وهبي قاطيشه

النووي الإيراني للسلاح أو للطاقة؟

19 نيسان 2021

02 : 00

"النووي للسلام وليس للحرب". هذه النظرية أطلقها الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور في الخمسينات من القرن الماضي، بعد سقوط نحو 200 ألف قتيل بلحظات، وتدمير مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، بقنبلتين نوويتين خلال الحرب العالمية الثانية ( 6 و9 آب 1945 ).

طبعاً سارعت الدول الكبرى إلى امتلاك السلاح النووي للتوازن، لمنع الحروب المباشرة بين الكبار إبّان مرحلة الحرب الباردة، خوفاً من الدمار الكلّي المتبادل، فوضعت اتفاقات للحدِّ من الأسلحة النووية ومنع تصنيعها، وفي ما بعد إخضاع الدول لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، لحظر انتشار السلاح النووي.

باختصار، يضمُّ النادي النووي الرسمي اليوم الدول الخمس الكبرى، وقد وضعت الإتفاقات الدولية سقفاً لترسانة كلٍّ منها لهذا السلاح. تُضاف إلى هذا النادي وبشكل خجول الهند وباكستان اللتان تصرحان بشكل علني عن حيازتهما للسلاح النووي، والذي أدى دوراً إيجابيّاً بمنع تجدُّد الحروب الكلاسيكية بينهما؛ تضاف إليهما كوريا الشمالية المعزولة دوليَّاً؛ وأخيراً إسرائيل التي لم توقِّع أصلاً على أية معاهدة أو إتفاقية دولية مرتبطة بالنووي لتستأثر بالغموض الستراتيجي، لكنها تمتلك سرّاً أكثر من مئة رأس نووي.

أثناء التخصيب تمر الذرّة بثلاث محطات: المحطة الأولى، التخصيب بنسبة 3.70% لإنتاج الطاقة الكهربائية؛ المحطة الثانية، التخصيب بنسبة 20% للإستخدام الطبي؛ وأخيراً المحطة الثالثة، التخصيب بنسبة 94% لإنتاج السلاح النووي. المحطتان الأولى والثانية تعملان في كثير من دول العالم بإشراف دولي لسببين: الأول حساسية وخطورة التعامل مع الذرة، وثانياً لمنع الفرقاء من العمل سرّاً لتطوير سلاح نووي. لذا نجد مئات المعامل العاملة لإنتاج الطاقة، ومئات السفن البحرية التي تعمل على الطاقة النووية.

بالنسبة لإيران الأمرمختلف؛ إذ سبق لطهران أن عقدت اتفاقات عدة في زمن الشاه، مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا لبناء معامل لإنتاج الطاقة؛ وحتى إسرائيل عقدت اتفاقاً مع الشاه سُميَ في حينه "برنامج الزهور"، بحيث تتبادلان النفط لإسرائيل مقابل المعرفة التكنولوجية النووية لطهران؛ التي وقعت على كل المعاهدات والإتفاقات الدولية النووية.

بعد سقوط حكم الشاه لصالح رجال الدين تغيَّرت السياسة الخارجية لطهران، من صديق للغرب إلى معاداة للغرب والشرق و "شيطنة" واشنطن وموسكو على السواء؛ كما جاهرت بالتفرُّد بالقضية الفلسطينية والعدائية لإسرائيل، منتهجة سياسة خارجية عزلتها عن معظم دول العالم، فألغيت كل العقود النووية التي أبرمتها مع بعض دول الغرب؛ واعتمدت سياسة مواجهة على عدة جبهات:

1 - الإستثمار إعلاميَّاً في القضية الفلسطينية لإحراج الدول العربية وأغلبية الشعب الفلسطيني.

2 - المجاهرة بالعداء لإسرائيل وإزالتها من الوجود.

3 - تأسيس أذرع عسكرية إقليمية تخدم توجهاتها الإقليمية للهيمنة على العالم العربي واستثماره في عمليات إرهابية حول العالم.

4 - العمل سرَّاً على تخصيب الأورانيوم للوصول إلى النووي العسكري.

السياسة الإيرانية التي تنتهجها إيران تقود حتماً بنظر الدول الكبرى إلى النتائج التالية:

1 - عدم استقرار دول الشرق الأوسط التي ترفض الهيمنة الإيرانية.

2 - سباق تسلُّح نووي فوق مسرح الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى تدمير متبادل بين دوله.

3 - إبتزاز القضية الفلسطينية إيرانيَّاً خلافاً لتطلعات أغلبية الشعب الفلسطيني.

4- تهديد إسرائيل بإزالتها من الوجود، لأن إزالة الدولة العبرية بالمفهوم الستراتيجي يكلِّف قنبلة نووية واحدة قادرة على "تدميرها" بسبب ضيق رقعتها وكثافة سكانها.

المباحثات التي تجددت في فيينا بين الـ4 زائد 1 وإيران، لا تهدف إلى حرمان إيران من إنتاج الطاقة، أو الوصول إلى الإستخدام الطبي، إنما إلى إلزامها بتنفيذ الإتفاقات الدولية التي وافقت عليها كبقية دول العالم، ومنعها من الوصول إلى السلاح النووي، بعد أن ضُبِطت بالجرم المشهود سابقاً، بالعمل على تخصيب الأورانيوم سرّاً، وإنشاء معامل سريّة للتخصيب.

تؤكد الأسرة الدولية أن السلاح النووي خطير جداً، حتى في يد الأنظمة الديموقراطية، لذلك سارعت الأمم المتحدة إلى ضبطه بالإتفاقات الدولية لمنع انتشاره. فكيف إذا وصل هذا السلاح إلى نظامٍ ديني متطرف (غير ديموقراطي)؟ والزر أو المفتاح النووي في إيران لن يكون بيد الجيش الإيراني ( لأن الجيوش ترفض الإستخدام النووي في الحرب)، إنما بيد حرّاس الثورة (غير الدولتيين)، والأخطر من ذلك قد يصبح تحت سيطرة بعض رجال الدين الذين يؤمنون بـ"الحقّانيّة"، ما يشكل خطراً حقيقيّاً على المحيطين الأقرب والأبعد للدولة الإيرانية.

باختصار يمكن تحديد وظائف مختلفة للسلاح النووي في الدول التي تمتلكه:

الوظيفة الأولى: السلاح النووي في الدول الكبرى حقّق التوازن، ومنع الحروب الكبرى التدميرية بين الكبار وانعكاساتها الخطيرة على شعوب الأرض.

الوظيفة الثانية: السلاح النووي في الهند وباكستان منع تجدُّد الحروب الكلاسيكية بين البلدين، وبالتالي منع التدمير المتبادل.

الوظيفة الثالثة: كانت وظيفة السلاح النووي في كوريا الشمالية، المقايضة بالنووي مقابل الغذاء فأُطلق على النشاط النووي لكوريا الشمالية "القنبلة بالرغيف". عندما تعهدت كوريا الشمالية بوقف برنامجها النووي لقاء تلقّيها مساعدات غذائية ومحروقات من واشنطن وطوكيو بسبب فقرها المدقع. لكن الأخيرتين لم تفيا بوعدهما.

الوظيفة الرابعة: "دولة القنبلة الواحدة". هذه العبارة يطلقها خبراء الستراتيجيا على إسرائيل؛ أي ان تدمير إسرائيل يكلف قنبلة نووية واحدة (بالمعنى المجازي)، نظراً لضيق مساحتها الجغرافية وكثافة سكانها وإحاطتها بأعداء رافضين لوجودها. لذا يعتبرون أن السلاح النووي في إسرائيل هو بمثابة "بوليصة تأمين على الحياة".

أين تقع وظيفة السلاح "النووي" الإيراني؟

الدول الـ4 زائد 1 التي تتفاوض مع إيران في فيينا، تؤكد أن إيران ليست فقيرة لتقايض النشاط النووي بالرغيف، كما كانت كوريا الشمالية. وإيران ليست لديها قضايا جغرافية عالقة تاريخيّاً مع أيِّ من جاراتها، كما هي الحال بين الهند وباكستان حول مقاطعة كشمير، لتمتلك سلاحاً نووياً يؤمن لها التوازن مع هذا الجار. وإيران ليست مطوقة ومهددة بالزوال كما هوالوضع الإسرائيلي لتبحث عن "بوليصة تأمين على الحياة". لذا يؤكد المفاوضون مع إيران، بأن الهدف الوحيد من امتلاك إيران لسلاح نووي، هو الهيمنة على الشرق الأوسط؛ وهذا ظاهر في ممارساتها في الإقليم، ما يقود حتماً إلى سباق تسلح محموم وخطير جداً في منطقة متفجِّرة بطبيعتها. فالأسرة الدولية تغاضت عن قنابل الفقر والتوازن وبوليصة التأمين، لكنها ترفض حتى اليوم قنبلة "الهيمنة" التي تهدف إيران إلى "شرعنتها". إنها جوهر المفاوضات الدولية في فيينا.

MISS 3