جاد حداد

Booksmart... رسالة إلى الفتيات!

16 أيلول 2019

10 : 30

تخوض أوليفيا وايلد أول تجربة إخراجية لافتة في Booksmart (الذكيتان). الفيلم عبارة عن كوميديا ناجحة، تدور أحداثه في مدرسة ثانوية ويشارك فيه ممثلون من الطراز الرفيع. يتّسم العمل بسيناريو لامع وغني بحوارات ذكية، وتصوير سينمائي جاذب، ومونتاج سلس، وموسيقى تصويرية حيوية. والأهم من ذلك هو أنه فيلم ممتع لدرجة تشدك الى مشاهدته مراراً وتكراراً. صحيح أنه يستوحي جزءاً من أفكاره من قصص المراهقين في أعمال كوميدية سابقة، لكنه يتميز بشخصيتَي البطلتين: "مولي" (بيني فيلدشتاين) فتاة مهووسة بالدرس ولا تهتم إلا بالتفوق في صفّها. أما صديقتها المقرّبة "إيمي" (كايتلين ديفر)، فهي أكثر هدوءاً منها لكنها تؤيد الحركة النسائية، وبذلت قصارى جهدها للدخول إلى أفضل جامعة. حين تكتشف "مولي" أن رفاقها الأقل اجتهاداً يستعدون لدخول جامعات مرموقة أيضاً، تعجز عن فهم مسار العالم. بدل الاستمتاع بليلة اعتيادية هادئة، تُقنِع "مولي" صديقتها "إيمي" بالاحتفال مرة واحدة على الأقل قبل التخرج.

بعدما أخرجت وايلد عدداً من الكليبات الموسيقية والأفلام القصيرة، أصبحت مخرجة بارعة وتتميز بأسلوبها الخاص. يبرز حسّها الفكاهي في أي موقف سخيف أو تهكّم لاذع أو حيلة بصرية، كما يحصل عند السخرية من رحلة فتى ثري في سيارة مبهرجة، أو عند تقديم شخصية "جيجي" (بيلي لورد) التي تتميز بسلوكها الجامح العفوي وقدرتها العجيبة على حضور جميع الحفلات الليلية وطاقتها الإيجابية التي تتخذ أحياناً منحىً غريباً. تستمتع وايلد أيضاً باختيار مقاطع موسيقية معروفة في هوليوود وتستعمل تقنية الإطارات الثابتة لعرض مشهد هلوسة يصعب وصفه تحت تأثير المخدرات.

بفضل خلفية وايلد في مجال التمثيل، من الأسهل على بطلتَي القصة أن تقدّما أداءً جنونياً وعاطفياً مدهشاً. نشاهد في الفيلم مختلف التقلبات التي تعيشها "مولي" و"إيمي" خلال رحلتهما في أنحاء لوس أنجليس. إيقاع الأحداث سريع لكننا لن نشعر بالضياع والارتباك. في المقابل، يتّضح عمق الصداقة بين الفتاتين، بما يشبه علاقة الرفيقَين في Superbad (سيئ جداً) العام 2007. هما تغيظان بعضهما وتستعملان لغة مشتركة خاصة بهما، مثل كلمة "مالالا" لطلب المساعدة، وتطبّقان طقوساً مثل المبالغة في مدح ملابسهما. في معظم الأحيان، يكون تعدد الشخصيات في السيناريو مثيراً للقلق، لكن كانت مشاركة سوزانا فوغل وإيميلي هالبيرن وسارة هاسكينز مناسبة على أكمل وجه، ولا ننسى دور كاتبة السيناريو البارعة كيتي سيلبرمان في الإشراف على المسودة الأخيرة من النص. خلال المهرجان السينمائي "ساوث باي ساوث ويست"، أكد الممثلون تلقّيهم دعماً كبيراً من وايلد لبناء شخصياتهم بأفضل طريقة. لهذا السبب على الأرجح، يشبه طلاب الثانوية أي مراهقين في عمرهم، فيتكلمون مثلاً عن منزلهم المفضّل في قصص "هاري بوتر".

تجيد فيلدشتاين وديفر إبراز شخصية كل واحدة منهما، مع أنهما قد تبدوان متشابهتَين للوهلة الأولى. أدت فيلدشتاين سابقاً دور الصديقة المقرّبة من البطلة في Lady Bird (سيدة الطيور)، لكن كانت مدة ظهورها محدودة فلم تتمكن من إثبات مواهبها الكوميدية. يُسلّط الفيلم الضوء عليها، فتستجمع ثقتها بنفسها وطاقتها العالية لتقديم شخصية حائرة وحازمة في آن. أما ديفر، فتبرع في تطوير شخصية الفتاة الخجولة "إيمي" التي تكنّ إعجاباً خفياً لفتاة أخرى، وتعبّر بسلاسة عن شعورها بالإحراج من حماسة والدَيها وترددها في التعبير عن حقيقة مشاعرها وإخلاصها تجاه "مولي"، حتى عندما تطغى عليها قوة شخصية صديقتها.

من المدهش أن نشاهد فيلماً عن صداقات نسائية قوية ومتماسكة، لكن كان ممتعاً أيضاً أن تدور الأحداث في مدرسة ثانوية مليئة بمجموعة متنوعة من الطلاب، بمختلف ميولهم الجنسية وطرق التعبير عن هويتهم. كذلك، يقدّم الممثلون المساعدون أداءً ممتعاً بقدر البطلتَين ولا يقتصر دورهم على مشاهد اعتيادية في المدارس الثانوية. سرعان ما يتبيّن أن انطباعات "مولي" الأولى عن زملائها في الصف خاطئة. قد لا يتعمق الفيلم في استكشاف الشخصيات الثانوية، إلا أنه لا يحصرها بصفة واحدة ولا يضعها في إطار مبسّط.يمكن اعتبار فيلم وايلد عملاً متكاملاً. يضاهي التصوير السينمائي فيه المستوى الذي شاهدناه في After Hours (بعد ساعات) عن مغامرة جامحة لمجموعة مراهقين، لكن يستعمل الفيلم إضاءة حالمة وملوّنة. لا يمكن أن تبدو أي حفلة أخرى لطلاب الثانوية جميلة لهذه الدرجة! في أحد المشاهد، يلتقط المصور السينمائي جايسون ماكورميك (شارك مثل وايلد في تصوير كليبات موسيقية سابقاً) لحظة تتكئ "راين" (فيكتوريا رويسغا) على ركبة "إيمي" (إنها الفتاة التي تعجبها)، فيتباطأ الزمن وتمتلئ القاعة بأضواء زهرية وصفراء، ما يعكس لحظة خاطفة للأنفاس. يشعر المشاهدون بالأجواء التي تعيشها الفتاتان في مغامرتهما بفضل إيقاع المونتاج الحيوي الذي تولاه جايمي غروس. إنه خليط مؤثر من المشاعر ويسهل أن يستمر أثره حتى آخر مشهد من الفيلم.

في الفيلم تريد الفتيات الاستمتاع بوقتهنّ بكل بساطة، بعيداً من ضغط النجاح أو المبادئ الصارمة، مع التركيز بشكلٍ أساسي على الصداقة. تقول المعلمة المفضلة لدى المراهقين في الفيلم، "الآنسة فاين" (جيسيكا ويليامز): "لا ترتكِبْنَ الخطأ الذي ارتكبتُه أنا"! يبدو هذا التصريح تحذيراً للمشاهدين أيضاً. بسبب التركيز المفرط على العمل والنجاح، وصلت أجيال كاملة من النساء إلى حدّ الإجهاد التام. ربما يحاول الفيلم تعليم الجيل المقبل من الطالبات أن إيجاد التوازن بين الاجتهاد والاحتفال لن يكون سيئاً في نهاية المطاف!