باولا عطية

إمكانية شراء أرض أو شقة أصبحت مستحيلة والحلّ بسيط!

فوضى العقارات المنتظمة... هل فات الأوان للنهوض بالقطاع؟

4 أيار 2021

02 : 01

حقّ الإنسان في السكن اللائق هو حقه الطبيعي في أن ينعم بما هو أكثر من مجرد أربعة جدران وسقف، لا بل في الحصول على بيت آمن يأويه ومجتمع محلي ينتمي إليه ويعيش فيه بسلم وكرامة. وهو يرتبط بحسب الأمم المتحدة بـ7 عناصر أساسية وهي أمن الحيازة القانوني، القدرة على تحمل التكاليف، الصلاحية للسكن، توافر الخدمات والمواد والمرافق والهياكل الأساسية، تيسّر تلبية الاحتياجات، الموقع والملاءمة من الناحية الثقافية.






في ظل الأزمة الإقتصادية التي يعيشها لبنان، شهد قطاع العقارات "هجمة" من قبل المواطنين الذين وجدوا فيه سبيلاً لإخراج أموالهم المحتجزة في المصارف، وهو ما صنفه الخبراء الاقتصاديون "انتعاشاً وهمياً وموقتاً"، حيث أنّ أرقام المبيعات المتداول بها غير دقيقة، وهي لا تؤثر سلباً أو إيجاباً على وضع هذا القطاع، فلهذا الأخير وجهان: وجه استثماري ووجه اجتماعي. وتراجع هذا القطاع أو تقدمه في الوقت الحالي لا ينذر بأزمة ولا يبشّر بحلول للوضع الاقتصادي. لأنّ اقدام المواطنين على شراء العقارات في لبنان لا ينطوي تحت اطار العناصر الاساسية التي سبق وذكرناها، وليس جزءاً من سياسة سكنية، ولا يمكن توصيفه كحاجة أساسية لدى الافراد، فالوضع مأزوم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعقارياً.

العرض والطلب موجودان

وهو ما يؤكّده الخبير في الشؤون العقارية والتخطيط والاستاذ المحاضر في الجامعات جورج نور في حديث لـ"نداء الوطن" مشيراً إلى أنّ "العرض والطلب على الشقق موجود وبكثرة، إلا أنّ العرض مالي لأن البائع مديون والشاري أمواله محجوزة في البنوك وهدفه من عملية الشراء إخراج هذه الاموال، وهو ما يسمّى "مطابقة"، أي تطبيق المالك على الشاري، فلم يعد هذا الأخير يبحث أو يسأل عن مواصفات البناء أو المساحة أو الموقع أو أي تفصيل آخر تستند على أساسها "البيعة". مضيفاً "الحديث اليوم أصبح حول "الميزانية"، على قاعدة "شقة مقابل شيك مصرفي" وهو ما يعتبر مطابقة للعمليات العقارية، فالمالك سيبيع ليوفي ديونه وعند سدادها ستتوقف عمليات البيع، والشاري يطبّق المثل القائل "نيال العندو مرقد عنزة بجبل لبنان"، فنحن اليوم أمام فوضى عقارية منتظمة.

ويضيف نور "ليس لعملية مطابقة العقارات أي تأثير على الاقتصاد، ولا تضخ أموالاً داخل الدورة الإقتصادية وهو لزوم ما لا يلزم، فهي تعدّل فقط ميزانية المصارف وموازناتها، حيث يقتصر عملها على سداد ديون المصارف، التي بدورها ستبقى عاجزة عن إقراض المودعين، حيث تقتصر العملية على مصلحة خاصة بالمطوّر ومصلحة خاصة بالمديون"، لافتاً إلى أنّ "الحملات العقارية ليست لها منفعة إقتصادية". وردّ السبب الرئيسي لتدهور الوضع العقاري في لبنان إلى "السياسات الإقتصادية والمالية المتبعة على مدى السنوات الماضية والتي ذهبت باتجاه الاستثمار بالفوائد العالية على الودائع على حساب الاستثمار بالقطاع العقاري".

لا نهضة قبل 10 سنوات


ويرى نور أنّ "القطاع العقاري في لبنان سيحتاج إلى أكثر من 10 سنوات على الأقل للنهوض من جديد حيث أنّ نسبة 80% من كلفة البناء هي بالدولار و20% بالليرة اللبنانية، أمّا اليد العاملة فارتفعت نتيجة التضخم الذي وصل إلى نسبة 270%، في الوقت الذي بقيت فيه الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية على سعر الصرف القديم أيّ 1500 ليرة للدولار الواحد، ما جعل إمكانية شراء موظف أو صاحب عمل حرّ لعقار أو منزل مستحيلة، وبذلك سنصل إلى مرحلة سينعدم فيها العرض والطلب، إلا أنّ الحاجة للسكن ستبقى موجودة، فالمأكل والمشرب والمكسى والسكن والطبابة والتعليم هي 6 أساسيات للحياة وتساهم في تطوير المجتمع وإنتاجيته".

وفي البحث عن الحلول يقول الخبير العقاري جورج نور، ان "الحلّ بسيط، حيث يتوجّب على الدولة الراعية لشعبها أن تضع رؤية أو سياسات سكنية وليس "أجندات سكنية"، على أن تترجم بخطة عمل إصلاحية للقطاع الذي بدوره سيلعب دوراً أساسياً في حلحلة الأزمة الإقتصادية".

وفي الخطوات التي يجب اتباعها يذكر "أولاً، حلّ معضلة قانون الإيجارات بوضع سياسة سكنية، تترجمها الدولة بتأمين سكن اجتماعي يلائم مدخول كل مواطن معتمدة اللامركزية، فالسكن سيكون في القرى حيث كلفة الايجارات أقلّ بكثير من المدن، بعد تأمين البنى التحتية والمستشفيات والجامعات والمدارس. فالدولة اللبنانية تعد أكبر مالك للعقارات في لبنان (مشاعات الدولة)، ويأتي بعدها في المرتبة الثانية المؤسسات الدينية (الاوقاف الدينية)، وبذلك لا يملّك المواطن بل يؤمّن له سكن إجتماعي بظروف سكنية مريحة وبإيجار يلائم راتبه ضمن سياسة إسكانية وتمويلية شاملة ".

ثانياً، يضيف نور، "تقوم الدولة بتأهيل وإعادة ترميم الأبنية القديمة المترهلة، وتنظم عملها وتستثمرها، من خلال مساعدات متخصصة في مجال الحوكمة، فالسؤال الذي يجب أن يطرح أي لبنان نريد وكيف نريده؟".

ثالثاً، بحسب نور، يمكن للدولة الاستعانة بقانون الـ"PPP"مساهمة القطاع الخاص مع القطاع العام، حيث بامكان الدولة إعطاء الأرض لشركة خاصة، وليس بيعها لعدم خصخصة الاراضي، وهذه الشركة ستبني مبنى وتؤجره بشروط تضعها الدولة تحمي من خلالها حقوق المستأجرين، على أن يتعدى الإيجار نسبة الـ30% من الحد الأدنى للأجور، وبعقد تتراوح مدته بين الـ50 والـ 60 سنة، وبهذه العملية تكون الدولة قد وفّرت نسبة 40% من الكلفة على الشركات الخاصة (ثمن شراء الارض للبناء) التي لن يبقى عليها سوى كلفة العمار وهي 60%، وتكون أمنت مسكناً لرعاياها على مدى 60 عاماً. ومن جهة أخرى تضع هذه الشركات بالتعاون مع الدولة سياسات إجتماعية واضحة تقتضي بالتحقق من وضع المستأجر كل 5 سنوات وتأمين صندوق تعاضد يكفل سكن الشيوخ ويقدم رعاية وعناية إجتماعية وصحية مع رسوم إضافية على خدمات البنى للضمان".

رابعاً، يختم نور، "يجب تأسيس هيئة وازنة للتخطيط والسكن، متخصصة بوضع السياسات السكنية وتطويرها، تدخل مفاهيم جديدة على الهندسات المعمارية التي بدورها بدأت تأخذ منحى مختلفاً حول العالم، وأذكى من حيث الشكل والمساحة والتصميم والمواصفات والطريقة المعمارية ".

في المحصّلة، يبقى الأمل موجوداً بالنهوض وباعادة تطوير القطاع العقاري في لبنان وتحسين الوضع الاقتصادي، فمع إيجاد حلول مماثلة وفتح المجال لأفكار واقتراحات جديدة في هذا الإطار، سنتمكن من تحريك العجلة الإقتصادية وتأمين فرص عمل وإنماء شامل ومتوازن على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي لجميع المناطق اللبنانية ونكون قد خفّضنا الضغط على العاصمة معتمدين لامركزية عقارية وإقتصادية واسعة، خصوصاً وأنّ المواطنين بمعظمهم ومع تطور وسائل التكنولوجيا واعتماد العمل من المنزل قد عادوا إلى قراهم، ونكون سمحنا للفرد بالسكن قرب مورد رزقه وسمحنا للمواطن بتلبية حاجاته الأساسية وعلى رأسها حقه بالسكن ونكون خلقنا أمناً إجتماعياً.