فادي كرم

الإنفجار... كيف؟ وبعده... ماذا؟

29 آذار 2021

02 : 00

كرم: لبنان استطاع الصمود والمواجهة

يكاد يكون التوقّع بحدوث انفجارٍ ما في لبنان مسألة يُجمع عليها معظم اللبنانيين، من الاطياف السياسية والانتفاضية كافة، ومن عامة الناس ايضاً، حيث بات هو الحدث المُنتظر، المتداول على ألسنة الفئات العمرية الشبابية والمتوسّطة والمُسنّة، وكأنّنا أصبحنا نقف على مداخله الفعلية، ونرى مشاهده المؤلمة، مُعلّلين حتميته على الواقع الانهياري الشامل، وعلى الانحلالات المُخيفة في المؤسسات الرسمية والخاصة، وعلى الانسداد الكامل في أفق العيش الانساني، بأقلّ مستوياته.

يصحّ الاستنتاج بأنّ النتيجة المنطقية للأوضاع المأسوية، دخول البلاد في مرحلة التفجير والانفجار، ولكنّ الرهان على الانفجار ليشكّل بداية الحلول، هو الخطأ بعينه.

فلبنان المتمايز بنشأته وبميثاقه، وبتقاتل فئاته، وبتعايشهم مع بعضهم البعض، وبتوازناتهم وتأثّرهم العضوي بالتطورات الاقليمية، وبتفاهماتهم وتسوياتهم الطائفية والحزبية والبيوتاتية، قد استطاع بالرغم من مراحل عدم الاستقرار الغالب في تاريخه، وفوضى طبخاته التسووية، من الصمود بوجه الارهاب الاقليمي، الذي ضرب العمق العربي والغربي، واستطاع اقتصاده مواجهة العواصف الكبيرة، عندما كانت توقّعات الخبراء الدوليين تعكس حتمية انهياره، وأثبت مناعته ضدّ التفكّك، خلال اندلاع الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرضه، التي نهشت مدنه وقراه وأحياءه. هذا اللبنان الذي فاجأ التوقّعات والنظريات الاكاديمية، وأسقط الخطط الاستراتيجية، لمن رغب بمنحه جائزة ترضية للقوى الاقليمية، إستطاع أن ينجو من دروب النار التي وضعت في مساره. ونتيجة لسيرته الذاتية، وللمؤتمرات التأسيسية الساخنة، والتسويات المتراكمة، والخلافات المتردّدة، والتفاهمات السياسية الظرفية، فقد يكون ايضاً لانفجاره نكهة خاصة، شاملة صوراً من الافلاس اليوناني، والعوز الفنزويللي، والفوضى الصومالية، والقمع الايراني، والاجرام السوري، واللامركزية العراقية.

لا شكّ في أنّ الحياة التي يعيشها المواطن اللبناني حالياً، هي العقاب الجهنّمي الحقيقي، فالمعاناة لم تعد تُطاق، والظلم بحقّ الشعب تجاوز كلّ الحدود، وقلّة المسؤولية للمنظومة الحاكمة، فتحت صفحات جديدة من أنواع الأنانية البشرية.

فالواقع المُعاش يومياً، والمتوقّع تفاقمه وتزايده، قد أصبح هو الانفجار بحدّ ذاته.

امّا انتظار انفجار يُنقذ لبنان ويُنهي الواقع الحالي، فقد يكون بعيداً من المنطق السياسي للبلاد والسوسيولوجي لشعبه.

ولأنّ المنظومة الحاكمة أسقطت جميع الاحتمالات للسير بسلاسة بخطواتٍ دستورية وديموقراطية وقانونية وإصلاحية، لتعديل المسار الانهياري أو عَكْسه، وبسلطويتها وفسادها ولاشرعيتها وارتهانها للخارج، وبقمعها للحركات السياسية والشعبية، وبتفريغها للمبادرات الداخلية والخارجية الهادفة لخرق جدار العراقيل، أدخلت البلاد الى البراكين المُتفجّرة والى عمق الازمات الكوارثية.

تشهد البلاد حالياً، وعلى مثال تركيبتها الفسيفسائية، عجقةً من التطورات الاجتماعية والتحرّكات الشعبية، المترافقة مع الطروحات السياسية المتباينة، منها التقليدية المتجدّدة، ومنها الاصلاحية التعديلية، ومنها التحرّرية الثورية. فالطروحات التقليدية تحاول العودة الى الماضي للحفاظ على تسويات المزرعة، والأفرقاء العاملون على هذا الخطّ ينتمون لمحاور من داخل الطبقة الحاكمة، امّا الطروحات الاصلاحية فهي التي تعمل على التعديل من داخل النظام، ومن خارج المنظومة الحاكمة، وتعتبر أنّ البلاد لا تتحمّل المغامرات، لأنّها تزيد المصائب، ولا تؤتي بالتغييرات الجذرية.

وهناك الطروحات التحرّرية، الثائرة على كلّ شيء، وعلى نفسها احياناً، وأبطال هذا الخيار يعتقدون أنّها اللحظة المُناسبة، لتغييرٍ جذري، في طبيعة النظام والانسان وعلاقات الفئات اللبنانية مع الدولة ومع بعضها البعض.

تلك هي الاحتمالات التي تتجاذب اللبنانيين، يُضاف لها العامل الاستراتيجي، المُوجّه الأساسي للتفاعلات والمواجهات والتسويات، والمُرتبط بالمعركة حول الهوية، بين فريق مِحور الممانعة، الامتداد العقائدي للجمهورية الاسلامية في ايران، وفريق السيادة اللبنانية، الامتداد الفكري والنضالي للخطّ الذي خاض معارك الدفاع عن الوجود، منذ نشأة لبنان. واذا كان هذا العامل له التأثير الأكبر على توجيه المسارات والخيارات الحلولية، فهذا يعني أنّ الاصرار على المسار التقليدي اللبناني، ليس الا خدمةً لغلبة اللاشرعية المؤدية حتماً، الى انحلال الوطن، وتغيير هويته. وبالمقابل، فإنّ تمسّك الحركات الثورية بأهدافها التغييرية الجذرية، سيزيد الوضع سوءاً وانهياراً، ويُساهم في زوال الوطن.

ولذلك، يبقى الحلّ الأسلم والأقلّ كلفةً، والأسرع تنفيذاً، والأضمن للخروج الاَمن من جهنّم، هو المسار الاصلاحي التعديلي.

وبالنهاية، فلمن الغلبة، ألِلعقول الحامية، من الذين يحاولون حماية مواقعهم ومصالحهم الشخصية، ومن هؤلاء المنقضّين على النظام لتغييره، أم للعقول الحكيمة، من الاصلاحيين الحقيقيين، المتبنّين للواقعية الهادفة لإنقاذ وطن الارز؟؟؟