فادي كرم

السلطة مُدانة والشعب الحَكَم

8 آذار 2021

02 : 00

مهما تعاظمت ردود فعل أفرقاء السلطة الحاكمة على إدانتهم المُحقّة، لمسؤوليّتهم الأساسية عن إفلاس لبنان، وعزله عن المجتمع الدولي، ودفعه نحو التقوقُع في مِحور التحجّر والتخلّف، فلن تكون لهذه المنظومة المُرتكبة فرصة لنجاحها بإيهام الشعب اللبناني والمؤسسات الأُممية، بأنها تحوّلت الى سلطة صالحة تتبنّى الشروط الإصلاحية وتعتمد الكفاءات لإدارة دفّة المركب اللبناني، العالق في العواصف الهوجاء، نحو شاطئ الأمان. فالسلطة الحاكمة "منظومة الأُكذوبة" سقطت حكْماً في جميع الإمتحانات الوطنية السيادية، والمعيشية الاجتماعية، والضميرية الانسانية، وباتت مضرب مثل للسلطات التي أمعنت بتعذيب شعبها، وبأخذ وطنها عن إدراك الى الانهيارات الجهنّمية، وستبقى المثال التاريخي لذلك، لعقودٍ وعقود.

للاصلاح الحقيقي استراتيجية كاملة، لا يمكن لهذه السلطة أن تعتمدها، فمشروع الاصلاح يتضمّن سلوكاً تجاه التغيير الحقيقي وليس الصوَري أو الاسمي، وهذا يعني أنّ على السلطة الحاكمة أن تقضي على نفسها، فكما يقول هيرشمان: الاصلاح هو تغيير تكبح به سلطة مجموعة تتمتّع بامتيازات، وفي المقابل تُحسّن حالة مجموعة محرومة. هذا يعني أنّ الاصلاح حالة تغييرية نحو إعادة إنتاج سلطة جديدة تحكم البلد، وتُدير شؤون المواطنين، ولذلك، من غير المنطقي الاعتقاد أو المراهنة على أنّ المنظومة الحالية ستلجأ الى إقالة نفسها، بعد كل الممارسات الوحشية والوقحة التي أقدمت عليها للمحافظة على أجهزتها وحماياتها. لا شك في أنّ السلطة الحاكمة تسعى الى عكس ذلك، مستفيدةً من التناقضات الطائفية والحزبية، ومن عدم توحّد المعارضات، وأكثر من ذلك، مستفيدة من حيادية أو وسطية بعض الحراكات المدنية الثائرة، بعدم تمييزها بين افرقاء الطبقة السياسية السابقة، عن قُصر نظر، أو ربّما لأنّها تتحرّك بتعليماتٍ سياسية مُشفّرة.

بالطبع، إن هذا الواقع الانهياري الاقتصادي والاجتماعي والامني المُتسارع، ليس مساراً حتمياً، وذلك بفضل الشعب اللبناني الذي ما زال يملك الكثير من المقدّرات والكفاءات الكفيلة، بإنقاذ نفسه، وتجاوز الازمة، والخروج من القعر الى العلاجات، وتتركّز هذه المعطيات بالقدرات العلمية والمالية والعلاقاتية للبنانيين المقيمين، والمنتشرين ايضاً. ولكن من أجل ترجمة هذه القدرات، على أرض الواقع، لا بدّ أن يأخذ الشعب اللبناني الخيار بين خطّين وطرحين ومسارين استراتيجيَّيْنِ، يتجاذبان الوضع الوطني. ولم يعد للشعب مبرّر بالتحجّج بعدم المعرفة وفقدان الرؤية، فبعد كل ما توضّح من قبل الفريقين، لم يعد من سببٍ للضياع، فالخطّ الفاصل بينهما أضحى واضحاً مستقيماً وسميكاً، غير متعرّج وغير متقطّع، فلكلّ طرف منهما خطابه ولغته وطرحه، وما على المواطن الا الحكم على "ماذا قال وليس من قال".

الخيار الاول هو خيار المنظومة الحاكمة التي اعلنت بوضوح انتماءها الى مِحور الممانعة، مع كل ما يترتّب على ذلك من تبعية وتردٍّ للحياة الاجتماعية، امّا الخيار الثاني فهو خيار المعارضة التي أعلنت دعمها لحياد لبنان، مع كلّ ما يعنيه هذا من احترام للحرّيات، والانفتاح على الاستثمارات الدولية، والتنوّع السياسي والتحرّر الاجتماعي.

لا ثالث للشعب اللبناني بين هذين الخطّين، فأحدهما هو خطّ الذهاب مباشرةً الى التخلّف والانغلاق والتغنّي بالبطولات الوهمية، والثاني الى خطّ التطوّر الطبيعي للمجتمعات، والازدهار الاقتصادي. فالمسؤولية الوطنية باتت في عهدة الشعب الذي عليه الخيار، إمّا البقاء في الوسط والتمسّك بالشمولية، فقد أصبح يُعدّ تواطُؤاً مع الخيار الاول، بدل الخيار الثاني، أي الاستبدادية بدل الحرّية. فكل ما هي بحاجةٍ اليه الانظمة القمعية الديكتاتورية، هو صمت الضمائر الحيّة، للتمادي باستبدادها.

إنّ الاعتراضات والانتفاضات التي تندلع بتقطّع ضدّ السلطة الحاكمة، لم تصل الى حدّ الثورة، وما زالت في المجال المُطالب بالاصلاح، وهذا المسار قد يكون متنوّعاً ومتصاعداً، من مُطالب بإصلاح بعض الملفّات، الى مُطالب بتحميل بعض المسؤوليات والمحاسبات، الى مُطالب بإسقاط بعض السلطات، ولكن كلّ ذلك لا نفع له، لانه مع هكذا نوع من السلطات من المستحيل الاقدام على أي نوع من الاصلاح.

فأيّ دولةٍ لبنانية يُريد الشعب اللبناني؟؟؟ فهو الحَكَم، إن امتلك المعرفة والإدراك والجرأة على الخيار، وهو الذخيرة والرهينة والضحية إن بقِيَ من دون قرارٍ وخيار.

MISS 3