روي أبو زيد

عبدو نمري (شرنّو)... أوّل من قدّم الـstand up comedy في لبنان

27 آذار 2021

02 : 01

عبد المسيح نمري من مؤسسي المسرح الهزلي في لبنان ولُقِّب بـ"شرنّو" نظراً لنحافة جسده. ولد في 6 آب عام 1923 وتوفي في 2 آب 1999. بدأ مشواره الفني في مصر مع الفنان نجيب الريحاني في مسرحيات "كشكش بك"، لينتقل بعدها مع البحارة الفرنسية إلى أكثر من 18 بلداً أوروبياً، وقدم أول عمل مسرحي منفرد له على أهم مسارح تونس "123". نال شهادات ودروعاً عدة تكريماً لأعماله المسرحية الخيرية التي كان يقدمها من دون مقابل.

قدّم "شرنّو" أعمالاً كثيرة في المسرح والتلفزيون والإذاعة وخاض تجربة فيلم سينمائي واحد بعنوان "السم الأبيض". من أشهر أعماله المسرحية: "طبيب بلا شهادة"، "الضرير"، "شو بيت يا بيك"، "استراحة أمريكية" التي عُرضت لأكثر من أربعة عشر عاماً على مسرح ثابت وجوال في كل الأراضي اللبنانية وغيرها.

كما شارك في مسلسلات تلفزيونية عدة، منها: "كانت أيام" 1964، "أبوالمراجل" 1969، و"صراع مع الحياة" 1971، حيث ظهر فيها بشخصيّة "شرنّو" التي اشتهر بها.

"لم يحب أهلي العيش تحت الأضواء أبداً، بل كانا متواضعين ولم تكبر الخسة برأسهم"، تقول ابنته الممثلة القديرة ليليان نمري. وتضيف: "إهتمّ والداي بالصحافة كثيراً وقدّرا كلّ كلمة كُتِبت عنهما".



عائلة متينة بُنيت على أسس المحبة



وتشير نمري الى أنّ والديها "لم يعملا بهدف جمع المال بل لإيصال رسائل فنية والتعزيز من قيمة الفن والثقافة في لبنان". وتوضح: "رغم أننا أولاد بيت فني لكن قلّما كنّا نرى الممثلين شخصياً فنتفاجأ لدى استقبالهم في منازلنا"، متذّكرةً واقعة طريفة حدثت معها: "أوصل الممثل عبد المجيد مجذوب مرّة والدتي من التصوير، فطلبت عليا منه أن يترجّل من السيارة لأنها تعلم أنني أحبه كثيراً. كنت حينها في العاشرة من عمري لذا حين رأيته رحت أصرخ وأقفز من الفرح". وتتابع نمري متأسّفة: "أحبّ الفنانون القدامى بعضهم بعضاً كثيراً على عكس واقعنا اليوم، واستغلّ عدد قليل منهم شهرته لتحقيق بعض المآرب الفردية".

ما السمّات التي تميّز بها "شرنّو"؟

"حورب عبدو منذ بداياته، رغم أنه أول من دخل تلفزيون لبنان لكنه اعتزل الفن باكراً، قبل أن تتوفى والدتي بعشرين عاماً"، تقول نمري. وتضيف: "كسره" أعضاء فرقته فكانوا يموتون واحداً تلو الآخر. كان وفيّاً جداً لهم لذا كان يحزن كثيراً ويبكي طوال الليل شوقاً على فراقهم"، موضحةً أنه "لم يناضل للاستمرار في طريق الفن مع أننا وقفنا جميعاً الى جانبه وشجّعناه دائماً على تقديم الأعمال المسرحية، لكنه رفع راية الاستسلام ويئس بسبب وفاة الكثير من أحبّته". وتلفت نمري الى أنّ "والدها كان عصبياً، لكنّه طيّب القلب الى حد كبير، فضلاً عن إيمانه الكبير الذي رافقه حتى الرّمق الأخير".



الثنائي الشهير عبدو وعليا



"عُرِف والدي بأعماله الخيرية فكان يساعد جمعيات حقوق المرأة والطفل والمخيمات الفلسطينية. وكان يقدّم الحفلات الخيرية مجاناً ويشارك في مزادات عدة لدعم قضايا إنسانية"، تقول نمري، مردفةً أنه "نال شهادات ودروعاً كثيرة بفضل أعماله الخيرية".

وتضيف: "عبدو حنون وكريم جداً. كان يدعو الممثلين وفريق العمل بعد عرض مسرحيته الى العشاء على حسابه الخاص ويصرف كلّ ما جمعه من مال، فيسهرون حتى الصباح فرحين بنجاح العروض".

"لكنّ والدي لم يجمع المال أو يترك لنا إرثاً كما فعل غيره من الفنانين"، تستدرك نمري، لافتةً الى أنّ "إرثه يكمن في سمعته الحسنة ومحبّة الناس الكبيرة له". وتقول في هذا الصدد: "أشخاص كثر لا أعرفهم يتواصلون معي على "السوشيل ميديا" ليبلغوني أنّ والدي قام بأعمال خير مع ذويهم وعائلاتهم"، مشيرةً الى أنه "كان خدوماً، يساعد البعض في تسهيل أموره بالدوائر الحكومية فقط لأنه شرنّو. لذا كان الناس يرسلون لنا المونة وزيت الزيتون عربون شكر على وقفته معهم، فيوزّعهم ووالدتي على الفقراء".

كيف أمضى أيامه الأخيرة؟

"قضى أيامه الأخيرة في البيت، كان يهتم بوالدتي، يخرج للمشي قليلاً ويزور كنيسة السيدة في الاشرفية كل صباح"، تردف نمري. وتتابع: "أحبّ والدي أشقائي كثيراً وخاف عليهم"، مضيفةً أنّ "حنيّة عبدو قتلته" إذ كان يبتعد عن المشاكل خوفاً على أولاده.

"كان والدي بسيطاً وهنيّاً ولم يكن متطلّباً أبداً. طبقه المفضّل قطعة من جبنة الشنكليش مع كأس من العرق"، تقول نمري، لافتةً الى أنّ "المازة اللذيذة والطاولة المزيّنة والمرتّبة من الأحبّ على قلب شرنّو".



في إحدى مسرحياته مع ابنته ليليان



ولدى سؤالنا عن سبب وفاته، تجيبنا ابنته بصوت متهدّج: "يُقال بأنه توفي بسبب جلطة دماغية، لكنّه عانى من نزيف في البروستات. كان يوم السبت حين شعر والدي بألم شديد أسفل بطنه، رحت أبحث عن مستشفى لاستقباله لكنّ 5 مشافٍ رفضت إدخاله الطوارئ بما أنّ طبابته كانت على حساب وزارة الصحة"، تسكت نمري وتتابع: " لم تسمح لنا قدراتنا المالية آنذاك بالتعاون مع شركة تأمين". للأسف ليس هناك من ضمان للفنانين "لأن نحنا ما عنا قيمة بالبلد". "طلبوا 2000 دولار أميركي كـ"رعبون"، لكنّ المبلغ لم يكن متوافراً حينها بما أنّ المصارف كانت مقفلة ولم أملك "DEBIT CARD". ناشدت الطواقم الطبية أن يدخلوه المستشفى مع التأكيد أنني سأؤمّن المبلغ صباح الإثنين لكنهم رفضوا"، تتابع نمري بحسرة، وتضيف: "توفي في منزله عند الرابعة إلا ربع من فجر الأحد".


لماذا لُقّب بـ"شرنّو"؟


كان الممثل بشارة واكيم يشاهد مسرحية لوالدي وصديق له فأطلق عليهما لقب "شرنّو" و"برنّو" نظراً لمظهرهما، فعبدو كان نحيلاً جداً أما شريكه فكان ممتلئ الجسم. "توفي "برنّو" بعد فترة وجيزة وتابع والدي المشوار"، تلفت نمري، مضيفةً: "حتّى أنّ البعض لقّبهما بـ"لوريل" و"هاردي" العرب".

تفتح نمري كتاب ذكرياتها وتسرد بفخر: "عبدو نمري هو أوّل من قدّم الـ"stand up comedy" في لبنان، إذ كان يعتلي خشبة المسرح ويقدّم الفنان القدير الراحل وديع الصافي حين كان في بداياته. كما أنه شارك فنانات كثيرات في حفلاتهن مثل سميرة توفيق وغيرها". وتضيف: "شكّل عبدو ثنائياً مهماً جداً مع الياس رزق حيث قدّما مئات الحلقات على تلفزيون لبنان في مسلسل "أبو المراجل وشرنّو". كما أنه جسّد شخصيّة درامية في عمله الأخير "السنوات الضائعة" حيث تشارك البطولة مع الممثل القدير أحمد الزين".

وتقول نمري في هذا الخصوص: "إختار المخرج سمير نصري آنذاك والدي لهذا الدور "فكسّر الأرض" حينها، رغم شهرته بالأدوار الكوميدية فقط"، مشددةً على أنّ "عبدو ساهم باكتشاف ممثلين كوميديين ومطربين ساهموا بتعزيز زمن الفنّ الجميل، لكنّ أحداً لم يتمكّن من تقليده".