جاد حداد

Domino لبراين دي بالما... اسم المخرج يكفي!

12 أيلول 2019

10 : 37

وصل Domino، أحدث فيلم تشويق للمخرج براين دي بالما، إلى دور السينما أخيراً. صُوّر العمل في الدنمارك منذ سنتين تقريباً، لكنه واجه مشاكل مالية خلال إنتاجه، وسرت شائعات مفادها أن الفيلم الممتد على 89 دقيقة خضع لمونتاج مكثّف في مرحلة ما بعد الإنتاج. قد لا تكون النتيجة النهائية تحفة فنية، لكنها تبقى أفضل من أفلام الحركة التجارية المبتذلة، وفيها مشاهد مشوقة تثبت مجدداً أن دي بالما لا يزال من أبرع المخرجين في ابتكار وتنفيذ أفضل اللحظات السينمائية.

يؤدي نيكولاي كوستر والدو دور "كريستيان"، شرطي دنماركي يذهب في بداية القصة مع شريكه الأكبر سناً "لارس" (سورين مولينغ) لتفقد حادثة عنف منزلي، فيقبضان سريعاً على المعتدي المزعوم (إيريك إيبوناي) فيما يحاول المغادرة. لكن حين يصعد "كريستيان" إلى الطابق العلوي لاستكشاف الوضع، يدرك أنه ترك مسدسه في منزله ويضطر لاستعارة سلاح "لارس". سرعان ما يجد أدلة تثبت أن الحادثة لا تقتصر على خلافٍ منزلي. لكن حين يعود إلى "لارس"، يكتشف أن الرجل الذي قبض عليه فكّ قيوده وذبح "لارس" وقفز من النافذة وهرب عبر السطح. يحاول "كريستيان" ملاحقته لكنه يسقط أرضاً ويظن أنه شاهد رجلَين غريبَين وهما يجرّان المشتبه فيه بعيداً.

ثم يتبيّن أن المشتبه فيه هو الليبي "عزرا ترزي" الذي يطارد زعيم "داعش" صلاح الدين (محمد أزاي) للانتقام لمقتل والده، وأن الرجلين اللذين قبضا على "عزرا" هما عميلان في "وكالة الاستخبارات المركزية"، فيُجبِر العميل المسؤول (غاي بيرس) "عزرا" على متابعة ملاحقة صلاح الدين وتنفيذ الأعمال القذرة التي تعجز الحكومة الأميركية عن القيام بها، فيذهب إلى حدّ احتجاز عائلته لإجباره على الاستسلام. فيما ينطلق صلاح الدين وأعوانه لنشر الفوضى عبر هجوم انتحاري وحشي يخططون لتنفيذه على الإنترنت، يطاردهم "عزرا" بينما يتعرض بنفسه للملاحقة من "كريستيان" الذي عُلّق عمله في سلك الشرطة بسبب سوء استخدام السلاح. في غضون ذلك، يريد شرطي دنماركي آخر اسمه "ألكس" (كاريس فان هوتن) القبض على قاتل "لارس" أيضاً لأسباب شخصية.

المشكلة الأساسية في الفيلم تتعلق بعدم تماسك سيناريو بيتر سكافلان. يبدو مفهوم المطاردات المتعددة ذكياً لكن لا يستغله الكاتب بالشكل المناسب: تتعدد المشاهد التي تبدأ ثم تنتهي فجأةً لدرجة أن نشعر بأننا فوّتنا حدثاً مهماً. كذلك، تبقى الشخصيات سطحية عموماً، وينجح بعضها في فرض نفسه بفضل أداء الممثلين: يقدم إيبوناي (كان حضوره خطيراً وطاغياً في Femme Fatale (المرأة الفاتنة) من إخراج دي بالما) أداءً حيوياً، ومن الواضح أن بيرس يستمتع بتقديم مشاهده كعميل فاسد. على صعيد آخر، كان يسهل أن يفرض فان هوتن حضوره على الشاشة لكن تعيقه في هذا الفيلم طبيعة شخصيته التي وقعت على ما يبدو ضحية المونتاج. أخيراً، يبدو كوستر والدو باهتاً بدور البطل العاجز. تتعدد الشوائب في هذا العمل طبعاً وكانت لتُسقِط أي فيلم عادي. لكن يبقى الفيلم من توقيع براين دي بالما، ولا شك في أن المعجبين به سيتمتعون بمشاهدة عمله. يعرض الفيلم عدداً من الحالات الهوسية التي استكشفها المخرج على مرّ مسيرته المهنية، على الصعيدَين الدرامي والسينمائي. قد يكون السيناريو جامداً بشكلٍ عام، لكن يضفي دي بالما أجواء الكوميديا السوداء المعروف بها على بعض اللقطات، منها مشهد تحليل فيديو تعذيب وحشي، حيث تُستعمَل جميع التقنيات السينمائية المعتمدة في أي إعلان ترويجي جديد ينذر بصدور فيلم ناجح. ولا ننسى طبعاً مشاهد الحركة الأساسية، بما في ذلك مشهد المطاردة على الأسطح في بداية القصة، حيث تشتد أجواء التشويق وتُذكّرنا بفيلم Vertigo، والهجوم الإرهابي الذي يقوده صلاح الدين عن بُعد وكأنه يؤدي شخصياً دور المخرج، والمواجهة المثيرة التي تطغى على الثلث الأخير من الفيلم خلال مصارعة ثيران في إسبانيا. في المشهد الأخير تحديداً، يجمع المصور السينمائي خوسيه لويس ألكاين (صوّر معظم أفلام بيدرو ألمودوفار وPassion (شغف) من إخراج دي بالما) ومسؤول المونتاج بيل بانكو والمؤلف الموسيقي بينو دوناغيو مواهبهم اللافتة لتقديم عرض بصري وسمعي مشوّق. يتميز هذا الأسلوب عن تركيبات تقنية الصور المنشأة بالحاسوب التي يسهل نسيانها وتطغى راهناً على معظم مشاهد الأفلام.

لا يمكن اعتبار Domino عملاً كلاسيكياً للمخرج دي بالما، فلا يصل إلى مستوى Dressed to Kill (يرتدي ليقتل) أو Blow Out (الانفجار)، ولا حتى Femme Fatale أو Passion الذي لم ينل التقدير الكافي. قد يكون هذا الفيلم أقل مستوى من أعماله السابقة إذاً، لكنه يبقى أفضل من أعمال معظم المخرجين الآخرين. قال المخرج العظيم هاورد هوكس يوماً: "الفيلم الجيد هو عبارة عن ثلاثة مشاهد متقنة من دون أي مشاهد سيئة". يشمل Domino ثلاثة مشاهد متقنة طبعاً، وهي جيدة لدرجة أن ننسى أو نتجاهل المشاهد الأقل مستوى. في النهاية، قد لا يكون أفضل أفلام براين دي بالما، لكنّ أهم اللحظات فيه تُذكّرنا بمدى براعة المخرج!