جورج العاقوري

زغرتا قبلة الأنظار العونية: دائرة إنتخابية بنكهة رئاسية

5 أيار 2021

02 : 00

حسابات كثيرة بين عون فرنجية

بعد عودة الجنرال ميشال عون من فرنسا عام 2005 وخروج تياره باكراً من "14 آذار" وتموضعه في محور "8 آذار"، عمد الى تنظيم العلاقة مع تيار "المردة" الذي انضوى في تكتل "التغيير والاصلاح" العوني، ليس فقط على الصعيد السياسي بل الانتخابي كون الطرفين يستهدفان الشريحة الشعبية المسيحية نفسها ويعتمدان الأسلوب ذاته، من حيث النهج الخدماتي في ظل تقارب الطروحات السياسية المرتبطة بسوريا و"حزب الله" وسلاحه، بعد الإنعطافة العونية التي تكرّست عبر تفاهم "مار مخايل" في 6 شباط 2006 وزيارة عون الى سوريا في 3 كانون الاول 2008.

تيار "المردة" تلقى ضربة قاسية في الانتخابات النيابية عام 2005 حيث حرم، بفعل القانون القائم وصعود نجم "14 آذار"، من دخول ساحة النجمة، بعدما نجح في توسيع رقعته النيابية من البترون الى عكار في الزمن السوري متخطياً الحدود الزغرتاوية. أما "التسونامي" العوني حينها - والذي اجتاح الاقضية المسيحية في جبل لبنان - فشكّل المدفون "فقش موجه" ولم يحصد أي نائب شمالي. مع تطور العلاقة بين الطرفين والاستعداد لإنتخابات 2009 النيابية، رسّما حدود تحركهما على الارض في مسقط رأس زعيم "المردة" سليمان فرنجية والوريث السياسي لعون يومها جبران باسيل، وفق اتفاق Gentlemen's agreement يقضي الا ينشط العونيون أو يتدخلوا في قضاء زغرتا، مقابل أن يوقف "المردة" نشاطهم في قضاء البترون الذي تممدوا اليه بقوة بفعل النفوذ العسكري والخدماتي في زمن الحرب. سقط إتفاق ترسيم الحدود أي زغرتا V/S البترون مع إنفراط عقد العلاقة بين الطرفين وإنقلابها الى عداء مستعر، في ظل السباق الرئاسي ونجاح عون بالوصول الى بعبدا في خريف 2016 على حساب فرنجية الذي بلغت أسهمه ذروتها، حين تلقى إتصالاً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند نهاية العام 2015.

منذ عام 2016، فشل تيار "المردة" بالعودة الى قضاء البترون كسابق عهده، كما فشلت محاولاته التوسعية سابقاً لعبور المدفون الى كسروان وجبيل وبعبدا وصولاً الى زحلة. فهو لم يستطع أن يقدم أي شيء إضافي لمن كانوا يدورون في فلكه سابقاً، إذ ان باسيل إستعمل نفس الأسلوب الخدماتي ولكن "مضروب بـ10"، واستفاد من زخم عهد عمه الجنرال عون ومن "الإغراءات" التي تدغدغ كثيرين مع إنطلاقة أي عهد. كما أن "المردة" كان خسر حليفاً أساسياً له في القضاء هو النائب الراحل سايد عقل. في المقابل، وعلى عكس واقع حال "التيار" في باقي المناطق والتضعضع والاستقالات، وحّد العونيون صفوفهم مع إستيعاب مجموعة "العميد فايز كرم التي كانت ممتعضة من قيادة "التيار" في وقت سابق، واعتبرت انه لم يقف كما يجب الى جانب كرم حين حُكم بالعمالة لإسرائيل. كما عمد "التيار" الى تعيين إبن حرف مزيارة والقيادي فيه بيار رفول وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية في أولى حكومات العهد عام 2016، من أجل تعزيز حضوره السياسي في القضاء حيث عمد رفول الى الحضور على الارض في المدينة، والمداومة مرتين في الاسبوع وتلقي المراجعات وتقديم الخدمات من مكتب "التيار" الجديد في اوتوستراد العبدة، بعدما كان له مكتب على أطراف زغرتا في مجدليا. كذلك نجح "التيار" بضمّ كادر ناشط في المدينة ووجه من وجوه المجتمع المدني هو بيار مرقص الدويهي، الذي كلّف بالخدمات الاجتماعية من قبل العونيين وتمّ تعيينه مستشاراً للوزيرة السابقة للطاقة ندى البستاني في إطار تعزيز نفوذه. فنجح الدويهي بالتمدد عبر الخدمات الى بعض ممن كان يدور بفلك آل فرنجية خدماتياً لا سياسياً. يضع باسيل كل ثقله لتفعيل حضور تياره في زغرتا المدينة والقضاء، حيث منافسه الاول في صفوف قوى "8 آذار" على رئاسة الجمهورية وعلى خط حارة حريك لأن خط الشام محسوم لفرنجية. فهو يهدف الى تحجيم فرنجية نيابياً عبر إلهائه في معركة السعي للاحتفاظ بمقعدين من أصل ثلاثة في عقر داره زغرتا الزاوية، الذي بلغ عدد ناخبيه على لوائح الشطب 78183 في انتخابات 2018 حيث اقترع منهم 36445 اي نسبة 46.61%..

الى جانب الخدمات، يعوّل باسيل على خلط أوراق التحالفات في دائرة الشمال الثالثة التي تضم الى جانب زغرتا: بشري، الكورة والبترون. ففي إسقاطات لأرقام الانتخابات النيابية عام 2018 والتحالفات يومها على المشهد السياسي خصوصاً بعد 17 تشرين، أصبح شبه محسوم أن "المردة" خسر حليفيه النائبين السابقين جبران طوق وبطرس حرب أي نحو 10800 صوت ولن تضم لائحته وريثيهما. فحرب حصد يومها 6155 صوتاً، وهو يستعد لتوريث إبنه المحامي مجد الزعامة السياسية على ان يترشح تحت غطاء المجتمع المدني. كما أن وليم جبران طوق حصد يومها 4649 صوتاً.

في المقابل، خسر باسيل حكماً حليفيه في إنتخابات 2018 أي "تيار المستقبل" و"حركة الاستقلال" أي أكثر من 12000 صوت. فالنائب المستقيل ميشال معوض كان حصد 8571 صوتاً والنائب السابق نقولا غصن كان حصد 3190 صوتاً، تضاف اليهم مئات الاصوات المناصرة للرئيس سعد الحريري بين قضاءي البترون وزغرتا. وفيما يعوّل باسيل على الحد من حجم الاصوات التي سيخسرها عبر إنتقال طوق من لائحة "المردة" الى لائحة "التيار"، يسعى "المردة" لترسيخ تحالفه مع "القومي" الذي لديه هامش الانتقال للتحالف مع "التيار العوني"، فهو أيضاً ضمن "الخط" وفي محور الممانعة كما أكد رفول بذاته، لأن إنتشار الأخير على مساحة الوطن قد يعزز حظوظ مرشحي القومي بالفوز إن إنضموا الى لوائحه فيما حضور "المردة" مناطقي. خلال الانتخابات البلدية عام 2010، أعطى "المردة" حليفه "التيار العوني" عضوين في مجلس بلدية مدينة زغرتا ومختاراً. لكن بعد إنفراط التحالف، فشل العونيون في تحقيق أي خرق بلدي أو إختياري في المدينة. لكن الأرقام التي حصدها رفول مرشح "التيار" في القضاء عام 2018 فاجأت الجميع حيث نال 3749 صوتاً.

حكماً إن جرت الانتخابات النيابية في موعدها ووفق القانون القائم، دائرة الشمال الثالثة ستكون بنكهة إنتخابية رئاسية. فإن كان رئيس حزب "القوات اللبنانية" المرشح الطبيعي للرئاسة من الدائرة، لكن المواجهة بين ابناء الصف الواحد في محور الممانعة أي فرنجية وعون ستكون محتدمة أكثر. فرغم أن تجربة عون في بعبدا اسقطت مشروعية "الرئيس المسيحي الأكثر تمثيلاً"، ورغم أن عدد النواب ليس عاملاً حاسماً في أي إنتخابات رئاسية، إلا أن الحسابات على "الورقة والقلم" سوف تركّز من قبل العونيين على ان تقتصر حواصل "المردة" على حاصل وحيد في قضاء زغرتا، مقابل مساعي "المردة" الى ترسيخ زعامتهم الزغرتاوية بحاصلين، والانطلاق بعدها عبر أي حاصل قد يحققون الى الاقضية الاخرى مع سعيهم الى تحجيم باسيل في البترون، إن استطاع أخصامه التنسيق لتحقيق ذلك، مع الرهان على تراجع حجم التأييد للعونيين بعد تجربتهم في الحكم. وحدها صناديق الإقتراع تملك الكلمة الفصل.


MISS 3