د. السيد محمد علي الحسيني

البابا في العراق... أبعاد ورسالة

4 آذار 2021

02 : 00

العراق كما في سفر التكوين، بلاد الرافدين بابل نهاية لوحدة البشرية وهو أرض الأنبياء ومركز العلوم الإنسانية ومؤسس الشرائع الوضعية، وملتقى الحضارات وأوصاف، وتعاريف ومسمّيات، متنوعة، نظراً لأهميته ومكانته، ودلالة على موقعه وتاريخه المميز.

 لذا، للعراق خصوصيات وامتيازات حضارية منذ ما قبل التاريخ حتى قرون متأخرة لا يمكن حصرها، بغضّ النظر عمّا نراه في العراق الحديث بسبب ما مرَّ وما جرى على أرضه من حروب وصراعات داخلية وإقليمية ودولية، وما زال مطمعاً وغنيمة لذوي الغايات التوسعية.

لا ننكر أن ما شهده العراق في الآونة الأخيرة، من مذابح وأعمال إرهابية، عنوانها وسببها الانتماء الديني لجماعات أرادت تغيير حقيقة تاريخية للعراق بأنَّه أرض التسامح والسلام والتعايش السلمي، والداعي دائماً إلى حوار الأديان. فالعراق بتاريخه وموقعه ودوره السبّاق لأجل التواصل بين أتباع الديانات ومدّ الجسور بينهم، لتحقيق الغاية من وجودها في خدمة الإنسان وعمارة الأرض بسلام ووئام.

 ضاق صدر أصحاب العقول المتطرفة ومنهج التكفير في العراق، والذين اتّخذوا القرآن عِضينَ ليقوموا بالاعتداءات على أتباع المذاهب والديانات وتهجيرهم وإراقة الدماء وحرق وتخريب دور العبادة، ظنّاً منهم بأنَّ رسالتهم الدموية ستولّد الأحقاد وتغيّر وجه العراق ملتقى وتعايش الأديان...

 لا شكّ أنَّ مكانة وزيارة العراق كانا رغبة البابا يوحنا بولس الثاني في اليوبيل، وأمل البابا بنديكتوس السادس عشر، والآن ستصبح حقيقة مع البابا فرنسيس، خلال زيارته للعراق، وهي أول زيارة له خارج الفاتيكان في عالم يتخبط بالوباء الخطير، وتؤكّد مرة أخرى أنّه بلد التعايش السلمي وملتقى الأديان.  نرى أنَّ أبعاد زيارة البابا للعراق يمكن تلخيصها بثلاثة محاور رئيسة:

 - تضامن ومؤاساة، عبر اللقاء مع المجتمع المسيحي الذي تعرّض للظلم والاضطهاد والإيذاء، وإعطائهم جرعة الأمل من جديد، ومنحهم المعنويات، وتثبيت الانتماء، وأداء الصلوات وإشعال الشموع على نية ضحاياهم، والتأكيد على أهمية استمرار الوجود المسيحي التاريخي في العراق وحثهم على البقاء فيه.

 - لقاء وحوار، عبر استكمال الحوار المسيحي الإسلامي الذي بدأ في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحصل اللقاء التاريخي مع شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وانتهى بتوقيع وثيقة الأخوّة الإنسانية، ليستكمل أيضاً في العراق لما له من رمزية خاصةً عند المسلمين الشيعة، الذي سيتكلّل بلقاء البابا مع الإمام السيد علي الحسيني السيستاني يوم السبت في النجف، ليكون تأكيداً على نية وقصد وجدّية أعلى مقام كاثوليكي في العالم ورأس الكنيسة، البابا، بمدّ يده الى العالم الإسلامي بمذهبيه السني والشيعي، لطلب الحوار والاتفاق على كلمة سواء .

- بناء الدولة، بعيداً عن الصراعات السياسية التي تحصل على أرض العراق نتيجة تدخلات وأطماع إقليمية، يجب أن تقوم الدولة العراقية العادلة والقادرة على تخطّي جميع الأزمات السياسية والاقتصادية، لتحافظ على البلاد وتحمي حقوق العباد، عبر المواطنة العابرة للطوائف والقوميات. وهذا فعلاً ينطبق على المشروع الوطني العراقي الذي اطلقه الشيخ جمال الضاري ليكون سفينة النجاة للعراق وللعراقيين.  نعتقد أن رسالة البابا رسالة سلام بوجه الحرب رسالة تسامح بوجه التطرف رسالة حوار وانفتاح واعتدال وتعايش وامل للعراق فلا تحتاج إلى فكّ شيفرتها، ولا ترجمتها، بل هي بلغة واضحة وصريحة بمضامينها من خلال وجوده شخصيّاً بما يمثّله في أرض أبي الأنبياء إبراهيم، أور وأربيل وبابل والموصل والنجف وبغداد. فالعراق بكل مكوّناته وأعراقه وقومياته وأديانه كان وسيبقى أرض السلام وملتقى الأديان، وهو محلّ اهتمام كبير ومتابعة، ولن يترك للإرهابيين أعداء السلام.

وفي الوقت نفسه هي زيارة تضامن ومحبة وحوار ودعوة لوقف العنف بكلّ أشكاله، وإنقاذ الإنسان وتضميد الجراح التي سبّبتها العمليات الإرهابية والإبادة الجماعية بسبب الانتماء الديني. 

فأهلاً وسهلاً بصاحب المقام الرفيع بابا الفاتيكان، على أمل أن تكون زيارته مبعثاً للسلام وراحة للأنام.


MISS 3