مكوّنات جينية وراء سيطرة اليد اليسرى

14 : 15

حدّد الباحثون للمرة الأولى مناطق في الحمض النووي البشري ترتبط بميل الشخص إلى استعمال يده اليمنى أو اليسرى، وربطوها بالخصائص اللغوية في الدماغ. يعرف العلماء أصلاً أن الجينات تؤثر بالنزعة إلى سيطرة يد على أخرى بنسبة 25% تقريباً. لكن قبل أن تصدر جامعة "أوكسفورد" البريطانية بحثها الجديد، لم تكن الجينات المؤثرة واضحة. وقد نُشِر تقرير حديث عن الدراسة الأخيرة في مجلة "الدماغ".

فصّل الباحثون ما فعلوه لاكتشاف مناطق الحمض النووي بعد تحليل جينومات 400 ألف مشارك في "البنك الحيوي البريطاني"، منهم أكثر من 38 ألف أعسر. يوضح المشرف الأول على الدراسة، أكيرا وايبرغ، عضو في "مجلس الأبحاث الطبية" في جامعة "أوكسفورد": "يستعمل حوالى 90% من الناس اليد اليمنى. هكذا هو الوضع منذ 10 آلاف سنة على الأقل". لكن رصد الباحثون في تحليلهم الجيني أربع مناطق لها علاقة وثيقة بهذه النزعة. تقع ثلاث مناطق منها داخل الجينات التي تُشفّر البروتينات المرتبطة بنمو الدماغ وتشكّل الأنماط فيه، أو تؤثر عليها. تؤدي هذه البروتينات دوراً أساسياً في تصنيع أنابيب دقيقة لتوجيه مسار بناء الخلايا.

تحتوي تلك الأنابيب على جزيئات طويلة السلسلة وتُشكّل الهيكل الخلوي، أي البنية الملموسة من الخلايا في أنحاء الجسم، وقد تتجمع وتتفكك بسرعة فائقة رداً على الإشارات الخلوية.

كذلك، تكون الجينات التي تطلق عملية بناء الهيكل الخلوي مسؤولة عن الاختلافات اليمنى واليسرى في نمو الحيوانات وتطورها. تُسجَّل هذه الظاهرة مثلاً لدى الحلزون، إذ يستطيع هيكله الالتفاف نحو اليسار أو اليمين.

على صعيد آخر، تحتفظ الأنابيب الدقيقة بالبنية الأساسية التي تستعملها الأنزيمات لنقل الحمولة إلى مختلف أجزاء الخلية. في ما يخص الخلايا العصبية (قد يصل طولها إلى متر كامل)، تحتاج الأنابيب أحياناً إلى تغذية مساحات كبيرة. درس الباحثون أيضاً مسوحات دماغية مفصّلة لدى 9 آلاف مشارك بعدما حللوا أحماضهم النووية. فاكتشفوا أن الجهتين اليمنى واليسرى من الدماغ (ترتبطان باللغة) تعملان بطريقة متناسقة لدى الأعسر على وجه التحديد. تطرح هذه النتيجة أسئلة يجب أن تتطرق إليها الأبحاث المستقبلية للتأكد من تفوّق الشخص الأعسر في المهام الشفهية.

عند جمع نتائج التصوير والتحليلات الجينية، اكتشف الباحثون أن جزءاً من الآثار الجينية المرتبطة بسيطرة يد على أخرى يتزامن مع اختلافات في المادة البيضاء الدماغية التي تحتوي على الهيكل الخلوي المسؤول عن ربط المناطق اللغوية ببعضها.

تقول جوينايل داوود، إحدى المشرفات على الدراسة وأستاذة مساعِدة في مركز "ويلكوم" للتصوير العصبي التكاملي في جامعة "أوكسفورد": "للمرة الأولى لدى البشر، أثبتنا أن تلك الاختلافات في الهيكل الخلوي تظهر بوضوح في الدماغ. نعرف أن هذه الآثار لدى حيوانات مثل الحلزون والضفادع تنجم عن أحداث وراثية مبكرة جداً، ما يطرح فرضية مثيرة مفادها أن مؤشرات سيطرة يد على أخرى تبدأ في دماغ الجنين".

كذلك، رصد العلماء روابط بين المناطق الجينية المرتبطة بسيطرة اليد اليسرى وتراجع طفيف في خطر الإصابة بمرض الباركنسون مقابل ارتفاع بسيط في مخاطر انفصام الشخصية.

لكن بما أن النتائج اكتفت برصد الروابط، لا يعني ذلك أن وجود المتغيرات الجينية يزيد أو يضعف خطر الإصابة بتلك الحالات. مع ذلك، تبقى هذه الاستنتاجات قيّمة كونها تفتح آفاقاً جديدة للدراسات الجينية المتعلقة بهذه الأمراض.

يوضح دومينيك فيرنيس، أحد المشرفين على الدراسة وأستاذ في مركز "نافيلد" لجراحة العظام والروماتيزم وعلوم العضلات والعظام في جامعة "أوكسفورد": "لقد أثبتنا في هذا البحث أن سيطرة اليد اليسرى هي نتيجة لعلم الأحياء التطوري في الدماغ، وتشتق هذه العملية جزئياً من تفاعل معقد بين جينات متعددة. إنه جزء من النسيج الغني الذي يميّز البشر".

يضيف وايبرغ: "درس باحثون كثيرون الأساس البيولوجي لسيطرة يد على أخرى، لكنّ استعمال قواعد بيانات ضخمة من "البنك الحيوي البريطاني" سمح لنا بتسليط الضوء على العمليات الكامنة وراء سيطرة اليد اليسرى".


MISS 3