د. نسيب حطيط

"التعليم عن بُعد"... بين "التشريع" والواقع

6 أيار 2021

02 : 00

يعيش العالم تحت قيود ومحددات جائحة "كورونا" التي تشكل حرباً عالمية صامتة والتي استعاضت عن تدمير المنشآت بتدمير الإقتصاد وتجميد وشلّ الحركة وقيادة العالم بمفاتيح لوحة الكمبيوتر.

لقد ظهرت منظومة "التعليم عن بعد" كظاهرة عالمية جديدة بشموليتها وانتشارها كتجربة جديدة على منظومة التعليم وعناصرها البشرية (الأساتذة - الطلاب - الإداريون) مع انها بدأت منذ حوالى مائتي سنة وتطورت نتيجة التطور التقني والتكنولوجي مع الإحتفاظ بخصوصية الإفتراق والتباعد بين "المعلم والطالب" ويمكن اعتبار التعليم بالمراسلة اولى تجارب التعليم عن بعد "الصامت" عبر الرسائل البريدية التي بدأت في بريطانيا عام 1728م وفي عام 1873م تأسست أول مدرسة مراسلة في الولايات المتحدة وتأسست جامعة أكسفورد عام 1894م، وكانت أول كلية للتعليم عن بعد في المملكة المتحدة. وفي العقدين الأخيرين تأسست أربع جامعات أوروبية وأكثر من عشرين جامعة حول العالم تعتمد (تقنية التعليم عن بعد) وفي الولايات المتحدة في عام 2011، تبين أن ثلث الطلاب المسجلين في التعليم ما بعد الثانوي قد أخذوا دورات معتمدة عبر الإنترنت وارتبطت مراحل التعليم عن بعد بالتطور التكنولوجي ووسائل الإتصال والعلاقات الاجتماعية والدولية وفق المراحل التالية:

- التجربة الكتابية (الرسائل) بواسطة المراسلات البريدية (بلا صوت ولا صورة).

- التجربة السمعية -التعلم عبر المذياع أو الوسائل المسموعة (صوتية).

- التجربة (السمعية – البصرية ) تجربة التعلم عبر التلفاز أو الفيديو.

- تجربة (الكتابة - السمع - البصر) التكنولوجيا الرقمية من خلال الحواسيب وشبكة الإنترنت للمعلومات".

ان تجربة التعليم عن بعد لم تعتمد بشكل رسمي في لبنان الا بعد انتشار جائحة "كورونا" وبقرارات استثنائية طارئة وليست عبر قوانين او مراسيم تحتاجها وتم الإسقاط الكلي والشامل لمناهج ونظم وقوانين التعليم الحضوري على منظومة التعليم عن بعد.

لقد عرف لبنان تجربة التعليم عبر التلفزيون بشكل محدود اثناء الحرب الأهلية وكذلك تجربة الجامعة المفتوحة عبر المراسلة الي اعتمدتها جامعة بيروت العربية منذ سبعينات القرن الماضي في الكليات الأدبية.

ان النظم التعليمية الرسمية في وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان تتشابه الى حد كبير مع أنظمة التعليم في الدول العربية وكذلك النقابات المهنية الحرة التي لا تقبل الإنتساب اليها (الأطباء - المهندسون - الصيادلة..) الا الخريجين الذين انهوا دراستهم نظامياً وحضورياً.

ان التجربة التي فرضت نفسها على الواقع التعليمي بشكل طارئ ودون مقدمات اصطدمت بعدة عوائق ومصاعب تقنية ولوجستية وبشرية، لكن الأهم انها افتقرت للنظم والقوانين لمواءمة التعليم عن بعد مع التعليم الحضوري، مع الإشارة الى ان التعليم عن بعد قد تسبب ببعض الآثار النفسية على الطلاب خصوصا وعلى الأساتذة والأهالي حيث ان بقاء الطالب امام الشاشة على مدى ساعات دون استراحة وطوال العام الدراسي وتداخل اليوميات المنزلية مع التعليم عن بعد وعدم الخروج من المنزل قد أصاب البعض بامراض الاكتئاب والاعصاب والتشويش الذهني لأن البرامج والمواقيت والمناهج والأساليب الاكاديمية والدراسية لم تتغير (مع تفهمنا للأمور الطارئة التي فرضت ذلك) ولكي يتم تشذيب التجربة لا بد من معالجة الثغرات القانونية والأكاديمية وفق التالي:

- تعديل القوانين وأنظمة التعليم المعتمدة في لبنان عبر تشريع التعليم عن بعد ووضع الأنظمة والقوانين والشروط للمنتسبين وتنظيمه ومراقبته، خاصة وان عامين دراسيين من اصل سنوات الاجازة (3 سنوات) او الماستر(5 سنوات) قد انجزا بواسطة التعليم عن بعد في كل الكليات التطبيقية والنظرية وربما تكون السنة الثالثة أيضا، فاذا استمر الوباء سنكون امام دفعة كاملة من الطلاب الذين انهوا مرحلة الاجازة عن بعد ولم يزوروا كلياتهم وجامعاتهم...وللتقليل من محاولات التزوير خاصة في بعض الجامعات الخاصة التجارية.

- اعتماد "التعليم عن بعد" او المدمج في الكليات النظرية (الأداب - العلوم الاجتماعية - الحقوق...) والتي يشكل طلابها اكثر من خمسين بالماية من عدد الطلاب وبالتالي يمكن توفير الكثير من المصارفات والأبنية واستيعاب العدد الأكبر من الطلاب لزيادة دائرة المعرفة وخاصة في المناطق الريفية المحرومة وبما يعرف "بالتنمية المعرفية المستدامة".

- تعديل قوانين مزاولة المهنة لنقابات المهن الحرّة بخصوص قبول المتخرجين وفق منظومة التعليم عن بعد ووضع الشروط والمواصفات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي.

- تعديل نظام المراسلات البريدية في الجامعة، لتنسجم مع التعليم عن بعد او التعليم المدمج لجهة البدء بالإستغناء عن المعاملات الورقية والتخفيف منها وفق الإمكانيات، مما يسهل الحفظ والتوثيق والأرشفة والمراقبة أيضا.

اننا ندعو لمناقشة منظومة "التعليم عن بعد" بالأطر الرسمية والتشريعية بمشاركة الطلاب والأساتذة وممثلين عن الأهل والنقابات المهنية والجامعات الخاصة لبلورة مشروع تنظيم التعليم عن بعد واقراره وكذلك منظومة التعليم المدمج او المختلط وإمكانية اعتماد هذه المنظومات الثلاث للتعليم في لبنان.

MISS 3