مايز عبيد

عين الدول على الثروة النفطية شمالاً... ولبنان الرسمي في صمت مطبق

6 نيسان 2021

02 : 00

أكثر من 2000 كلم مربع متنازع عليها

تعود قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية إلى الواجهة من جديد، ولكن هذه المرة من الجهة الشمالية من الحدود، وتحديداً مع سوريا. فبعدما قامت سوريا بتلزيم شركة "كابيتال" الروسية التنقيب عن النفط بعقد مدته أربع سنوات في البلوك رقم 1، ومع تداخل الحدود البحرية بين لبنان وسوريا في الجهة الشمالية في كل من البلوك رقم 1 والبلوك رقم 2، أثار القرار السوري اعتراضاً واسعاً لدى الرأي العام اللبناني من دون أن نسمع أي تحرّك رسمي ديبلوماسي أو سياسي حيال الأمر.

والمعروف أنّ لبنان قام بترسيم حدوده البحرية في العام 2011 ولم يصدر أي تعليق سوري على الأمر حتى العام 2014 عندما اعتبرت سوريا أنها غير معنية من قريب أو بعيد، بكل ما يجري من ترسيم حدود بحرية يقوم به لبنان. فالإعتراض اللبناني على المسألة يأتي من زاوية أنّ هناك تداخلاً حدودياً بحرياً بين لبنان وسوريا لأكثر من 1000 كيلومتر مربع في البلوكين 1 و 2، منها 750 كيلومتراً مربّعاً في البلوك رقم 1 فقط. الصمت السياسي اللبناني الرسمي حيال الأمر دفع بالعديد من المهتمّين بهذا الشأن للسؤال عن الخلفية الحقيقية وراءه، ولماذا يسكت لبنان عن قضم حقوقه البحرية لا سيما الشمالية؛ في النفط والغاز؛ ولماذا لا تقوم الحكومة اللبنانية بتقديم شكوى دولية في هذا الخصوص أو أن تتواصل مع الحكومة السورية مباشرة لإيجاد صيغة تفاوضية معينة حيال الأمر طالما أنّ الإتصالات قائمة حالياً وليست الأمور كما في السابق، وقبل أيام زار وزير الصحة سوريا بخصوص مساعدات الأوكسجين. فإذا كانت سوريا ترغب بمساعدة لبنان فمن باب أولى ألا تقبل بقضم حقوقه في الغاز والنفط أيضاً!.

مهندس البترول وخبير حفر وإنتاج بري وبحري عبد الفتاح الشريف المرعبي يقول لـ "نداء الوطن": "هناك قاعدة علمية في قانون البحار الدولي يتمّ السير عليها بالإتفاق مع الأمم المتحدة. بحسب القاعدة هذه، نحتسب الحدود المائية مع دول الجوار ويتمّ رسم الخطّ البحري الذي يفصل بحرياً بين المناطق الاقتصادية الخالصة لكلّ من سوريا ولبنان وقبرص وفلسطين المحتلة. وبحسب خرائط الحدود البحرية بين مياه لبنان وفلسطين المحتلة ومياه لبنان وسوريا فلا أظن أن نفس القاعدة متّبعة في كل من الحالتين؛ وهذا يشكّل نزاعاً قانونياً مع دول الجوار لعلاقته بالموارد النفطية في الاعماق لكل واحدة من هذه الدول. ولم يقبل مثلاً لبنان بنتيجة الحسابات الاسرائيلية لمساحة منطقتهم الاقتصادية الخالصة، والتي قدموها ضمن المحادثات الاخيرة مع الوفد اللبناني. كذلك لم تقبل اسرائيل بالمساحة الاقتصادية الخالصة التي اعلنها لبنان. والطرفان يعتمدان على نفس قانون البحار ولكن كلّ له تفسيره. وعليه، هناك اكثر من 2000 كلم مربع متنازع عليها. كذلك لم تجرِ أي مفاوضات رسمية بين الطرف السوري واللبناني لتبادل الآراء على تحديد المساحة الاقتصادية الخالصة لكل بلد، فقام لبنان بتحديد الرقعتين الشماليتين 1 و 2 حسب ما ارتأى الطرف اللبناني، وبالمقابل قام الطرف السوري بتحديد الرقعة 1 في مياهه الاقليمية متداخلة مع حدود الرقعتين 1 و 2 اللبنانيتين".

ويضيف المرعبي: "عليه يكون الحال الآن، وجود خلاف على مساحة تقارب الـ 700 كلم مربع. وبناء على قانون البحار عينه، قام لبنان وقبرص بالتوقيع عام 2007 على اتفاق لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين ولكن لم تتم المصادقة على هذا الاتفاق بعد من قبل مجلس النواب اللبناني".

ويشدّد المرعبي على القول إن "أي تلزيم للتنقيب، سواء من الجانب السوري أو من الجانب اللبناني (وكذلك من الجانب الاسرائيلي) مفروض أن يتمّ بعيداً من المناطق المتنازع عليها الى ان تتأتى الظروف الدولية والوساطات الأممية لتحديد الخطوط المائية المعترف بها دولياً. ولكن مع الأسف تأتي هذه المستجدات في ظل غياب حكومة في لبنان، مما يؤدي الى الخمول في متابعة هذا الأمر المهمّ مع الاوساط الدولية، ويخلق الظروف المعاكسة للبنان ليستفيد منها الطرف الناشط".

ويتوقع المرعبي في قراءة أولية أن "بلوك 1 و 2 قد يحويان عدة تريليونات قدم مكعب من الغاز بشكل أولي من الجانب اللبناني وبلوك 1 من الجانب السوري بسبب التكامل الجيولوجي ونتوقع العمر الجيولوجي نفسه و"المطبخ" نفسه للغاز في الطبقات المتقاربة". كما يشير إلى "احتمال وجود 42 مكمناً معظمها من الغاز وبعضها من النفط ضمن المنطقة اللبنانية الاقتصادية الخالصة بحسب ما اعلنت ادارة قطاع النفط اللبنانية على موقعها الإلكتروني... مع الملاحظة أن كل تريليون قدم مكعب من الغاز حرارياً يساوي 166 مليون برميل نفط". ولأنها لا تعترف بالترسيم اللبناني قرّرت سوريا من جانب واحد الحفر من دون العودة إلى لبنان. ويتنازع لبنان في حدوده البحرية مع إسرائيل (الحدود مع فلسطين المحتلة)، ومع قبرص لم يحصل اتفاق ترسيم نهائي وكذلك الآن مع سوريا. وفي عُرف الدول والمصالح وحماية الحدود لا يمكن لأي دولة أن تتنازل عن حدودها ومصالحها. وبينما تقول روسيا أنها مستعدّة للوساطة في مفاوضات من هذا النوع بين لبنان وسوريا. وفي حين تشير المعلومات إلى أن ملف الحدود البحرية كان على طاولة البحث بين وفد "حزب الله" الذي زار موسكو ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وأن شركة "توتال" أوقفت الحفر بعدما نقّبت بحدود 1600 متر في البلوك رقم 4 لأسباب سياسية بحتة "؛ أشار مصدر سياسي شمالي مطلع لـ "نداء الوطن" الى "أن عين العديد من الدول على النفط والغاز اللبناني، وما الزيارات المتكررة لسفراء أميركا وفرنسا وغيرهما إلى الشمال أخيراً إلا لهذه الغاية بالتحديد وليس لاستطلاع وضع المرفأ أو المصفاة كما يتم التسويق". يشار في هذا الصدد إلى أن الروس وبالإتفاق مع إدارة منشآت النفط "أخذوا الخزانات لاستخدامها في التخزين النفطي للنفط الآتي من كركوك إلى سوريا... وإذا ما ربطنا كل المجريات بعضها ببعض نرى أن هناك أهدافاً أخرى أبعد من ذلك بكثير".