جنى جبّور

نادين بنايوت: أخوض معارك ثقافية وثورية على صعيد الوطن

17 نيسان 2021

02 : 00

يجهل كثير من اللبنانيين وجود ثالث أقدم متحف أثري في الشرق الاوسط، داخل حرم "الجامعة الأميركية في بيروت"، الذي تضرر من جريمة المرفأ، والذي استلمته أمينته الجديدة نادين بنايوت في الأول من أيلول، ما شكل لها تحدّياً لاعادة ترميم التحف المتضررة والعمل برؤيا جديدة تطال مختلف الفئات العمرية في لبنان وخارجه. "نداء الوطن" التقت بنايوت في حديثٍ شامل، يبدأ بطريقة دمج متحف يعود الى القرن التاسع عشر بالقرن الـ21 ولا ينتهي بتطلعاتها و"معاركها" الثورية لادخال الإرث الثقافي الى حياة ويوميات كل لبناني ويسهم في تطوير الوطن.

إستلمتِ متحفاً "مدمراً" خلال الجائحة. ألم "ترعبك" المسؤولية؟

اعتبرت هذه التجربة بمثابة تحدٍ آخر بالنسبة إلي. تخطيت مخاوفي وسرت في مهمتي الجديدة. كان «المتحف الأثري للجامعة الأميركية في بيروت» الأكثر تضرراً من الانفجار من ناحية عدد القطع التي لا تثمّن، مثل دمار واجهة عرض (Vitrine) تحتوي على نحو 74 قطعة زجاجية فريدة من نوعها تعود الى العصر الروماني، بينما تضرّر متحف «سرسق» أكثر من ناحية هندسته المعمارية. من هنا، كان لا بد من أن نلملم جراحنا ونلتقط انفاسنا مجدداً فنظمت عملية «انقاذ» وتعاونت مع فريق عمل فرنسي من المؤسسة الوطنية للتراث «Institut national du patrimoine» المتخصصة بترميم الزجاج ومع فريق عمل من الجامعة الأميركية، اضافةً الى طلاب ماجستير متخرجين من برنامج كنت قد أعددته بجامعة البلمند (مكان عملي السابق) في الـ»Museum Studies and Cultural Heritage Management» (دراسة علم المتاحف وإدارة التراث الثقافي). ولم يقتصر عملنا على متحف الجامعة الأميركية فحسب، بل تطوعنا أيضاً للمساعدة في متحف «سرسق». لا أتردد لحظة عن تحمّل هذه المسؤولية. لا يمكن أن أنهار أو ألا ألبي نداء المساعدة. وكانت حملة «الانقاذ» وسيلة للشفاء من صدمة الانفجار والفضل يعود الى كلّ متطوع معنا.


هل تكللت عملية الإنقاذ بالنجاح؟


أنقذنا 15 قطعة زجاجية. وفي أيار المقبل، سيتولى اختصاصيون من فرنسا عملية ترميم قسم منها، أمّا القسم الآخر فسنرسله الى متحف بريطانيا الذي وضع خدماته بتصرفنا بمرافقة شخص من فريق الجامعة ليتدرب على طريقة الترميم. وسيُنظم بعدها معرض خاص بالجامعة الأميركية في متحف بريطانيا.


المتحف الأثري للجامعة الأميركية في بيروت


ماذا عن وضع المتحف خلال كورونا؟


حضورياً، كل شيء معلّق. الجامعة مغلقة بشكلٍ كامل أمام الطلاب والزوار. ولكن حفزتنا «الكورونا» على خلق عالم افتراضي خاص بنا، فتوسعنا في هذا المجال. خلال عملية «الانقاذ» أدركنا أهمية هذا العالم في مدّ الجسور خارج جدران الجامعة ولا سيما بعد تطوّع فريق الاعلام في الجامعة الأميركية لتصوير عملنا على الأرض ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أعطانا زخماً ودعماً معنوياً من رواد المنصات المختلفة. وشكلت «كورونا» وأموالنا المحجوزة في المصارف وعدم تمكننا من تنظيم أي نشاط في المتحف لاسباب مادّية وصحية، حالة طوارئ قصوى، اذ من المستحيل أن نفقد الأمل بمتحفٍ يتجاوز عمره الـ154 عاماً، بل من الضروري أن نعيد إليه النبض.


ما هي الصعوبات التي واجهتك في "معركـــــــــة" العالم الافتراضي؟


أصدقاء المتحف الذين عملوا لسنواتٍ طويلة لتحسين وتطوير هذا الصرح الثقافي كانوا يجدون صعوبةً في التعامل مع التكنولوجيا، فهم من فئة عمرية معينة ولديهم رؤيا مختلفة. الّا أننا نجحنا بدمجهم في العالم الافتراضي وبناء نمط جديد مع الموظفين على طريقة العمل الافتراضية التي تليق بمتحفنا. وبالفعل تمكنّا من انجاز باقة نشاطات افتراضية أهمها ندوتان افتراضيتان عبر تطبيق «زوم» مع متحف «هارفرد» و»Institut national du patrimoine» ونحن في طور تنظيم ندوة ثالثة، تمكننا من خلالها استضافة مشاركين من بلدان مختلفة من أهم جامعات باريس وبوسطن ولندن وغيرها، ما يسهم في الانفتاح والتطور الشخصي والعلمي.

كذلك عملت على جمع أهم الفيديوات والمقالات العالمية بشأن التراث والفن والمتاحف وأرسلتها بشكل مبسط افتراضياً لأصدقاء المتحف ما سمح لهم بالاطلاع على الاكتشافات الجديدة. ليس ذلك فحسب بل نظمنا جولات افتراضية لمواقع عالمية يمكن زيارتها بطريقة الـVirtual Reality، ويمكن زيارة متحف الجامعة الأميركية عبر تقنية «360». ونعمل حالياً على تزويد زوارنا بتفسيرات وفيديوات حول الاغراض المعروضة لفهم معناها. يشار هنا الى أن فريق عملنا يعمل على كتابة نصوص شيقة ومبسطة وفقاً للمعلومات العلمية لبعض القطع المعروضة لجذب الزوار في جولتهم الافتراضية.


المتحف بتقنية "360"


ما أهمية الإرث الثقافي؟

بوسع كل من يتجوّل في منطقة أنفة، حيث انهيتُ للتو عمليات الحفر الاثرية كوني عالمة آثار، يعي أهمية هذا الارث على صعيد الوطن. أنجزنا خريطة اثرية للمنطقة واستكشفنا المعالم الأثرية للحفاظ عليها وإدخالها ضمن الخريطة السياحية وتأمين تنمية مستدامة لها. شخصياً، اعاني في هذا المجال منذ اكثر من 30 عاماً. خضت معارك فردية وحققت نتائج ملموسة. وأنفة خير دليل على ذلك فقد حوّلتها من منطقةٍ منبوذة ومهملة الى منطقة سياحية مقصودة. كما سلّطنا الضوء دولياً ومحلياً على تراثها الثقافي والطبيعي. لبنان من أغنى البلدان من حيث الارث الثقافي والطبيعي ولكن الحكومات المتعاقبة دمّرت هذه الثروة الحقيقية بإعطاء الرخص العشوائية والسماح بعمل الكسارات غير القانونية. الارث الثقافي ثروة يمكنها إعادة بناء اقتصاد البلاد وأنا اراهن على ذلك، شرط ان يكون لدينا اشخاص يتمتعون بالرؤيا للتعامل كما يجب مع هذا الشأن. لا يمكن فصل الارث الثقافي عن الطبيعي. كذلك لا يقتصر الارث الثقافي على النخبة فحسب، بل يجب ان يشمل الشعب بكل فئاته. وأنا أراهن شخصياً على جيل الشباب هنا. كذلك اذا لم يخدم الارث اهالي المنطقة الموجود فيها، فلا أهمية له.


دمار واجهة عرض


ما هي مشاريعك المستقبلية كأمينة للمتحف الأثري للجامعة الأميركية في بيروت؟

معركتي الكبرى هي في حث طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» على اعتبار المتحف بمكانة منزلهم. كذلك هدفي بأن يخدم المتحف المنطقة الموجود فيها وأعمل على تنظيم «متحف جوال مصغر» يتنقل من منطقة الى اخرى على الأراضي اللبنانية كافة. أطمح كذلك الى التعاون مع الاطراف الدولية والاقليمية والمؤسسات التي تشبهنا ليؤدي المتحف دوراً محلياً واقليمياً ودولياً مميزاً. بالاضافة الى كلّ ما ذكرت سأكمل الحفريات الأثرية على صعيد الوطن ككلّ فأنا أعشق هذا المضمار لما له من أهمية قصوى تنعكس إيجاباً عى مساحة الوطن ككلّ.

MISS 3