زينة عبود

فيروس كورونا أنسى العالم كل ما سبق

عدّاد السيدا لم يتوقف وعلاج متطور قريباً

10 أيار 2021

02 : 00

علاج قريباً
كل فيروس وله صيته العاطل، وإذا كان فيروس الكورونا ومتحوّراته في موقع الصدارة، عالمياً ولبنانياً، فمرد ذلك إلى صعوبة السيطرة عليه في بعض الدول، مثل الهند اليوم، وإيطاليا في الأمس القريب، لكن كوفيد 19 لم يمح تماماً سجلات "إنفلونزا الخنازير" و"إيبولا" و" سارس" من الذاكرة، وبخاصة الـ"إيدز" الخارج من التداول الإعلامي لا من الواقع. إن نسيناه أو تناسيناه فذلك لا يعني أنه اختفى.

بعض الأوبئة يُكافَح باللقاحات، فيما البعض الآخر لا تزال البحوث والدراسات قائمة حوله، ومن هذه الفيروسات فيروس نقص المناعة HIV أي ما يُعرف بالسيدا أو الإيدز الذي يتعايش معه المصاب به بسرية تامة خوفاً من الأحكام التي تصدر بحقه من بعض مكونات المجتمع اللبناني التي "تستهول" وجود مثلية واتصالات جنسية غير آمنة في بلد محافظ ومثالي... فما هو واقع الإيدز في لبنان؟ وما هو حال المصابين بهذا المرض؟




غلطة الشاطر بألف

قبل أن يتفوّه بأي كلمة يصرّ إبن الخامسة والثلاثين عاماً على عدم الكشف عن هويته لأن معاناته تُعتبر آفة غير مقبولة من قبل المجتمع الذي سيرفضه تلقائياً ويصدر في حقه حكم إدانة.

يجلس مربكاً، يداه مشبوكتان، حاني الرأس، ويروي "أنا متعايش مع الفيروس منذ خمس سنوات... في العام 2016، كنتُ خارج البلاد بداعي العمل عندما بدأت الأعراض تظهر على جسدي تباعاً: اسوداد في اللثة واللسان ونزيف في اللثة ترافق مع انحطاط جسدي وإرهاق وانحلال تدريجي إلى حد التلاشي"... ويتابع "هذه الأعراض المفاجئة وغير المبرّرة بالنسبة إلي أخافتني فقررت ان أخضع لفحوصات عامّة أجريتها بالإضافة الى فحص HIV بحيث تبيّن أنني أحمل هذا الفيروس"...

يتنهّد "لا شكّ أن الصدمة كانت قوية ومخيفة في بداية الأمر لأنني وجدت نفسي أمام واقع قاسٍ ومجهول، لكنّني قرّرت المقاومة وعدم الاستسلام... عمّقتُ معرفتي بهذا المرض من خلال القراءة عبر الإنترنت عن أسباب الإصابة به وأعراضه وطرق معالجته... وفور عودتي الى لبنان بعد حوالى الشهر من التأكد من إصابتي بالفيروس، سارعت الى اتباع العلاج، مع العلم أن الفترة الأولى كانت صعبة لأن الدواء لم يتلاءم مع جسمي فعانيت لفترة من أعراض جانبية قبل أن يقوم الطبيب بتعديل العلاج".

بعينين يملأهما حزن ممزوج بالخجل، يرجّح أن تكون إصابته ناتجة عن علاقة جنسية من دون وقاية على الرغم من عدم تمكّنه من تحديد الشخص المُعدي، ويتابع "لم أخبر عائلتي لأنني أعيش في بيئة محافظة ويصعب على أهلي تقبّل الأمر بل سيعانون منه من دون أن يقدّموا إلي الدعم الذي أحتاجه لتخطي المشكلة، لذا اخترت أن أطلِع صديقين مقرّبين منّي على وضعي الجديد كي لا أكون وحيداً في محنتي من جهة وبهدف توعيتهما لاتخاذ الوقاية اللازمة من جهة ثانية".

وفي ضوء الخطر الذي يشكّله الإيدز على الحياة المهنية، إلتزم الصمت وتكتّم على الموضوع لكي يحافظ على وظيفته، فهو ككل الشباب الناشطين من حوله، متعلم ويشغل وظيفة محترمة في إحدى الشركات، هو منتجٌ في المجتمع ويحترم القوانين ويطبّقها، رجلٌ بكامل قواه العقلية والجسدية والنفسية لكن بفارق بسيط أنه يحمل فيروس نقص المناعة البشرية ما يجعله بأمسّ الحاجة الى الاستمرار في العمل والتخالط المجتمعي كي لا يُرهق معنوياً أيضاً. وهو يشكي ربط مرض الإيدز دون سواه بالذنب غير المغفور على المستوى الاجتماعي العامّ وإطلاق الأحكام جزافاً بحق المصابين به.

قد يكون الدعم النفسي هو أكثر ما يحتاجه مريض السيدا لتخطي المرحلة الأولى من معرفته بأنه مصاب الى حين التأقلم مع وضعه الصحي والتعايش مع الفيروس.

ويختم كلامه بتوجيه النصيحة الى جميع الشباب لأخذ الحيطة والحذر في أثناء نشاطاتهم الجنسية وكل مصادر محتملة لانتقال العدوى بفيروس HIV.

"انتبهوا... لأنو غلطة الشاطر بألف"... لكنه يؤكد أنه في حال الإصابة يجب عدم فقدان الأمل في الحياة! وهذا الأمل يستمدّه الشخص إما من عائلته وأصدقائه إذا تقبّلوا وضعه أو من الجمعيات غير الحكومية التي أخذت على عاتقها مساعدة ودعم مرضى السيدا.


التضامن واجب إنساني


واقع السيدا في لبنان بالأرقام

في لبنان، سجّل عداد الإيدز لدى وزارة الصحة 148 حالة جديدة في العام 2020، بينها 137 إصابة لدى الذكور و11 لدى الإناث، ما رفع العدد التراكمي الى 2718 حالة مسجّلة على منصّة الوزارة تحت إشراف البرنامج الوطني لمكافحة السيدا الذي أظهرت بياناته ان الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة تركزت ما بين ثلاثين الى خمسين عاماً! حيث تم تسجيل 50% من الحالات المصابة بـHIV، تليها الفئة العمرية دون الثلاثين عاماً 37,2% بينما 12,8% من المصابين تفوق أعمارهـــم الخمسين عاماً.

البيانات الرسمية للبرنامج الوطني تظهر ايضاً ان انتقال العدوى انحصر بالعلاقات الجنسية غير المحمية، وبشكل لافت لدى مثليي الجنس الذين سجّلوا 92,6% من الحالات للعام 2020.

تطوير علاج الإيدز


جميع المصابين يتلقون علاجاتهم على نفقة وزارة الصحة التي تؤمّنه مجاناً! من خلال البرنامج الوطني لمكافحة السيدا الذي ينوّه به الاختصاصي بالأمراض الجرثومية والمعدية البروفسور جاك مخباط وهو أحد مؤسسي الجمعية اللبنانية للسيدا ورئيس البرنامج السابق، ويكشف عن مركز مجاني للمتابعة المخبرية يجري العمل على إنشائه للدعم والمساعدة.

وعلى الرغم من الجمود الحاصل على مستوى البحوث والدراسات حول السيدا في العالم بسبب الانكباب على إجراء البحوث حول وباء كورونا في العامين الأخيرين، إلا أن البروفسور مخباط يكشف عن علاج مختصر لمرضى الإيدز تمّ التوصل اليه في آخر مؤتمر دولي أقيم في آذار الماضي يقضي بأن يتناول المريض حبة دواء أو إبرة كل ثلاثة أسابيع بدل ان يكون الدواء يومياً ما يخفّف من معاناته، غير ان هذا العلاج لم يحظَ بموافقة عالمية بعد، نظراً الى عدم إتاحة المجال لتسويقه في أنحاء العالم بسبب الانشغال بوباء كورونا.


البروفسور جاك مخباط



تطوير العلاج قد يريح مرضى السيدا ويحسّن ظروفهم لكن تبقى دائماً الوقاية أولاً، لذلك لا بدّ من الابتعاد عن الإهمال والاستهتار بأي حادثة أو واقعة تحصل، يقول مخباط، وعلى كل شخص يقوم بعلاقات جنسية غير محمية، ان يسارع الى إجراء فحص مخبري للـ HIVلأن الأعراض الأولية غير لافتة وقد تمرّ مرور الكرام لتظهر الأعراض الواضحة لاحقاً حينما يكون الفيروس تحوّل مرضاً مزمناً لا يمكن التخلّص منه.

أما المريض الذي يرغب في الزواج والإنجاب، فعليه ان يخضع لعلاج خاص مسبقاً كي يتمكّن بعد مرور ستة أشهر كحد أقصى من ممارسة الجنس من دون وقاية ومن دون أن ينقل العدوى الى زوجته ومنها الى الجنين. وهنا يشير مخباط الى ان عدد الإصابة بفيروس نقص المناعة لدى حديثي الولادة في السنوات الأخيرة سجّل صفر حالة. وللحفاظ على هذا الرقم، ينصح كل امرأة حامل ان تخضع لفحص HIV من ضمن الفحوص الأخرى التي تخضع لها في الأشهر الأولى من الحمل.

ولأن درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج، يشدد مخباط على أهمية التوعية وهو الدور الذي تلعبه المؤسسة اللبنانية للسيدا منذ إنشائها عام 1992، بالتعاون مع جمعيات أخرى ومع وزارات الصحة والتربية والإعلام لنشر المعرفة حول مخاطر الإصابة بالسيدا في المدارس والجامعات ومن خلال إقامة ندوات ومؤتمرات ومنشورات توعوية. المؤسسة التي تموّل نفسها من خلال نشاطات فنية ترفيهية تنظّمها عادة لهذا الغرض، تعاني اليوم من نقص في الدعم المادي بعدما فرملت جائحة كورونا كل النشاطات في العامين الأخيرين.

هذه الأيام يضجّ العالم بوباء كوفيد – 19 الذي سيزول بمجرّد تلقيح الشعوب تباعاً وتحقيق مناعة مجتمعية في كل بلد، لكن الإيدز لا يزال حتى يومنا هذا يغزو المجتمعات، فهل يتوصّل الباحثون يوماً الى لقاح فعال ضد السيدا؟


خلف القناع


بين نقص المناعة والإيدز

فيروس HIV يدخل في بداية الأمر الى الدّم حيث يقضي على مناعة الجسم قبل أن يبدأ بالتكاثر داخله، وإذا تمّ اكتشافه مبكراً وخضع المصاب للعلاج فإن الفيروس لن يتحوّل مرضاً قاتلاً أي ما يُعرف بالإيدز أو السيدا.

أما انتقال العدوى فيحصل بشكل أساسي في أثناء إقامة علاقة جنسية غير آمنة أي من دون استعمال واق ذكري أو في حال تمزّقه في خلال العلاقة، كما من خلال مشاركة أعمال حقن مع آخرين خصوصاً أن انتقال العدوى يحصل عن طريق الدم الملوّث بالجرح أو بمواد ثاقبة كالإبر، وبالسائل المنوي أو المهبلي، ومن الأم الحامل الى الجنين.

تواريخ وأوبئة

طاعون جستنيان (541)

الموت الأسود (1347)

جدري (1492)

تيفوس (1505)

الملاريا (1600)

كوليرا (1817)

إيدز (1981)

انفلونزا الطيور(1996)

سارس (2002)

إنفلونزا الخنازير (2009)

إيبولا (2014 – 2016)

كوفيد 19 (2019)


MISS 3