جاد حداد

الذكاء الاصطناعي وفك شيفرة السرطان

29 نيسان 2021

02 : 00

أبراهام هايفيتس هو المدير التنفيذي لشركة Atomwise المتخصصة بالتكنولوجيا الحيوية وأحد مؤسسيها. يستعمل هايفيتس تقنية التعلم العميق المشتقة من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف أفضل الأدوية وأكثرها أماناً وفاعلية لمرضى السرطان.

ما هو أكبر طموح لديك؟

أريد أن أبتكر أدوية جديدة تكون أفضل وأكثر أماناً من الأنواع المتاحة راهناً، مع السعي لجعلها في متناول المرضى في أسرع وقت ممكن.

كيف تنوي تحقيق هذا الهدف؟

نحاول اكتشاف كيفية تعديل الخلايا الناشطة في مسار تطور الأمراض ومعرفة السبب الذي يجعل الخلية تنمو وتنقسم. لنعتبر البروتينات في جسمنا أشبه بآلات على خط تجميع. إذا تعطلت الآلة التي تتحكم بنمو الخلايا وانقسامها وخرجت عن السيطرة، ستتابع الخلية نموها وانقسامها. هكذا تنشأ الأورام والكتل السرطانية. وعند رؤية آلة خارجة عن السيطرة، سنرغب حتماً في رمي أي مفتاح ربط كي تنشغل الآلة بالتهامه. اليوم، يحتاج اختراع أي دواء جديد إلى 15 سنة تقريباً ومليارات الدولارات. لكن مع مرور كل يوم من دون علاج فعال، تضطرب حياة المرضى وصحتهم على أرض الواقع.

كيف تبحث شركة Atomwise عن الأدوية المناسبة؟

تستعمل جميع القطاعات الأخرى أجهزة الكمبيوتر لتصميم ابتكاراتها. لكن في قطاع صناعة الأدوية، يجب أن نركّب الدواء بيدنا ونختبر مختلف نماذجه. إذا فكرنا بصنع طائرة جديدة، يجب أن نجرّب ألف جناح مزيّف قبل بناء جناح حقيقي. ولن نبني النموذج المناسب ونطلقه في رحلة تجريبية إلا بعدما يؤكد الكمبيوتر أنّ الجناح المنشود قادر على الطيران وفعال في استهلاك الوقود وتخفيف الصوت. تعمل شركة Atomwise على ضمان تلك الدرجة من الفعالية وتريد استعمال ذلك النوع من التصاميم في مجال علم الأحياء واكتشاف الأدوية.

من خلال استعمال التعلم العميق والذكـــــــــــاء الاصطناعي؟

هذا صحيح! كنتُ أنا وإيزي، شريكتي في تأسيس الشركة، طالبَين في جامعة "تورونتو" عند اختراع التعلم العميق والشكل الراهن من الذكاء الاصطناعي. كان فريقنا المتخصص بعلم الأحياء المحوسب موجوداً في الرواق نفسه مع فريق التعلم العميق بقيادة جيف هينتون الذي فاز لتوه بجائزة نوبل في علوم الكمبيوتر وجائزة "تورينغ" بعد اختراع التعلم العميق. لقد أدركنا منذ مرحلة مبكرة أن ذلك الابتكار الذي يتمحور حول التعرف الآلي على الصور والكلام يمكن تطبيقه للتعرف على الجزيئات أيضاً.


كيف يسمح الذكاء الاصطناعي بابتكار أدوية أكثر أماناً وفاعلية؟

تخيّل أنك خبير في علم الأحياء وتدرس سرطان الأطفال، فقمتَ بآلاف التجارب وكنت مقتنعاً بأنك تستطيع كبح المرض من خلال إعاقة بروتين محدد. بدل محاولة القضاء على كل خلية تنقسم بوتيرة سريعة، تسعى إلى كبح المرض من دون إيذاء الخلايا السليمة. لكنك تحتاج الآن إلى دواء فاعل وآمن. يسمح لنا الذكاء الاصطناعي باختبار الجزيئات بما يفوق ما كنا نختبره سابقاً بألفَي مرة! وحين نجد مجموعات من الجزيئات التي تبدو فعالة، سنحاول تصنيع نسخ متنوعة منها لتحسين الجزيئة. يسمح لنا الكمبيوتر بتقييم مليارات الجزيئات دفعةً واحدة، بدل العشرات أو المئات منها، ما يعني أننا سنتمكن من إيجاد أجوبة أفضل واكتشاف الحل المنشود. يتعلق مشروعنا المقبل بتشغيل 10 مليارات جزيئة ضد كتل سرطان الأطفال.

هل سيكون الفوز بذلك التحدي مدهشاً؟

طبعاً! أظن أن جميع العلماء ينخرطون في هذا القطاع لأنهم يريدون مساعدة الناس. وبكل صراحة، يجب ألا يتحلى المرضى بالصبر! بل من واجبنا نحن أن نجلب لهم الأدوية في أسرع وقت ممكن.

ما معنى "النجـــــاح" بنظرك وهل اقتربـتَ من تحقيقه؟

بالنسبة إلى الجميع، يعني النجاح في هذا القطاع مساعدة المرضى. ويمكن قياس ذلك النجاح حين ننظر إلى شراكاتنا الواسعة ونلاحظ أن شركاءنا يؤيدون هذه المقاربة الجديدة ويثقون بأنظمة الذكاء الاصطناعي في شركة Atomwise. لقد أعلنّا حديثاً عن اتفاق مع شركة Eli Lilly بقيمة تفوق النصف مليار دولار. ثمة اتفاقيات أيضاً مع شركتَي Bayer و Pfizer. كذلك، عقدنا شراكة كبرى في السابق مع "مختبرات تشارلز ريفر". تبنّت هذه الجهات الرائدة في مجالها مقاربات الذكاء الاصطناعي.

كيف تتصور هذا القطاع بعد عشرين سنة إذا نجحت مساعيك؟
بدأ القطاع يتجه نحو استعمال الذكاء الاصطناعي. نحن نستفيد من تطبيقاته لتصنيع الأدوية بمستوى غير مسبوق، ولدينا أكثر من 200 مشروع في كل مجال علاجي. لذا أظن أن التطبيقات المحتملة هائلة. يتعلق 35% من تلك المشاريع بالسرطان. في نهاية المطاف، سيكون نجاحنا جزءاً من نجاح المرضى.

يعتبر "مركز السرطان في هيوستن" أن التقدم الحاصل مدهش! في النهاية، ستكون هذه الأجواء كلها كفيلة بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز تشخيص المرض، تمهيداً لرصد نقاط الضعف في السرطان الذي يصيب كل فرد.

معضلة على مستوى البيانات

تُراجِع الأنظمة الحسابية الخاصة بالتعلم العميق كميات إضافية من البيانات وتُحللها بدرجة أعمق من برامج التعلم الآلي. يبدو وكأن شهيتها لا تكفّ عن التنامي! لكن رغم قدرة الباحثين والأطباء اليوم على الوصول إلى قواعد بيانات فيها معلومات مأخوذة من 250 ألف مريض سرطان، تبقى هذه المعطيات غير كافية.

تستطيع آلاف الطفرات المختلفة في جينوم المرضى أن ترسم مسار تطور السرطان وتُحدد العلاجات الفعالة. تُعتبر كل خلية سرطانية هدفاً متحركاً ولا تكف عن تطوير طفرات جديدة لمساعدتها على غزو الخلايا المناعية والنجاة من أدوية السرطان القوية. بما أن برنامج الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى آلاف النماذج المرتبطة بنمط محدد قبل أن يبدأ بالتعرّف عليه، وبما أن أي نمط من الطفرات قد لا يظهر إلا لدى بضعة آلاف المرضى، يمكن أن يحتاج البرنامج إلى بيانات خاصة بملايين المرضى لتسريع التقدم. يقول الطبيب بول بطرس من جامعة "كاليفورنيا - لوس أنجليس"، وهو رئيس قسم علوم البيانات السرطانية في "مركز جونسون الشامل للسرطان": "يمكننا أن نتوقع الآن مسار تطور الأورام وطبيعة العلاجات الفعالة، لكن لا يزال جزء كبير من تلك التوقعات خاطئاً".نشأت شراكات بارزة بين مراكز بحثية ومستشفيات بهدف تقاسم بيانات المرضى، منها "اتحاد الجينوم الدولي للسرطان"، و"شبكة تبادل معلومات أبحاث الأورام"، و"اتحاد الجينوم القابل للتنفيذ". جُمِعت تلك البيانات بموافقة المرضى وحذفت المعلومات الشخصية عنهم، وقد تساعد الباحثين في نهاية المطاف على جمع كمية المعلومات اللازمة. يطمح العلماء إلى الربط بين مختلف البيانات في إطار "شبكة الشبكات". يحتاج الأطباء إلى استعمال تلك البيانات أيضاً لإيجاد مرضى بمواصفات تشبه من يعالجونهم ولتقييم العلاجات الفعالة. كذلك، يُفترض أن يتمكنوا من فتح الكمبيوتر وطباعة معلومات عن السرطان كي تظهر لهم 50 حالة مشابهة من الناحية الجزيئية حول العالم.

العوائق مستمرة...

لن تكون الأدوية فعالة إذا لم يتمكن المرضى من الاستفادة منها. ولتفعيل مسار الإنتاج، يستعمل الباحثون الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية تطوير الأدوية. يتعلق أحد أبرز أسباب التأخير في اختبار الأدوية الجديدة بإيجاد ما يكفي من المرضى للمشاركة في التجارب. لا يحتاج الباحثون إلى مجموعة لتجربة الدواء الجديد فحسب، بل يجب أن تتلقى مجموعة "مرجعية" أخرى العلاج النموذجي لمقارنة النتائج. حتى لو كان الدواء الجديد واعداً إذاً، قد يمر وقت طويل قبل وضعه في متناول عامة الناس.

نصيحة أخيرة لكل مصاب بالسرطان: يجب أن تتأكد من مؤهلات اختصاصي الأورام أولاً. يقضي خيار آخر باختيار طبيب متخصص بنوع السرطان الذي أصابك قبل بدء أي علاج!

MISS 3