي رافقه إرهاب دموي بات يلقي بظلاله السوداء رويداً رويداً على مختلف المناطق في العالم ولا سيما بعد الهجمات الارهابية المتعددة والمتنوعة، وذلك ما يشکل خطراً و تهديداً غير عادي من الضروري جداً أن يکون هناك عمل وجهد دوليان مشتركان من أجل کبح جماح هذا التهديد وإيجاد سياق ونهج إنساني حضاري يدعو و حث للتقارب والمحبة والتعاون والالفة.
التقارب الملحّ
اليوم، وفي ظل التهديدات المحدقة بالعالم، وتزايد لغة العنف والقسوة وترافق ذلك مع طابع ديني (والدين في حقيقته براء من ذلك)، فإن التأکيد مجدداً على قضية التقارب بين أتباع الأديان صارت ملحة أکثر من أي وقت آخر وخصوصاً بين أتباع الديانات السماوية الثلاث اليهودية -المسيحية -الاسلام والسعي من أجل إيجاد القواسم المشترکة والجامعة بين الاديان والعمل والسعي المشترك من أجل الحد من أية ظواهر أو مظاهر تدعو للتباغض والتباعد والتنافر والمواجهة بين الاديان الثلاثة أو باسمها، ولأن الاديان الثلاثة مصدرها ونبعها هو الله عز وجل، فإن الذي لا شك فيه أبداً انه يمکن إيجاد أکثر من أرضية مناسبة للتقارب والتفاهم ما بين الاديان ولا سيما لو أشرف على الجهد رجال دين مخلصون يضعون مصلحة الانسانية ومصلحة العالم أجمع فوق أية مصلحة أخرى، وإن الذي لا شك فيه أبدا هو أن أية ديانة لا تدعو لکراهية العالم وفنائه من أجل استمرار وبقاء ذلك الدين.
الأديان براء من الإرهاب
المتطرفون والارهابيون وأولئك الذين لهم مصلحة في إظهار الاديان معادية للانسانية ويزعمون بأنه تنعدم فيها المحبة والالفة والتسامح، فإن هناك الکثير من الادلة والقرائن الشرعية من القرآن الکريم والسنة النبوية الشريفة تثبت خلاف ذلك تماماً، بل وإن ما جاء في سورة قريش: (لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، يثبت بأن الإسلام دين سماوي كاليهودية والمسيحية ضد إرعاب وإرهاب وتجويع الشعوب، ذلك ان الله تعالى في هذه السورة الکريمة، يستشهد بالالفة أي المحبة والتقارب بين الناس کرمز ونموذج إيجابي يبارکه ويحث عليه، وفي نفس الوقت يطالب عز وجل الناس بعبادته وهو الذي "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، أي وفر لهم العيش والامان، وقطعاً إن الله تعالى الذي يوفر الرزق للدواب ولکل الکائنات الحية والبشرية جمعاء بمن فيهم مَن کان مٶمنا به ومن لم يکن مٶمنا به، ولذلك فإن الذين يقومون بإرعاب الناس وتخويفهم وتجويعهم وابتزازهم على اساس ديني فإن الأديان براء منهم ومن تلك الافعال تماماً.
الأديان تدعو للمحبة والتسامح
المحبة والتسامح والوسطية والاعتدال في الأديان، ليست أمراً اعتباطياً أو طارئاً ذلك أن هناك تأکيدات من السنة النبوية ومن القرآن الکريم نفسه، حيث تقول آية في سورة آل عمران: (قل إن کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببکم الله ويغفر لکم ذنوبکم والله غفور رحيم)، ومن هنا فإن ترکيز الآية الکريمة على ما يتعلق بالمحبة في موقعين، يدل على أهمية مفهوم الحب والمحبة في الإسلام خصوصاً عندما يتم الربط بين المحبة والله تعالى، وفي نفس السياق نجد الحديث النبوي الشريف الذي يٶکد وبصورة واضحة وحاسمة على ماهية وجوهر الدين الإسلامي عندما يقول الرسول الاکرم"ص" (الدين هو الحب والحب هو الدين)، ومن هنا فإن الاسلام کما نرى يٶکد على المحبة و يدعو لها وهو بذلك يخالف مزاعم المتطرفين والارهابيين.
الدعوة للمحبة لم تقتصر على الإسلام فقط وانما نجد ذلك أيضا في المسيحية، حيث جاء في الکتاب المقدس: "أکرموا الجميع. أحبوا الاخوة. خافوا الله، أکرموا الملك"، وکذلك: "أما الان فيثبت: الايمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاث ولکن أعظمهن المحبة" أو:"المحبة لا تسقط أبدا"، أما في العهد القديم، فقد وردت أيضا نصوص تدعو للمحبة وتحث عليها نظير: (البغضة تهيج الخصومات، و المحبة تستر کل الذنوب)، وکذلك: (أکلة من البقول حيث تکون المحبة، خير من ثور معلوف ومعه بغضة)، أو (وتطلب التأديب هو المحبة والمحبة حفظ الشرائع ومراعاة الشرائع ثبات الطهارة)، ومن هنا، فإن تأکيد الديانات الثلاث على أهمية المحبة ووجوبها ورفض البغض والکراهية، لا بد من أن يصبح ذلك على سبيل المثال لا الحصر أساساً ومنطلقاً للاتفاق لإرساء أرضية مشترکة تجمع بين الاديان الابراهيمية وتوحدها بهذا السياق بما يرسخ التقارب والتفاهم والتعاضد الذي يجعل منه أساساً ومنطلقاً حيوياً ونابضاً للحوار بين الحضارات والتصدي للتطرف والارهاب والانغلاق.