بشير عصمت

القرض ما بعد الأخير للبنان للفقراء... هل يأتي؟

8 أيار 2021

02 : 00

بطاقة الدعم المباشر

جاء في قاموس المعاني :مَسَخَ صُورَتَهُ

حَوَّلَهَا إِلَى صُورَةٍ أَقْبَحَ، شَوَّهَهَا، قَبَّحَهَا

هذا التعريف، لتحاشي الاسترسال في التفسير.

الموضوع هو كيف تتصرف الحكومة لتحمي الناس من الجوع الجماعي، بعد رفع الدعم، أو الحد منه من جيوب المودعين. أمرالغاء الدعم او ابقائه بشكل محدود لم يتضح بعد، فالمشادة قائمة بين الرئيسين عون ودياب (على تفاوت مواقفهما في اكثر من موضوع) من جهة وبين رياض سلامة الذي استفاق ان لديه ودائع للناس والمصارف، التي تبني احلاماً على نهوضها من ركام ودائع ليست لها. في غياب تام للمودعين وشبه استسلام للقدر. باستثناء عدد من الاحكام التي لا تسمن.

موضوع مكافحة الفقر في لبنان ليس جديداً ولا طارئاً ولكن وتيرة الافقار تسارعت بشكل درامي بفعل النزوح السوري بدءاً من 2011 ومع الازمة السياسية المستمرة وانهيار سعر صرف العملة الوطنية وشبه افلاس البنوك وجائحة الكوفيد.

لغاية العام 2016 كان الحديث يدور عن حوالي 60 ألف اسرة تعيش في الفقر المدقع وبدأت الأعداد بعدها ترتفع بمتوالية هندسية الى ان بلغت اعداد الأسر التي ستواجه مصيرها بعد رفع الدعم حوالى 800 الف اسرة، 160 ألف اسرة منها تقرر استفادتها من قرض البنك الدولي الذي ضمر من 600 م.د. الى 246 م.د والمنح الألمانية والاوروبية تستفيد منها 50 الف اسرة لمدة سنة تقريباً .

بناء عليه تبقى حوالى 600 ألف أسرة تنتظر حلاً في ظل رفع الدعم الداهم. ربما زيارة دياب للدوحة لم تؤت ثماراً وليست اكثر من اختبار غير ناجح!.

أما منصة الـ 400الف ليرة لا يمكنها الاستمرار، سواء كان المورد من اموال المودعين ام من طباعة مليارات جديدة. ولا يفيد بشيء اي تصريح بالغ التشدد بالحفاظ على أموال المودعين "المقدسة" ولا تصريح لنفس المسؤول بلهجة أشد أنه لن يسمح لأحد ان يجوع في عهده. شيزوفرينيا مطلقة. واستغباء للسادة الناخبين الجوعى، الذين يشبع بعضهم خطاب دوتشي لعدد محدود من الايام.

حكاية قرض

منذ اكثر من سنة اقترح البنك الدولي على حكومة دياب -عكر قرضاً ميسراً لدعم الأسر الأكثر فقراً وكانت مسودة وثيقة القرض منجزة بعد ذلك بشهرين، من قبل فريق البنك الدولي بالتعاون مع بعض الخبراء المحليين بطريقة احترافية. الى ان جاء خبراء الحكومة اللبنانية لاجراء التعديلات التي تضمن "السيادة" التي لا تعني الا سيادة غرورهم وقلة معرفتهم، فأعملوا نهشاً في الوثيقة .

يذكر ان بين كل الفريق اللبناني الذي عمل على تعديل المسودة لا يوجد اي مختص بأعمال مكافحة الفقر ولا بالشأن الاجتماعي ولا حتى في فهم معاني المصطلحات التقنية كذلك، كما أن اياً منهم لم يعمل في تنظيم أعمال إغاثة ويضاف الى ذلك التناحر على الصلاحيات بين مجموعة الطباخين الذين يدعون خدمة فقراء لبنان ومنع الجوع عنهم. اعني اكثر من نسبة 95 في المئة من شعب لبنان.

رغم كل التشوهات مرّ المشروع الى اللجان النيابية لبته بشكل طارئ لـ160 ألف اسرة لمدة سنة ومضت سنة وشهران على الانتهاء من تحضيره. وكان الامل ان يمر المشروع بهدوء في مجلس النواب ويدخل تحسينات ذات افادة جوهرية كملاحظة ان اعداد الفقراء زادت كثيراً وستزداد اكثر ربما كان اقترح زيادة المبلغ لتغطية الاحتياجات على اكثر من سنة على سبيل المثال.

لكن بدل ان يكحلها عماها إذ صدر مشروع القرض في الجريدة الرسمية وجاء فيه على سبيل المثال ان يدير المشروع في رئاسة الوزارة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية 11 موظفاً فقط من أخصائيي الكومبيوتر وراتب مدير المشروع اي مهندس معلوماتية وكومبيوتر مع خبرة ،لا تزيد عن 7 ملايين ل ل . اي 600 دولار.

وأثنى مجلس النواب على وجود وحدة رصد وتقييم واكد على ضرورة تلقي تقارير عن تقدم الاعمال الميدانية وحرص على حماية البيانات الشخصية واقترح خطة تواصل لاعلام الجمهور للتقدم بطلباته وكما رحب مجلس النواب بضرورة اقامة مركز شكاوى للمستفيدين وضرورة عمل العمال الاجتماعيين على ادارة الحالات أي متابعة أوضاع الاسر المستفيدة ودفع مستحقات من البرنامج للعمال الاجتماعيين لقاء ملء الاستمارات، كل هذه المقترحات القيّمة واردة أصلاً في متن المشروع ولم يُضف لها حرف واحد. وهي كانت تمضي أشهرها في دفء جوارير المجلس والفقراء ينتظرون في قيظ الصيف او برد الشتاء لا فرق.

إبداع نيابي في اعمال الطوارئ والفقر

غير ان مجلس النواب اقترح الا يتعدى المشروع مدة السنة وفتح إمكانية التسجيل الطوعي لمدة شهر لمن يرى في نفسه مستفيداً، فيما العمال الاجتماعيون يستمرون بالعمل لمدة ستة اشهر في ملء الاستمارات.

وفي سياق آخر أيّد النواب ايقاف وزارة الشؤون الاجتماعية كل إنفاق إجتماعي له طابع المساعدة او الخدمات لأن الاولوية المطلقة للغذاء لأنها منشغلة حالياً بوضع استراتيجية الحماية الصحية؟ نعم صدق لا انفاق إجتماعياً وشد احزمة واستراتيجية حماية صحية في وزارة الشؤون الاجتماعية لا وزارة الصحة ولا الضمان والنتيجة المعتادة ورقة وخبراء وخزائن ملأى بشبيهاتها منذ التأسيس.

وفي اطار التشاطرعلى برنامج الغذاء العالمي لخفض نفقاته التشغيلية والذي لولا إذلال حكوماتنا لشعبنا لما كان لهذا البرنامج موطئ قدم في بلادنا، ويستمرّ المجلس في إظهار حرص غير صادق على مصالح الفقراء فيقترح التقتير على برنامج الغذاء العالمي بالسماح له بانفاق 0.5 في المئة كلفة تشغيلية بعد إنزالها من نسبة 6 في المئة مدّعياً أنه وفّر البطاقة الغذائية لـ 14000 اسرة اضافية. وقام بتعويض برنامج الغذاء العالمي باكثر من 2.5 مليون دولار من بقايا هبة تم ارجاعها الى البنك الدولي اي لم تعد موجودة، ليتمكن مجلس النواب او سواه من وهبها لأن المرجع العالي المتخصص بتبديد اموال الفقراء في وزارة الشؤون لم يحسن صرفها كما يشتهي فعادت ادراجها الى واشنطن حيث بتنا نطلب اضعافها قرضاً من الجهة نفسها.

كم سيبدو شعبنا سعيداً اذا علم ان مجلس نوابه و مدراء وزاراته ووزراءه الجندريين صار محترفاً في كيفية تحديد الفقراء حيث مزج خليطاً عجيباً من تقنية البنك الدولي في تحديد الفقراء الى تقنية جمع معلومات الاحسان والشفقة ورؤساء البلديات ومنصات التوزيع وقياس الدخل مع منفذين من الجيش والصليب الاحمر والعمال الاجتماعيين وطلاب الجامعات والمتطوعين.

إنها ورشة لم يشهد ولن يشهد (املنا ذلك) لبنان لها مثيلاً، في حدث طارئ للرد على احتياجات 20 في المئة من اللبنانيين. بعد كل ذلك من هو ذلك الخبير المغامر الذي سيتجرأ على تصنيف كل هؤلاء المستفيدين كل حسب استمارة مختلفة ظناً ان الحاسوب آلة سحرية. كل ذلك ولكن هذه الورشة لم تبدأ. والدعم شارف على الرفع والقرض لم يأت بانتظار أن يجري البنك الدولي تصحيحاته لينجب هذا الجبل المتمخض فأراً مسخاً أكثر مما هو عليه.

كل ذلك ولا قرض بالجيب لغاية اليوم وربما لن يكون هناك قرض طالما تفاوض الحكومة بخبراء لا معرفة لهم بامور الطوارئ ولا الفقر ولا حتى بأعمالهم ومهامهم. ربما من حسن حظّ البعض انهم لم يوكلوا الدولة بأولادهم ومن سوء حظ فقراء القرض انهم اوكلوا الدولة باولادهم. بئس القدر.

يقولون شرّ البلية ما يضحك وطبعاً ما ذكرت مدعاة للنحيب لكن الذاكرة تعود بي الى قصة طريفة تقول بأنه ما ان وصل الجد الآتي لزيارة ابنته واحفاده في قرية بعيدة وبعد ان فتحت له ابنته الباب حتى ضرب رأسه بكفه، سألته ابنته ما الخطب يابيي اجاب نسيت جيب كيس كعك للاولاد اجابت الابنة بسيطة قال "بكل أسف لأ لأ لازم ياكلو".

لا كعك ولا قرض وثرثرة واستراتيجيات والفقراء جوعى وسيزدادون عدداً وسيزداد الجميع جوعاً طالما تربع امثال هؤلاء على قمة القرار. أن تتعيّن وزيراً أو مديراً عاماً لا يعني أنك تعينت خبيراً في كل الامور انما مدير اعمال.

لا انعي القرض لكني اشرح ماذا قصد قاموس المعاني من كلمة مسخ وهو ما فعلته السلطة منذ تولت الامور. من الودائع الى المرفأ الى التحقيقات الى الجوع المحتم.

اقتراح اخير غير ذي فائدة لدى المسؤولين الغليظي الذهن. بما أن عدد الاسر المتضررة والفقيرة هو بحدود المليون أسرة أليس من الاسهل إحصاء الذين ليسوا بحاجة الى دعمكم إن اتى ولن يأتي؟ أي إحصاء ستجرون عن احوال معيشة السكان لمليون اسرة اي لكل لبنان من دون منهجية وتظنون ان ذلك امر ممكن؟. الا تعلمون ان هناك علم احصاء وعلم تدخل اجتماعي وعلم معالجة أزمات الطوارئ... وكل اختصاص فيه اختصاصات وشهادات عليا؟.

تخافون الانفجار الاجتماعي من منطلقات تبدو انسانية ومن محبتكم لشعبكم لكن كل ما يظهر انكم تريدون تقطيع الوقت وانفاق اموال المودعين وهذا هو الحل الاسهل لان المودعين رهائن بينما الحل مع البنك الدولي او التعامل مع صندوق النقد هو تعامل مع الامبريالية . لكن مفاوضات النووي تبدواقرب لاقناع الشيطان الاكبر بالتخلي عن امبرياليته.

شعبنا محاصر من الداخل والخارج لا ارهاب اكبر من الذي نحياه. شعبنا رهينة ومن يقتص من جلد سواه يتوسع.

غداً عندما نفقد الامل بلبنان الوطن الحر السيد سيندم معظمنا وستنشأ طبقة من العملاء الجدد المزدوجين المثلثين المربعين يتحكمون بنا. وسنبكي كالنساء ملكاً لم نصنه كالرجال؟

لكل ذلك لا بد من رفض اوجاع يمكن ان نشفى منها بدل اوجاع سلطة مستبدة تغزونا كالنعاس.