جنى جبّور

"شظايا المدينة: بيروت 6,07" لكارول منصور مكرّماً في "مهرجان نيويورك"

29 آذار 2021

02 : 00

مشاهد قصيرة حقيقية صوّرتها المخرجة كارول منصور، وثّقت فيها الحزن والغضب والدمار الذي لحق ببيروت إثر جريمة المرفأ، وحوّلتها لاحقاً الى فيلم "شظايا المدينة: بيروت 6,07"، ليصنف منذ أيام قليلة كأفضل فيلم قصير في مهرجان "SR - Socially Relevant Festival" في نيويورك.


إنّها اولى لحظات الإنفجار. لم تفكّر المخرجة إلا بضرورة توثيق المشاهد في العاصمة المنكوبة، التي ذكّرتها بالحرب الأهلية وما رافقها من خطف وقتل وانفجارات، فبالنسبة إليها "كل شي انتهى". الفيلم حقيقي جدّاً لدرجة أنه يمكن أن تدركه حواسنا الخمس. تغيب عنه المقابلات التقليدية، فتستعين منصور بتسجيلات جمعتها من الرسائل الخاصة التي وصلتها عبر "الواتس اب" من مقيمين عاشوا وهلة الانفجار ومهاجرين طالتهم شظاياه اينما حلّوا في العالم. نسأل منصور: "هل استغليت الوضع؟ كيف يمكن أن يفكر الانسان بصنع فيلم أمام كل المشاهد القاسية في "4 آب"؟ تجيبنا: "أنا محظوظة لأني أعلم كيف أصنع الأفلام، فأعبّر من خلالها عن مشاعري. كلّ ما فكرت فيه بعد لحظات من الانفجار، هو توثيق مشاهد الدمار في المدينة: المنازل المحلات الزجاج... كل شيء". وتضيف: "لم أستغلّ الموقف بالطبع بل شكّل هذا الموضوع بالذات معضلة اساسية بالنسبة إليّ. لم يكن هدفي تحويل ما وثقته الى فيلم ولكني شعرت بضرورة نقل ما حدث. ومن هذا المنطلق انكببت على "تركيب" المشاهد والكتابة فصنعت هذا الوثائقي مستعملةً الرسائل التي وصلتني من أصدقائي لتحديد المواضيع التي أريد تناولها، فكان كلّ شيء طبيعياً وحقيقياً. في النهاية أنا أنقل الصورة فحسب وفوزي يعني أنّ الصورة قد وصلت وفيلمي "فشة خلق" كل لبناني".


في 16 دقيقية (مدّة الفيلم) نقلت منصور تفاصيل الانفجار، معبّرةً عن غضبها بطريقةٍ درامية كنوع من التفريغ العاطفي. الصور والأصوات مألوفة على مسامعنا، وقد وثقت الجريمة بصرياً وسمعياً، ولا سيما صوت الزجاج الذي شكل خلفية جزء كبير من الفيلم سواء تحت أقدام الضحايا أو بين يدي المتطوعين الذين كانوا يجمعونه. لماذا طغت هذه السيمفونية على فيلمها؟ تشرح: "لأنّ كمية الزجاج المتناثرة في الشوارع كانت "مخيفة"وما زلنا نشعر بها تحت أقدامنا حتّى اليوم".



مشاهد من الفيلم



الموت لـ"طائر الفينيق"


لا تغيب الكلمات النابية عن شريط منصور. تشتم السلطة الفاشلة التي تقاعست عن مسؤوليتها ولم تتحرّك لمساعدة الشعب الذي فُجّرت عاصمته. وكم تمنّت أن يموت "طائر الفينيق"، فسبّته أيضاً قائلةً: "الله لا يردّو لطائر الفينيق ما بقى بدي أصمد ولا إتحمّل". وتعلّق على طريقة تعبيرها هذه بقولها: "قلت ما شعرت به وكنت "مهذبة" جدّاً بصراحة ففي داخلي كلام أكبر من ذلك بكثير". نقاطعها مستفسرين مجدداً عن علاقة "طائر الفينيق" بهذا الموضوع فتشتمه مرّة جديدة وتجيب: "أيعقل أن ينظف شعبنا الشوارع والمعنيون "مرتاحون" في منازلهم؟ هل هذا المشهد منطقي؟"، مضيفةً: "كان من الممكن أن نساعد في تنظيف البيوت. ولكن الشوارع والطرقات؟ "يلعن أبوهم"، لماذا علينا القيام بكلّ شيء. لماذا علينا جمع المال للمحتاجين، تأمين الدواء للمرضى وتنظيف الشوارع؟ أين الدولة؟ ماذا تفعل؟ هل يجوز أن يقوم الشعب وحده بهذه المبادرات كلّها؟".





الفيلم حطّم قلوب لجنة التحكيم


نشرت جمعية "درج" فيلم منصور بدايةً، قبل أن تحذفه لإرساله الى المهرجانات الخاصة. ومن كلّ الأفلام التي وصلت الى مهرجان نيويورك حقّق "شظايا المدينة: بيروت 6,07" المرتبة الأولى. وعلّقت إحدى أعضاء لجنة التحكيم في نيويورك قائلةً: "كان من دواعي الشرف أن أختار "Shattered: Beirut 6.07" لجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير. "شظايا الزجاج في عاصمتك حطمت قلوبنا أيضاً"، هذا ما قالته هيئة المحلفين عن فيلمك الرائع"، مضيفةً: "إن إنتاج عمل وثائقي قصير والعمل بقوة ليست مهمة سهلة. يحطّم أحياناً موضوع الفيلم وشجاعة المخرج قلبك ويؤثر في أعماقك. هذا ما فعله فيلمك هذا العام".

أمّا منصور فتعتبر أنّ "فيلمها حقق غايته والدليل أن كلّ من شاهده خارج لبنان شعر بحجم الدمار الذي لحق بنا"، وتعلّق: "لا شكّ في أنّ هذه الجائزة مهمة جدّاً بالنسبة إليّ، ورفعت من معنوياتي في هذه الفترة الصعبة ولكن سرعان ما انخفضت مجدداً بمجرد سماع تصريح أحد المسؤولين اللبنانيين، فعدتُ لأغرق في الواقع المرّ".



كارول منصور



من هي كارول منصور؟


هي مخرجة أفلام وثائقية مستقلة منذ أكثر من 25 عاماً. أسست "Forward Film Production" في العام 2000 في بيروت. يعكس عملها اهتمامها بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ويغطي قضايا الهجرة، العمال واللاجئين والقضايا البيئية والصحة العقلية وحقوق المعاقين والحرب والذاكرة والحق في الصحة وعمل الأطفال. نالت أكثر من تكريم وتقدير دولي لأفلامها التي عرضت في مهرجانات أوروبـا وأميركا الشمالية.