ميغان مايهو بيرغمان

جيمي كارتر كان سابقاً لعصره... هل يُنصفه التاريخ؟

22 أيار 2021

المصدر: The Guardian

02 : 01

خلال مقابلة مع حفيد جيمي كارتر عبر تطبيق "زوم"، أجاب هذا الأخير على الأسئلة وهو يرتدي قميص حملة السيناتور رافاييل وارنوك. جايسون كارتر هو محامٍ وسياسي، وهو في منتصف الأربعينات من عمره، وتُذكّرنا عيناه الزرقاوان بجدّه. كان قد أنهى للتو مكالمة مع جدته روزالين البالغة من العمر 93 عاماً. إنه يوم مميز: كان جو بايدن في طريقه إلى منزل كارتر في مدينة "بلينز"، جورجيا. يتأثر كارتر بكل وضوح حين يذكر جدّه، مع أنه اعتاد على التكلم عنه في مناسبات متكررة. تكشف مجموعة من السِيَر والأعمال الوثائقية الجديدة تجدّد الاهتمام بالرئيس الأميركي السابق ونزعة غير مسبوقة إلى تحديث الخطاب العام المرتبط بعهده الرئاسي. برأي كاتب السِيَر، جوناثان ألتر، قد يكون كارتر "أكثر رئيس أساء الناس فهمه في تاريخ الولايات المتحدة".

كان كارتر قد خسر حملة إعادة انتخابه أمام ريغان الذي حقق فوزاً "ساحقاً" في العام 1980، وغالباً ما يعتبره الناس "رئيساً فاشلاً": إنه مزارع فستق بسيط وقليل الحظ، ولم يفهم كيفية إنجاز الأمور في واشنطن، وترافق عهده مع تفاقم التضخم وأزمة الطاقة وكارثة الرهائن الأميركيين في إيران.

فضّل الرؤساء اللاحقون، لا سيما الديموقراطي بيل كلينتون الذي كان من جنوب البلاد مثله، البقاء على مسافة منه لأنهم لم يرغبوا على الأرجح في أن يعتبرهم الرأي العام جزءاً من الخطاب السياسي الذي يفضّل التديّن على تحقيق الإنجازات. وحتى باراك أوباما كان يخشى على ما يبدو أن يرتبط اسمه بصفات عدم الكفاءة والتساهل التي نُسِبت إلى كارتر. لكن هل كان كارتر غير كفوء فعلاً؟

يقدم ألتر في السيرة التي طرحها عن كارتر في العام 2020 تفسيراً مختلفاً حول أداء هذا السياسي السابق، فيعتبره "رئيساً بارزاً على نحو مفاجئ: قد يكون فاشلاً من حيث السياسة والأسلوب، لكنه ناجح من حيث الجوهر وبُعد النظر". يمكن اعتبار بصيرة كارتر الثاقبة وطبيعة طموحاته، في مجال الطاقة تحديداً، السبب الذي يسمح لنا بتقديره بعد أكثر من أربعة عقود على انتهاء عهده. وُلِد كارتر في العام 1924، وهو يبلغ اليوم 96 عاماً. يجب أن يدرك الأميركيون أن كارتر حذّر صراحةً من عواقب التغير المناخي منذ أربعين سنة تقريباً.

يُركّز الفيلم الوثائقي الجديد Carterland (أرض كارتر) على نشاطات الرئيس الواسعة في مجال حماية الموارد والمناخ والعدالة.

يقول ويل باتيز، أحد مخرجي الفيلم: "هذا ما يجهله الناس عن كارتر. هو لم يكن فاشلاً أو غير كفوء، ولا ضعيفاً أو متردداً، بل كان زعيماً سابقاً لعصره وله رؤية ثاقبة، ولطالما حاول توجيه البلد نحو عصر الطاقة المتجددة، والحلول المناخية، والعدالة الاجتماعية للنساء والأقليات، والمعاملة المتساوية بين جميع دول العالم. واجه كارتر مشاكل اقتصادية شبه مستحيلة وكاد يغيّر مسار بلده في نهاية المطاف".

يوافقه الرأي شقيقه جيم، فيقول: "يجب أن يطرح الناس السؤال التالي على أنفسهم: ما هي الكوارث التي كان البلد ليواجهها لو كان مسؤول غير جيمي كارتر في سدة الرئاسة خلال تلك الفترة الخطيرة من أواخر السبعينات"؟

شهدت تلك الحقبة اضطرابات كبرى مثل التضخم، والحرب الباردة، وتجمّع الناس في صفوف طويلة أمام محطات البنزين، وتغيّر الأعراف الثقافية. أبدى كارتر شخصياً استعداده للتغير. كان هذا الأخير قد خدم في القوات البحرية وقد عفا عن الهاربين من الخدمة العسكرية خلال حرب فيتنام. هو يأتي من خلفية عنصرية في جورجيا، ومع ذلك دعم مجموعة كبيرة من الخطوات الإيجابية وأعطى الأولوية للتنوع في التعيينات القضائية، فعيّن مثلاً روث بادر جينسبيرغ وأماليا لايل كيرس. ثم وظّف ماري برينس، المرأة السوداء التي اتُهِمت ظلماً بارتكاب جريمة قتل، كمربية لابنته إيمي. لكنه تعرّض للانتقاد لأن المفكرين المعاصرين اعتبروا هذه الخطوة استمراراً للعبودية المنزلية.

قد تبدو المظاهر المتطرفة خلال السبعينات رجعية بعد مرور عقود على نشوئها. على بعض المستويات، يصعب تأريخ مسيرة كارتر لأنه كان محافظاً على نحو صادم من جهة (من الناحية المالية وفي دعوته إلى الإنجيليين في الجنوب) وتقدمياً في مواضيع مثل حقوق الإنسان والمناخ من جهة أخرى. بدا وكأنه يتصرف بناءً على بوصلته الشخصية بدل تطبيق مقاربة سياسية معينة.

صدم كارتر العالم حين لعب شخصياً دور الوساطة في معاهدة السلام الخاصة بالشرق الأوسط بين أنور السادات ومناحيم بيغن في "كامب ديفيد". ثم سمح بالوصول إلى قناة بنما وأثار بذلك استياء المحافظين لأنهم ظنوا أنه يهدر مورداً أميركياً أساسياً بهذه الطريقة. وبفضل "قانون ألاسكا الوطني للحفاظ على أراضي المصلحة"، عزز نظام الحدائق الوطنية وحافظ على أراضٍ شاسعة يمكن اعتبارها من أكبر المساحات التي حماها البلد في تاريخ الولايات المتحدة.

على صعيد آخر، لم يكن كارتر يخشى اتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية واسعة أو تتطلب منه تضحيات شخصية. لقد كان رجلاً تقليدياً وصاحب رؤية مستقبلية في آن، واتضحت هذه الرؤية بشكلٍ أساسي في مجال المناخ وحماية الموارد. جازف كارتر بمخاطبة الرأي العام الأميركي مباشرةً وطالب الناس بمهمة صعبة: التركيز على الطاقة المتجددة وتخفيف الاتكال على النفط. سرعان ما دفع ثمن هذا الموقف الصريح ودفع الأميركيون معه ثمناً باهظاً.

نشر بايدن فيديو يوجّه فيه تحية إلى كارتر قبيل رحلته لمقابلته، وانضم بذلك إلى مجموعة رفيعة المستوى من سياسيّي جورجيا، منهم وجوه مألوفة مثل السيناتور جون أوسوف ورافاييل وارنوك وستايسي أبرامز، للتأكيد على استرجاع جورجيا أهميتها السياسية.

تشكّل هذه الرسائل جوهر الفيلم الجديد، لكنها تحمل في طياتها أيضاً تحية صادقة إلى رئيس سابق لم يُعتبر ثاقب البصيرة في الملف المناخي ومميزاً في معاييره الأخلاقية إلا في الفترة الأخيرة.

تقول أبرامز في ذلك الفيديو: "لقد كان أميناً لقيمه دوماً".

ويضيف وارنوك: "عالمنا بات بأمسّ الحاجة إلى قادة يتمتعون بأخلاق عالية. تَقِلّ الشخصيات التي تجسّد هذه الميزة بكل وضوح وثبات بقدر كارتر".

أما بايدن فيقول: "لقد أثبت لنا معنى الوظيفة الحكومية وشدّد على ضرورة خدمة الشعب".

لا يستطيع بعض الأميركيين تجاهل نقاط التشابه بين كارتر وبايدن الذي أصبح أول مسؤول يتم انتخابه خارج جورجيا لدعم حملة كارتر الرئاسية في العام 1976. اعتبره زملاؤه في تلك الفترة مثالياً بدرجة مفرطة. برزت أيضاً مقارنة لاذعة بين عهد كارتر وإدارة دونالد ترامب.

استلم جيمس غوستاف سبيث منصب رئيس "مجلس النوعية البيئية" الذي أنشأه كارتر، وقد شارك في إبلاغ الرئيس السابق بجميع المستجدات حول التغير المناخي وتوجيه السياسات المعمول بها باعتباره كبير مستشاري الرئيس في الشؤون البيئية. هو يعتبر الاختلاف بين كارتر وترامب "صادماً".

يوضح سبيث: "يحمل الناس اليوم نظرة مختلفة عن كارتر الذي كان نقيضاً لترامب وكل ما يكرهه الناس فيه. حمل كارتر صفات مثل النزاهة والصدق والإخلاص والالتزام بالمصلحة العامة أولاً. كان كارتر رجلاً مختلفاً بالكامل".

توفي نائب الرئيس كارتر، والتر موندال، منذ شهر عن عمر 93 عاماً، وقد دفعت وفاته الكثيرين إلى التفكير بضرورة الإسراع في تفهّم الشخصيات العامة وتقديرها قبل فوات الأوان. يظن سبيث أن الناس يجب أن يعترفوا بقيمة كارتر في أسرع وقت: "تُقال عبارات ثناء كثيرة خلال الجنازات، لكن من الأفضل أن يُقدَّر الشخص خلال حياته".

عند مشاهدة أفلام وثائقية مثل Carterland، قد تتعلق أعمق تجربة (وأكثرها ألماً على الأرجح) بالتوصل إلى استنتاج مفاده أن كارتر كان محقاً حين دعا الناس إلى تخفيف قيادة السيارات، وتقليص اتكالهم على النفط الخارجي، والتركيز على حماية الموارد والطاقة المتجددة. لم تتعرض رؤية كارتر في الماضي للتجاهل فحسب، بل سخر منها الجميع أيضاً. أخرج ريغان الألواح الشمسية من البيت الأبيض ولم يتردد في تسييس الحركة البيئية واعتبرها حملة هامشية.

يضيف سبيث: "كان كارتر الرئيس الأميركي الوحيد الذي أبدى اهتماماً فائقاً بالمسائل البيئية. هذا الجانب جزء من شخصيته. لقد كانت الفرصة سانحة في العام 1980، لكننا أهدرنا أربعين سنة ونحن نبحث عن مسار مناخي آمن. لم نعد نستطيع اليوم تجنب التغيرات الخطيرة والمدمّرة. ما كان يُفترض أن يحصل ذلك".

تعليقاً على أهمية تقدير إرث كارتر، يتكلم سبيث في المقام الأول عن ضرورة اعتبار النموذج الذي طرحه كارتر قدوة يُحتذى به للمستقبل وسط ثقافة تفضّل المكاسب السريعة: "كان كارتر مهندساً مدرّباً ولطالما آمن بقوة العلم. لقد فهم مختلف المسائل بطريقة شاملة وكان مقتنعاً بالقدرة على توقّع الأحداث. الاستعداد للأحداث على المدى الطويل ظاهرة نادرة في عالم السياسة".

يوافقه الرأي كاتب سيرة كارتر، جوناثان ألتر، فيقول: "إذا افترضنا وجود جينة مرتبطة بالواجب والمسؤولية والاستعداد لمعالجة المشاكل الفوضوية من دون تحقيق أي مكاسب سياسية محتملة، فلا شك في أن جيمي كارتر كان يحمل تلك الجينة".

لا يحاول أيٌّ من الأفلام الوثائقية أو السِيَر تصوير كارتر كشخص مثالي أو مُحنّك سياسياً، لكن تُصِرّ هذه الأعمال على اعتبار عهده الرئاسي أكثر نجاحاً مما يعترف به التاريخ، لا سيما في مجالات الطاقة وحماية الموارد وحقوق الإنسان. مع ذلك، ستبقى جوانب معينة من ولايته الرئاسية اليتيمة جزءاً راسخاً من مسيرته، بما في ذلك علاقته الهشة بالكونغرس، واستمالته لمؤيدي الفصل العنصري في بداية مسيرته لكسب الأصوات، وأزمة الرهائن في إيران.

ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من تبدّل الآراء بشأن عهد كارتر؟

يقول المخرج جيم باتيز: "يمكننا أن نناقش إلى أي حد لم يقدّر الناس قيمة كارتر. أو قد نتساءل أيضاً: ما هي الصفات التي نريدها في الزعيم؟ هل نريد مسؤولاً قادراً على تحدي الناس لتحسين وضعهم أم سياسياً يستعمل الشعارات المعروفة ولا يطالب الناس بشيء؟ هذا الفيلم هو عبارة عن حكاية تحذيرية. يمكننا أن ننتخب نسخة أخرى من كارتر، ويجب أن نكافئ القادة المستعدين لاتخاذ الخطوات الصائبة".

عاش جايسون كارتر طوال حياته وهو يسمع آراءً متفاوتة عن عهد جدّه الرئاسي. يقول كارتر الحفيد: "القصص تبقى مجرّد ملخصات للأحداث، وهي تغفل عن تفاصيل كثيرة لتسهيل فهم الأفكار بعبارات مبسّطة. تتمحور المواقف العامة في هذه الأيام حول السياسة، لكن يُفترض أن تُركّز على المشاكل الكبرى التي نحاول حلّها. ثمة فرق بين الأمرَين. أنا لا أريد أن يكون التاريخ متساهلاً مع جدّي، بل أريده أن يكون صادقاً في سرد مسيرته"!