فادي كرم

حلّ فعلي أم خداع مُستمرّ؟

15 آذار 2021

02 : 00

يستند بعض الأفرقاء السياسيين العاملين على خطّ تشكيل حكومةٍ أُخرى للمنظومة الحاكمة، بالرغم من المعرفة المُسبقة بعدم قدرتها على إدارة البلاد والعباد، الى قناعةٍ بأنّ أصدقاء لبنان الاقليميين والدوليين، قد تخَلَّوا عن هذا البلد الصغير الذي شغل العالم في السابق، إيجاباً وسلباً، فتركوه لمصيره القاتم بيد قوى الامر الواقع المرتبطة بالجمهورية الاسلامية في إيران. يعتمد "حزب الله" بُغية استمراره في مخطّطاته، على معرفته بنوايا معظم الافرقاء السياسيين المؤمّنين للميثاقيات الطائفية، المستعدّين للتعاون معه، مباشرةً أو مواربةً، لاعادة عقارب الساعة الى ما قبل انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، ويُدرك ايضاً أنّ هؤلاء الافرقاء استسلموا للواقع المرير القائل باستحالة بناء الدولة القادرة والقوية، دولة المؤسسات الحقيقية، ولذلك اقتصرت اهدافهم القصوى على الاستمرار بالعمل لتأمين القروض المُستهلِكة للثروات والقدرات الوطنية، والمموّلة للجماعات السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية والمناطقية القابلة للدخول في المنظومة.

لا شك بأنّ "حزب الله" يخشى الأزمة التي يواجهها حالياً، المتمثّلة برفض الدائنين الدوليين والأُمميّين التجاوب مع محاولات السلطة اللبنانية للاستدانة غير المُرفقة بالبرنامج الاصلاحي والرقابي والانمائي والانتاجي. إنّ القرار الدولي الواضح، هو عدم تزويد السلطات اللبنانية بالاوكسيجين المُساعد لاستمرار الفساد والفسق، والظلم بحقّ الشعب اللبناني، مهما حاولت المنظومة الحاكمة إدّعاء تبنّيها للبرنامج الاصلاحي، صورياً، والتدقيق الجنائي استنسابياً، فالمسرحيات المعهودة لهذه السلطة لم تعد تمرّ على أي من هذه الجهات الدولية، ولم يعد يُقبل طلب المساعدة، من أي سلطة محسوبة على "حزب الله" وموجّهة من قبله. يطمح "حزب الله"، الجناح الامني والعسكري والفكري للجمهورية الاسلامية في إيران، لربح الوقت الثمين، وصولاً لخواتيم التسويات الاقليمية. ومن هذا المنطلق، يُجهّز نفسه لاسقاط جميع الشعارات الطائفية والدستورية والتحاصصية، التي يُشهرها الافرقاء السياسيون المتفاوضون حول التشكيلة الحكومية بوجه بعضهم البعض، بالضربة القاضية، من خلال التضحية بموظّفين كبار، أو بالضربات المُتردّدة، بإقالة بعض الموظّفين الوسط والصغار من جميع الفئات، وذلك حين إتمام التسوية الاقليمية التي تناسب النظام في ايران. لو كان لمنظومة السلطة الحاكمة النيّة الصادقة للمضي بمشروعٍ اصلاحي حقيقي، لكانت الخطوات الفعلية لحلول الأزمة اللبنانية قد بدأت تطلّ برأسها، لتُرخي بإيجابياتها فوراً على الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي. امّا كل ما هو دون ذلك، من محاولاتٍ ترقيعية، فليس الا استمراراً للخداع المعهود في أداء هذه المنظومة.

وبما أنّ الثقة بالسلطة قد فُقدت كُلّياً، من الداخل والخارج، لم تعد هناك حاجة لتحديد المسؤوليات عن الوضع الانهياري الوطني، فأداء المنظومة يمنع الاصلاح، ويتسلّح بالأمن، ويبتدع الخداع، ويموّه فساده بطرح شعاراتٍ ملغومة، وآخرها التدقيق الجنائي الانتقائي، بحصره في بعض الادارات وعدم فتحه مغارات علي بابا الوزارية، أي استعمال التدقيق الجنائي مُجدّداً في المشادات التحاصصية، تماماً كما استُعمل "الابراء المستحيل" سابقاً، من أجل تعبيد الطريق لتحقيق التسويات الرئاسية، باسم تحصيل حقوق الطوائف المهدورة بحكم هدر حقوق المواطنية.

فإن كان الرهان على المنظومة الحاكمة ساقطاً حتماً، وإن كانت امكانيات إنقاذ لبنان ضيقة جداً حالياً، فذلك يعني أنّ الشعب اللبناني بحاجةٍ الآن الى ثورة تغييرية حقيقية، لا تقتبس الذهنيات والعقليات للسلطة الحالية وما سبقها من سلطات، كما انه بحاجةٍ ايضاً لقائد ثورة.

تحتار الثورة في اختيار القائد، الذي قد يكون موجوداً بين صفوفها حالياً، ولم تُنصّبه بعد، لأنّها لم تتوحّد على طرح وطني واحد ومفهوم متطوّر لادارة البلاد، ولكن لحظة توحّدها تحت قيادةٍ واحدة، تتحوّل حُكْماً حزباً سياسياً، له طموحاته وطروحاته ورؤيته وخياراته. ولذلك، على الناشطين والواعين في التحرّكات الثورية، التخلّي عن العداوة مع الأحزاب، لانهم عاجلاً ام آجلاً سيدخلون هذا النادي، هذا إن ارادوا التأثير بقوةٍ في الاحداث الوطنية، وهذا يعني انّهم سيخطِئون اوقاتاً وسيُصيبون اوقاتاً اخرى، فما عليهم الآن الا البحث عن البرنامج والقائد، والحليف ايضاً، الذي يشبههم من الاحزاب السابقة لاهتماماتهم الوطنية، مثلاً، كحزبٍ كان سبّاقاً بطرح الاصلاحات الجريئة، عندما شارك في السلطة، وبخوض معارك السيادة، عندما كان معتقلاً، وبمعارك النضال ضدّ الغزاة، عندما كان وحيداً، حزباً تخلّى عن السلطة في دولة المزرعة، فكان الثائر الدائم على الخطأ، حزب "القوات اللبنانية"، وقائده سمير جعجع، الذي قاد كل هذه المعارك ولا يزال.