فراس حمية

كارلا كرم: أخطأت بمحوي "دولتي فعلت هذا"

5 أيار 2021

02 : 00

بدأت القصة حين قامت المدربة والخبيرة في التواصل اللاعنفي كارلا كرم رحلتها مع طلاء جدران مرفأ بيروت الرمادية والسوداء بفعل إنفجار الرابع من آب العام الماضي. لم تمر ساعات بعد وضع كارلا لمساتها على الجدار المحاذي للمرفأ وتلوينه بألوان مزركشة حتى قامت القيامة. اعتبر البعض فعلتها طمساً لمعالم الجريمة التي أودت بحياة أكثر من مئتي قتيل وخمسة آلاف جريح، متهمين اياها بخدمة النظام، المتسبب في وقوع الكارثة. ورأى هؤلاء أن التواصل اللاعنفي مع نظام يمارس العنف بكافة الوسائل انعدام للفهم السياسي وآليات الصراع. في هذا الحوار تجيب كرم عن الضجة التي اثيرت حول مشروعها.

هل توضحين للقراء كيف بدأت الفكــــرة لديك؟ وما كان دافعك؟

ليست الفكرة غريبة عني وعن مجال عملي، فأنا خبيرة في التواصل اللاعنفي والوساطة وحماية الطفل، وأحاول إختيار لوحة ذات حجم محدد أو ذات مواصفات معينة محددة لحثّ الناس على التعبير. وكذلك عملي كمعلمة في المدرسة يجعلني أستخرج ثيمة من مشاكل الأطفال وأحثهم على التعبير بواسطة الفن، وقد قمت بهذا العمل بخمس قرى حدودية في جنوب لبنان، وليس فقط مع الأطفال، بل مع كبار السن كذلك وطريقتي وسيلة لتحفيز المجموعات وحضها على التعبير. وأما عن الدافع فالرغبة في إيجاد مكان للتعبير يتعلق بإنفجار بيروت، ويمكنني القول إنّ مجال عملي يفرض عليي التعاطف مع الناس والقضايا وشعرت أن هناك حاجة لدى الناس للتعبير سواء كانوا أهل الجنوب أم المتضررين من الحروب أم الأطفال أو كبار السن أو ضحايا إنفجار بيروت وغيرهم من المجموعات التي أشعر بأنهم تعرضوا لكتمان ومضايقة وظلم كبير. أصنع لهم هذا الهامش للتعبير عن معاناتهم ونفسهم.

كيف نفّذت الأمر وهل عملت وحـــدك؟

بما أن هدفي كان إفساح المجال لأهالي الضحايا للتعبير في مكان فقدوا فيه شخصاً عزيزاً أو فقدوا منازلهم وممتلكاتهم، كانت الخطوة الأولى طلب إذن الأهالي وموافقتهم. واتصلت بالسيد كيان طليس الذي وفر التواصل مع الأهالي، ومن ثم مع السيدة كارمن حتي التي أمنت التواصل مع ضحايا فوج الإطفاء. أرسلنا الطلب عبر غروبات الواتساب للأهالي. وانتظرت أسبوعين للتأكد من عدم وجود أي ردات فعل معارضة. ثم بدأت تحضير الأوراق للحصول على موافقة محافظ بيروت القاضي مروان عبود، وما ان حصلت عليها حتى بدأت باستشارة بعض الأصدقاء، وتجهيز فريق العمل الذي ساعدني في إتمام المشروع والتواصل مع المتطوعين. وأذكر هنا أنني تلقيت مساعدة من جمعية "أديان" لتأمين مستلزمات المشروع.





هل وصلتك رسائل تضامن؟

بصراحة، همّشني البعض ودعمني البعض الآخر. وساندني من يعرفونني ويعرفون مسيرتي العملية. وفي الوقت نفسه تعرّضت لهجوم من كثيرين إلا أنني تقبلت الأمر برحابة صدر لأنني أدركت أنني محوت شيئاً يحتل أهمية كبرى بالنسبة إليهم، علماً أنني ما كنت أقصد ذلك أبداً وأنا أتقبل تماماً وجهة نظر هذا البعض ولهجته الحادة ضدي. طلبت من الجميع ألا يدافعوا عني لأنّي مخطئة وقدّمت إعتذاري أمام الجميع. أنا أربّي الأجيال على أهمية الإعتذار ولا أخجل من القيام به أبداً. في المقابل تلقيت رسائل تشجيع كثيرة حتى من أفراد في صلب ثورة "17 تشرين" الذين وقفوا الى جانبي. ليست خلفيتي سياسية فأنا لا أنتمي إلى أيّ جهة سياسية او جمعيات محلية أو إقليمية. طروحات الثوار تمثلني في جزء كبير منها، وأرى أن هذه السلطة الحاكمة عندنا فاسدة. وبما أنّي محوت ما كتبوه طبيعي أن أتعرّض لكثير من التهميش في الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي. وأحزن كذلك لاستخفاف البعض بمسألة التواصل اللاعنفي كونه موضوعاً مهماً بالنسبة إلي وأعمل في هذا المجال منذ عشر سنوات. فاللاعنف فلسفة، أو نمط حياة يعيشه الإنسان في كافة تفاصيل حياته. لا يمكن أن يكون الفرد لاعنفياً أحياناً ويستخدم العنف في لحظاتٍ أخرى. فالمسألة ليست غب الطلب بل منهج يعيشه الإنسان في حياته الشخصية والعامة، فإما ان نكون عنفيين أو لاعنفيين.

يعتبر البعض أن اللاعنــــــــــف مع نظام "مجرم" أمر غير أخلاقي ولا جدوى منه. ما رأيك؟

شخصياً أتقبل انتقادات الناس، لكني لا أتقبّل إهانة مبدأ اللاعنف وتسخيفه. أتقبّل كذلك أننا في بلد مليء بالعنف، وأن لا مكان لمبدأ اللاعنف في المجتمع اللبناني بالذات. لكني شخصياً أمارس هذا المبدأ وأتبناه وأبني خبرتي وإيماني على هذا النوع من التواصل. وبرغم العنف الذي مورس ضدي سأبقى أبشر بالمبدأ هذا. أعرف تماماً أن ثمة دماء وضحايا ومظلومية وأتفهّم غضب الناس الذين لا يجدون جدوى من التواصل اللاعنفي في سياقٍ يطغى عليه العنف.





هل طلي جدران مرفأ بيروت أدّى دوراً إيجابياً؟ البعض اعتبـــــــــر بأنك تطمسين معالم الجريمة.


اعترف أنني أخطأت بمحو مصطلح "دولتي فعلت هذا" وهو سبب الهجوم الشرس ضدي. كان هدفي ترك ذكرى للحادث الأليم بتدويني أسماء 207 شهداء على الجدار. لم يكن هدفي عملاً فنياً جمالياً بل جمع الناس حول الضحايا وفكرة اللاعنف. وقد صادفت الكثير من أهالي الضحايا الذين قالوا لي إنه لم يفسح لهم في المجال للتعبير عن مشاعرهم بموقع الإنفجار. أخبروني أن تلك كانت أول مرة يقصدون فيها المكان اذ كانوا يرفضون الذهاب إليه سابقاً. وهكذا أنشأتُ هامشاً للناس للتواصل والتعبير عما بداخلهم من مآسٍ وتجارب مريرة سبّبها إنفجار بيروت، وبالتالي شعرت بأن ما قمت به كان عملاً سليماً.

MISS 3