شربل داغر

"ألف ليلة وليلة"، الكتاب المفتوح

15 آذار 2021

02 : 00

انتهيتُ من قراءة كتاب بالفرنسية يتناول، في بعضه، البناء على حكايات "ألف ليلة وليلة"، والاستناد الى نصه الحالي، المتوافر، في اكثر من لغة، فضلاً عن العربية. وهو ما اجده في غيره الكثير، لغة وثقافة، من دون أن يتناول هذا الباحث او ذاك صحة الاستناد الى هذا الكتاب.

ما لا يعرفه البعض هو أن المتداول عربياً، وفرنسياً، وانكليزياً (وغيرها)، من هذا الكتاب مختلفٌ في أكثره عما كان عليه في النسخة-الأصل، اي الهندية، ومختلف ايضاً عن النسخة-الوسيط، وهي الفارسية، قبل وصوله إلى العربية.

من يراجع حكايات هذا الكتاب يتحقق من أن قسماً بالغاً منها يتعين في سياقات إسلامية وعباسية ومصرية وغيرها في العصور المتأخرة، ما يعني أنه كتاب جديد عن أصل ضائع ومختلف بالضرورة. هذا يجعل السؤال البحثي لازماً: هل يتعامل البحث مع الكتاب نفسه أم مع كتاب آخر، مختلف في قسم واسع منه على الاقل؟

من يُحصي الحكايات المتوافرة، في ما هو منشور من حكايات منسوبة إلى هذا الكتاب، يتحقق من انها تتعدى العدد الممكن إدراجه في الف ليلة وليلة.

هذا يقود إلى نتيجة بديهية، تلقائية، وهي اننا امام أكثر من كتاب واحد، وأمام حكيٍ مفتوح ومتنوع، وأننا امام كِتاب تداولتْه فنونُ اكثر من حكواتي واحد، وجرى تناقله في اكثر من نسخة وحكاية.

هذا جميل ومنشط مثل إرث يتعاقب عليه أكثر من وارث، ومختلف اللغة والثقافة...

هذا يحتاج -من جهة الدرس- إلى فحص تاريخي ورمزي شديد. كما يحتاج إلى التعامل معه بوصفه مدونة مفتوحة، متغيرة، متناقلة، اي الى التعامل معه بلغة التناقل والتملك، لا بلغة المخطوطة المعلومة والمأمونة.

هذه حالة نادرة ومثيرة، تجعلنا ننسب إلى كتاب ما نتفوه به بألسنتنا، ونندهش بالفانوس السحري فيما يعني قدرتنا على التخيل والإبهار...

هذا الكتاب هو ما نحلم به، ونشتهيه في الليل، لكي نقرأه في النهار.


MISS 3