عائلات المتضرّرين: نُقتل مرّتين وسنقاضي كل من حرمنا العدالة

لبنان يُطالب الأمم المتّحدة باستكشاف وسائل بديلة لتمويل المحكمة

02 : 00

ممثّلو عائلات شهداء الاعتداءات الإرهابية

بعد قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقف الجلسات التي كانت قررت عقدها في 16 حزيران في القضايا المتعلقة بمحاولتي اغتيال الوزيرين مروان حماده والياس المر وعملية اغتيال جورج حاوي، وبعدما كانت المحكمة أعلنت أنه قد تضطر للتوقف عن العمل اعتباراً من أول تموز بسبب النقص الحاد في تمويلها، ونظراً لعدم توفر هذا التمويل المتوجب على الحكومة اللبنانية من أي جهة أخرى، وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش بشأن التطورات الأخيرة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان. وجاء فيها: "كما تعلمون، لقد خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبلغًا وقدره 15,503,355 دولاراً إضافياً لرفد الموارد المالية للمحكمة. ولقد تمت الموافقة على هذه الإعانة بفضل جهودكم الحثيثة واهتمامكم الصادق ولتعاضد الدول الأعضاء التي أبدت حرصها على تأمين التمويل اللازم، كي تكمل المحكمة إجراءاتها القضائية المتبقية.

وفي هذا الخصوص، فقد أوصت اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والموازنة، "باعتماد هذه الإعانة لسد النقص المحتمل في حصة لبنان فقط، المترتب لصالح المحكمة".

وبالرغم من أن الإعانة المذكورة أعلاه قد ساهمت، إلى حدٍّ ما، في معالجة جزء من الصعوبات التي تواجهها المحكمة الخاصة بلبنان، إلّا أنها لم تحلّ المشكلة المالية برمتها. وللأسف، فإنّ معظم المساهمات الطوعية التي توقّعتها المحكمة لتمويل موازنتها، والمذكورة في طلب الإعانة الذي تقدمتم به، لم تتحقق. (المرجع: تقرير الأمين العام المؤرّخ في 19 شباط 2021، الفقرة 50)، كما ونود الإشارة إلى أنّه حتى "النقص المتوقع في المساهمات الطوعية من المانحين الآخرين"، والذي سعيتم إلى توفيره من خلال الإعانة، لا يزال بدون تغطية مالية. (المرجع: تقرير اللجنة الاستشارية المؤرّخ في 19 آذار/ مارس 2021، الفقرة 21). ولهذا، فإن المحكمة تواجه تحديات مالية جدّية قد تعيق قدرتها على مواصلة عملها، كما هو مخطط له، للعام الحالي 2021.

إنّ مثل هذا الأمر له تبعات خطيرة للغاية، ولن تقتصر تداعياته فقط على لبنان وضحايا الهجوم الهمجي والشائن على رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وعوائلهم، ناهيك عن القضايا الأخرى التي تقع ضمن صلاحية المحكمة، بل وأيضاً على قدرة المؤسسات القضائية الدولية في خدمة العدالة بشكل تام.

بالفعل، إنّ العواقب الأشدّ إيلاماً والمتأتية عن توقف عمل المحكمة الخاصة بلبنان، تكمن في انعكاس صورة لعدالة مجتزَأة وناقصة لدى جميع المطالبين بالعدالة، والأشخاص الذين يثقون في سيادة القانون ومنع الإفلات من العدالة كمقتضيات ضرورية ومتكاملة للعيش في سلام وأمن ووئام.

وفيما نعيد تأكيد التزامنا الثابت تجاه المحكمة، فإننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن هذه الصعوبات المالية يجب ألّا تعرقل إنجاز عملها حتى النهاية. كما وآمل بشدّة أن تستمر اللجنة الإدارية للمحكمة الخاصة بلبنان و"مجموعة الدول المهتمة" التي تشارك لبنان المبادئ التأسيسية للمحكمة، في تزويدها بالدعم الذي هي بأشدّ الحاجة إليه في مثل هذا الوقت الحرج من تاريخها ولأداء مسؤوليتها كاملة.

وبالنظر للتحديات التي تواجه المحكمة الخاصة بلبنان، ومع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة التي يعاني منها لبنان، والتي انعكست في تقريركم المؤرّخ في 19 شباط/ فبراير 2021، فإن حكومة لبنان ستكون ممتنة لسيادتكم لاستكشاف الوسائل المختلفة والبديلة لتمويل المحكمة، بشكل عاجل مع مجلس الأمن والدول الأعضاء، لمساعدتها في إنجاز مهمتها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1757 (2007)، والإتفاقية ذات الصلة بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء المحكمة الملحقة به، ومتابعة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة A/Res/75/253B المؤرّخ في 16 نيسان/ أبريل 2021.

أرجو أن تتقبل، السيد الأمين العام، فائق تقديري وامتناني".

وقد تابع دياب هذا الموضوع من خلال اجتماعه الافتراضي بعد ظهر أمس برئيسة المحكمة القاضية ​إيفانا هردليشكوڤا​، وبحضور المسجّل لدى المحكمة السيد ديڤيد تولبرت ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية السفير جبران صوفان. ولكن من دون التوصل إلى أي نتيجة.

أهالي الضحايا

هذا الأمر دفع عائلات شهداء الاعتداءات الارهابية في قضايا اغتيال جورج حاوي ومحاولتي اغتيال مروان حماده والياس المر التي تنظر فيها المحكمة الخاصة بلبنان، إلى عقد مؤتمر صحافي في نقابة الصحافة تحدثوا فيه عن التطورات الاخيرة التي طرأت على المحاكمات، في ما يخص هذه القضايا المتلازمة لدى المحكمة الخاصة والمتهم فيها سليم عياش المنتمي إلى "حزب الله"، والذي حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد بعد إدانته بجريمة اغتيال الرئيس الحريري.

نارا حاوي

وأكدت نارا جورج حاوي ان "مبدأ المساواة بين الشهداء والضحايا يحتم التعامل مع قضيتنا كما تم التعامل في قضية الشهيد رفيق الحريري". وقالت: "من الذل ان ينشئ المجتمع الدولي محكمة وفجأة يتخلى عنها عند نظرها في قضايا اخرى غير قضية الحريري"، وسألت: "أليس المجتمع الدولي هو المسؤول عن سوء ادارة المحكمة؟ أليست الدول النافذة هي من تعين رئيس القلم والقضاة والمدعي العام ورئيس مكتب الدفاع؟ لماذا تحملون الضحايا نتائج خياراتكم الخاطئة وسوء رقابتكم على عمل المحكمة؟ وأوضحت: "طلبنا من الامين العام للامم المتحدة اعفاء لبنان من مساهمته بسبب الوضع الاقتصادي، وباللجوء الى تمويل حصة لبنان عبر سلفة تقررها الجمعية العمومية للامم المتحدة". وقالت: "نعم، طلبنا اعفاء لبنان من مساهمته لكونه البلد الوحيد الذي يساهم في تمويل محكمة دولية خاصة به وتجاوب الامين العام مشكوراً، لكن السلفة التي اقرت كانت رمزية ولم تكن كافية، كما انه لم يتم اعفاء الدولة اللبنانية، والظاهر ان الدولة عاجزة ديبلوماسياً عن حل هذه المعضلة، اضافة الى عدم اكتراثها بقضايا شهدائنا".

وأعلنت ان عائلة الشهيد حاوي "ستحمّل كل من يثبت تورطه في عرقلة سير العدالة المسؤولية في قضية اغتياله"، واذا اقفلت المحكمة "ستقاضي كل مسؤول في المحكمة او في الامم المتحدة تسبّب في تأخير النظر في قضيتنا.. وكل مسؤول تسبّب لنا بوقف المحاكمة فيها.. وكل مسؤول في المحكمة سلب اختصاص المحاكم اللبنانية وحرمنا العدالة مدى 16 عاماً".

ودعت الغرفة الثانية الى ان تبدأ بالمحاكمة في 16 حزيران 2021، وأكدت ان "حرمان الضحايا المحاكمة لن يمر مرور الكرام ولتتحمل الدولة مسؤوليتها وتقوم بواجباتها حيال قضيتنا".

بو كروم

أما ارملة الشهيد غازي بو كروم هاليا بو كروم فاعتبرت أن المحكمة "هي أملنا الوحيد بالعدالة لأنه، للأسف، لم تكشف المحاكم اللبنانية حقيقة الكثير من جرائم الاغتيال، والتي جعلت من المجتمع اللبناني ضحية للرعب والموت والترهيب. لم تكشف المحاكم المحلية حقيقة جريمة المرفأ، ولن نستطيع كشف من قتل شهداءنا: الزوج والاب غازي، المناضل جورج حاوي، السيد خالد مورا، ومن حاول اغتيال الاستاذ مروان حماده والياس المر، وسبب عشرات الضحايا". واعتبرت أن توقف المحكمة عن النظر في الدعوى المتعلقة بالهجوم على حماده وحاوي والمر "هو اغتيال ثان لنا ولشهدائنا، هو قتل لأملنا في العدالة والمساءلة من أجلنا ومن أجل شهداء الوطن، هو تدمير لآمال أطفال الشهداء بمستقبل يقوم على الأمان من الاغتيال والارهاب عبر حكم القانون والعدالة". ورفضت أن تتوقف المحكمة "عن النظر في قضيتنا" وطالبت المجتمع الدولي والدول المانحة "بعدم التخلي عنا وعن ضحايا لبنان، وعن دعم المحكمة الخاصة بلبنان لكي تنهي النظر في دعوى شهدائنا وجرحانا الواقعة تحت اختصاصها.

وقالت: "ان وقف عمل المحكمة الخاصة بلبنان قبل اتمام مهماتها هو اغتيال ثان لنا، وهو رسالة لكف الامل في لبنان العدالة والانصاف لدى المجتمع المدني".

كلمة عائلة مورا

وأكد المصاب اسامة عبد الصمد، باسم عائلة الشهيد خالد مورا ان "تمسكنا بالمطالبة بالعدالة لا ينطلق من البعد العاطفي والوجداني ومن ضرورة إنصاف استشهاد زوج وأب ومدرس ورجل فكر سقط يوماً ضحية الإرهاب فحسب، بل أيضاً من ضرورة إنصاف الشعب اللبناني الذي يعاني كل يوم مآسي ونتائج غياب المحاسبة على المستويات كافة، وان نضالنا من أجل الحقيقة يندرج ويصب أيضاً في مسيرة حماية لبنان واللبنانيين من استمرار دوامة العنف".

وتابع: "اليوم وعلى الرغم من اعلان المحكمة الخاصة بلبنان اختصاصها للنظر في هذه القضية، فإننا نواجه خطر توقف المحاكمة بفعل النقص في تمويل المحكمة، وبالتالي نناشد مناشدة صاحب الحق الموجوع ليس رحمة لذكرى الضحايا فحسب، بل أيضاً رأفة بحق الشعب اللبناني في العدالة، أن تقوم الدولة بكل سلطاتها بحض الدول المانحة على توفير التمويل اللازم لاستمرار المحكمة حتى خواتيمها، وإننا إذ نتفهم، على رغم وجعنا، عدم قدرة الدولة على المساهمة في تمويلها، إلا أنه يصعب علينا ان نتقبل ان تمتنع السلطات اللبنانية عن القيام بكل الاتصالات مع الدول والجهات المانحة، في سبيل توفير الأموال اللازمة لمتابعة المحاكمة".

ورأى ان "أسوأ ما يمكن ان يحصل لمواطن لبناني ليس فقط ان تتوقف المحاكمة بسبب غياب التمويل، بل أن تبقى السلطات الرسمية اللبنانية مكتوفة أمام هذا الأمر، فلا ينطفئ الوجع ولا تتحقق العدالة". وتوجه الى جميع الدول والمنظمات والمؤسسات المانحة، وخصوصاص الى حضرة الامين العام للأمم المتحدة "كي يبذلوا كل الجهود لتمويل المحكمة الخاصة بلبنان بغية صون الحقوق وتحقيق العدالة، تحاشياً لايجاد سابقة خطيرة عبر التفلت من العقاب وتكريس عدم إحقاق الحق في وجه إرهاب لا ينبغي التغاضي عنه".


MISS 3