ما هي أسباب صرف 300 عامل في برنامج دعم الأُسر الأكثر فقراً؟

وزارة الشؤون الاجتماعية: صرف... إصلاح... أم استغلال مصائب قوم؟

02 : 00

د. بشير عصمت

أصدر العمال الاجتماعيون في برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً منذ يومين بيانين متتاليين. الأول "يعتبر قرار وزير السياحة والشؤون الإجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية خطوة جائرة تفضي إلى الطرد التعسّفي لأكثر من 300 عامل اجتماعيّ على الأقل في مشروع الفقر، ما سيؤدي الى حرمان هؤلاء من العمل ومن الدخل في هذه الظروف الصعبة والقاسية. وأن الوزير قام باتخاذ تلك الخطوة من باب التوظيفات التنفيعية الجديدة، ووضع اليد على برنامج الأسر الأكثر فقراً، بهدف الاستفادة منه شعبوياً وسياسياً. فقرار الوزير صرف عاملين في البرنامج "ليس سوى محاولة منه لإظهار نفسه بصورة الرجل الإصلاحيّ، حتى على حساب الفقراء وعوائل العاملين الاجتماعيين، وعلى حساب استمرارية المشروع".

أما البيان الثاني، "فيكشف الجهات التخريبية التي تشكل منظومة هدامة تدير الوزيرالمشرفية غير الاختصاصي وتتعمد الى إفشال الادارة والدولة لتسليم الدولة الى المؤسسات خدمة لاهداف سياسية وأهداف خارجية".

ويردف البيان أسماء لمستشارين ويخصّ بيار باز المستشار الذي يعالج بريد الوزير بأوصاف غير لائقة وكذلك بأوصاف للوزير، خاصة الرعونة المتكررة وغير الصادقة الى ان يصل الى رفض دمج المشاريع (الذي هو موضوع آخر، لا شأن للصرف به).

فحين يتعلق الامر بصرف عمال من أعمالهم، لا يمكن الا ان تكون ردة الفعل الاولى الرفض والمعارضة خاصة في هذه الظروف المأسوية، لكن كيف لعمال ميدانيين ان يعرفوا كل هذه المواصفات للوزير وللمستشار باز؟

حقيقة الصرف

اوضح د. بشير عصمت مستشار سابق لوزارة الشؤون للسياسات الاجتماعية لـ"نداء الوطن" حقائق عدّة حول ما جرى ويجري في الكواليس وهي كالتالي:

1 -جرت عملية حشو البرنامج بعد التأسيس من كل ذوي الواسطة، فعدد العاملين الذي كان مخططاً له في حينه هو 180 عاملاً إجتماعياً من ذوي الكفاءة، وكان مقدّراً أيضاً أن يصل العدد الى 300 كمرحلة أولى في السنة الأولى ليتمّ من خلالها جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. أما حين تسلّم بيار بوعاصي (بعد سبع سنوات) مهامه كوزير، كان العدد بلغ 725 عاملاً.

2 - هذه ليست المرة الأولى التي تتم خلالها محاولة اعادة عدد العمال الاجتماعيين الى الرقم الذي يجب أن يكون عليه. قام سابقاً الوزير بوعاصي بهذه الخطوة وكانت القاعدة المتبعة في حينه وما زال معمولاً بها الى اليوم اخذ جملة معايير منها سنوات العمل في البرنامج ، تقييم الاداء، الشهادة، الحاجة، منطقة العمل وكثافة المستفيدين، والتفرغ.

3 - لا يمكن القول في أي حال أن التعيين في البرنامج لم يخضع للواسطة حيث لم يكن يلزم التوظيف أية شروط لجهة الكفاءة.

عبء الديون

4 - في العهود الثلاثة الاخيرة (أي عهد الوزير بيار بوعاصي وريشار قيومجيان ورمزي مشرفية) لم تحصل تعيينات. ولكن البرنامج كان ينوء تحت أحمال الديون كعدم الإيفاء للمدارس والمستشفيات التي قدمت خدماتها للمستفيدين في ظلّ الضائقة المالية، وكان البرنامج مهدداً فعلياً بالافلاس والإقفال.

5 - طلب ديوان المحاسبة في السنوات الماضية على التوالي تقليص عدد العاملين في البرنامج (بشكل اجارة خدمة) تحت طائلة عدم صرف رواتبهم وطبعاً اضافة الى مطالب اخرى تتعلق بدمج المشاريع توفيراً للامكنة وللجهد البشري ولميزانية الدولة. وكان ان رد الوزراء الطلب الى ديوان المحاسبة لتأجيل هذا الاجراء ريثما تحل القضية بشكل ما، من دون قطع أرزاق العاملين".

وحول المعوقات التي واجهت بوعاصي، أشار عصمت الى أن "تدبير بوعاصي باعادة البرنامج الى حجمه الاصلي، أعاقته في حينه خلال العام 2016، تدخلات سياسية من مراكز نفوذ داخل الوزارة والضغوط التي قيل عن التعرض لها من "فوق". وتمّ في حينه إعفاء نحو 200 عامل ميداني لم يتمتعوا للأسف بالواسطة لدى سعادة الموظف الكبير".

الى كلّ ذلك، تبقى الحقيقة الأخيرة كما أوضحها عصمت وهي "قيام الوزير بجملة إجراءات تحسينية منها الطلب من الادارة اتخاذ الاجراءات لتعويض اي عامل اجتماعي بمبلغ 12000ل ل عن تعبئة كل استمارة وتعديل الرواتب تعويضاً عن صعوبات غلاء المعيشة وكذلك اتخاذ الاجراءات للاسراع في تلقيح كل العاملين في البرنامج لضمان سلامتهم واتخاذ الاجراءات لتسجيلهم في الضمان الاجتماعي والاستفادة من تقديماته".

وأكّد أنه "كان من المقدر ان تكون عملية تحضير داتا المعلومات اي جمع المعلومات عن المستفيدين المحتملين، لاطلاق مشروع الحماية الاجتماعية الجديد (القرض)، قد شارفت على نهايتها او انتهت ولكنها بالفعل لم تبدأ بعد، فمن يدعي الدفاع عن دور الوزارة، لم يعط الضوء الاخضر لبدء العمل منذ أيار الماضي.

وكان مقرراً أيضاً ان يقوم العمال الاجتماعيون أنفسهم بجمعها والفقراء ينتظرون والخبراء الاخصائيون يتشاورون والقرض تقلص مع الهبات من 600 مليون دولار الى 246 مليون دولار. ووجوده مهدد بالصراع حول الجهة التي تستحوذ عليه وتديره وبأي عملة يدفع للمستفيدين".

فقدان هبة الـ2.5 مليون دولار

وفي السياق نفسه، يقول عصمت، "في نهاية آذار الماضي، فقد لبنان وبرنامج دعم الاسر الاكثر فقراً المفلس مالياً، هبة بقيمة 2.5 مليون دولار، استعادها البنك الدولي بالنظر لعدم انفاقها في الوقت الملائم وذلك بفعل قصور وزارة الشؤون عن إنفاقها على الفقراء، وبفعل هيمنة كبير الموظفين نفسه على اي اجراء روتيني ممكن ان تتخذه اي دائرة وتوهم أبعاداً تآمرية لكل حركة مما فرض نظاماً من اقتسام الجبنة يكون له منها النصيب الاكبر، هذا الامر يصيب او يضرب صلاحيات اي وزير.

وساهم الموظف الكبير بتدبيج برنامج حماية اجتماعية بمعية ممثلين عن الرئاسة الاولى ونيابة الثالثة وعبر تضاريس مجلس النواب، خرج مسخاً غير قابل للحياة".

واضاف: "بدل أن يحرض الموظف الكبير العاملين في برنامج الفقر ويكتب لهم بيانات ويكلف نفسه السيد بشارة الأسمر عناء الحضور لتأييد قضية لا يفقه منها شيئاً، والموظف الكبير لتمرير اجندته لدى سماسرة المنظمات الدولية الذي يستقتل للإجتماع بهم دون سواه، كان بامكانه ايجاد أمكنة للفائض من العاملين في البرنامج الجديد وتنفيذ ما طلب اليه الوزير من ضمانات للعمال الاجتماعيين. لكن المسايرة وعدم خلق شرخ داخل الوزارة ايام بوعاصي اتاح للموظف الكبير ان يجعل قسماً من العمال الاجتماعيين المدعومين يظنون ان خلاصهم بتحولهم اداة بيد هذا الموظف ومن وراءه".

واعتبر أنه "ربما ليس من المناسب اليوم صرف موظفين بالكاد يقتاتون، لكن الامر بين يدي ديوان المحاسبة والبرنامج هو لفقراء لبنان كله وليس مكاناً لتصفية حساب باسم العمال الفقراء على حساب دور وزير ويجب أن يسير لخدمة الفقراء سواء بصرف الحشو أو تأجيله في هذه الضائقة، ومن دون أدنى شك التوقف عن صياغة بيانات باسم الموظفين ذات مآرب شخصية ومحاسبة من اضاع 2.5 مليون دولار على فقراء لبنان ومن ساهم في تشويه اكبر برنامج اجتماعي في تاريخ لبنان وجعله غير قابل للتنفيذ".


MISS 3