حجم العائلة يؤثّر على مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية؟

02 : 00

وفق منظمة الصحة العالمية، تُعتبر أمراض القلب والأوعية الدموية أول سبب للوفاة عالمياً.

من المعروف أن معطيات التاريخ العائلي والعادات المرتبطة بأسلوب الحياة، مثل التدخين والحمية الغذائية غير الصحية، هي جزء من عوامل الخطر المُسبّبة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك مرض القلب التاجي والجلطات الدماغية.

بالإضافة إلى التاريخ العائلي الذي يتأثر بشكلٍ أساسي بالقابلية الوراثية، تبرز أدلة مفادها أن بنية العائلة، لا سيما ترتيب الولادة، لا حجم العائلة، قد تؤثر على مخاطر الوفاة المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

لكن تَقِلّ الدراسات التي حللت تأثير بنية العائلة على الحوادث القلبية غير المميتة.

لفهم أثر هذه البنية على مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية بطريقة شاملة، ثمة حاجة إلى مراعاة الحوادث القلبية المميتة وغير المميتة في آن.

شملت دراسة كبيرة ومبنية على المراقبة مشاركين تتراوح أعمارهم بين 30 و58 عاماً في بداية البحث، وقد كشفت أن عدد الأشقاء وترتيب الولادة قد يؤثران على مخاطر الحوادث القلبية والوعائية الإجمالية خلال فترة المتابعة التي امتدت على 25 سنة.

جرت هذه الدراسة تحت إشراف فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور بيتر نيلسون من جامعة "لوند" في السويد، ونُشرت نتائجها في "المجلة البريطانية الطبية".

رابط بين بنية العائلة وأمراض القلب؟

للحصول على معلومات وافية حول بنية العائلة، لجأ الباحثون إلى "سجل الأجيال السويدية المتعددة". شمل ذلك السجل بيانات حول الآباء والأمهات البيولوجيين لأكثر من 95% من السكان الذين وُلدوا بعد العام 1931 وبقيوا على قيد الحياة في العام 1961، ما يعني أنهم استفادوا من قاعدة بيانات كبيرة على نحو استثنائي.

شملت الدراسـة بيانات مليون و36 ألف رجل ومليون و32 ألف امرأة بين عمر الثلاثين والثمانية والخمسين في العام 1990. قاس العلماء خطر الإصابة بأمراض قلبية مميتة وغير مميتة، فضلاً عن مجموع الوفيات وسط هؤلاء الأفراد، عبر استعمال بيانات مأخوذة من سجلات الوفاة والخروج من المستشفى بين العاميـن 1990 و2015.

تتعدد العوامل التي تؤثر على مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل المكانة الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى التعليم، والحالة الاجتماعية، ومشاكل طبية مثل السكري.

عدّل فريق البحث تحليله لمراعاة انعكاسات هذه المتغيرات وعزل تأثير بنية العائلة على الحوادث القلبية والوعائية.

تأثير بنية العائلة

في ما يخص حجم العائلة، بدا الرجال والنساء أقل عرضة للوفاة إذا كان لديهم أكثر من شقيق واحد مقارنةً بمن ليس لديه أي أشقاء. وتراجع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى الرجال إذا كان لديهم شقيق واحد أو شقيقان مقارنةً بمن ليس لديه أشقاء، وسجّل من لديه أربعة أشقاء وما فوق أعلى نسبة خطر. كذلك، بدا الرجال أكثر عرضة للمشاكل في الشريان التاجي إذا كان لديهم ثلاثة أشقاء وما فوق مقارنةً بمن ليس لديه أشقاء.

في المقابل، ارتفع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى المرأة إذا كان لديها ثلاثة أشقاء على الأقل مقارنةً بالمرأة التي ليس لديها أشقاء. وزاد احتمال نشوء مشاكل في الشريان التاجي إذا كان لديها شقيقان أو أكثر.

في ما يخص ترتيب الولادة، تراجع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل الشريان التاجي لدى الأولاد البكر مقارنةً بمن يولدون لاحقاً. في الوقت نفسه، كان الأولاد البكر أكثر عرضة للوفاة من الأشقاء الذين يولدون لاحقاً.

لم يشارك الدكتور راندولف مارتن، أستاذ فخري في طب القلب في جامعة "إيموري" للرعاية الصحية في أتلانتا، في البحث الأخير. هو يعتبر الدراسة التي تشمل أكثر من 2.6 مليون مواطن سويدي وُلدوا بين العامين 1932 و1960 كبيرة، لكنها تبقى مبنية على مراقبة المشاركين وهي تكشف بكل بساطة ترابط هذه العوامل من دون إثبات أي علاقة سببية بينها.

يوضح مارتن: "إنها ضوابط كبرى في جميع الأبحاث نظراً إلى غياب أي بيانات حول عوامل أخرى مثل مؤشر كتلة الجسم، وتاريخ التدخين، وطبيعة الحمية الغذائية، وعادات الرياضة. نحن نملك إذاً بيانات محدودة حول هؤلاء الأفراد في المجالات المرتبطة بمخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك الوزن الزائد، والتدخين، وسوء الحمية، والامتناع عن ممارسة النشاطات الجسدية بانتظام، وعوامل عصيبة اجتماعية واقتصادية أخرى. كذلك، لا نملك معلومات كثيرة حول الأشقاء المتوفين في العائلة وترتيبهم. كانت هذه المعلومات لتمنحنا معطيات إضافية حول عوامل الخطر السائدة في العائلة الواحدة. يتعلق عائق آخر في البيانات التي نملكها بولادة جميع المشاركين بين العامين 1932 و1960. زاد الوعي حول عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوقاية منها بطريقة جذرية خلال هذه الفترة الزمنية. قد لا يحمل المولودون في أواخر الخمسينات عوامل خطر مؤثرة بقدر المولودين خلال الثلاثينات مثلاً، إذ لم تكن مخاطر التدخين على الصحة معروفة على نطاق واسع خلال الثلاثينات والأربعينات".

برأي مارتن، يمكن استخلاص الاستنتاجات التالية من هذه الدراسة: أولاً، نحتاج إلى بيانات إضافية طبعاً. ثانياً، تؤكد الدراسة على ضرورة اكتساب عادات مفيدة لحماية صحة القلب والأوعية الدموية، بدءاً من الأبوين. كذلك، يعترف العلماء بضرورة إجراء أبحاث إضافية لفهم الروابط بين عدد الأشقاء وترتيب ولادتهم ووضعهم الصحي.


تداعيات على سياسة الصحة العامة


شملت الدراسة عدداً من نقاط القوة كونها ارتكزت على عيّنة كبيرة من المشاركين وبيانات شاملة حول بنية العائلة وسجلات المستشفيات، لكنها كانت محدودة على مستويات أخرى. يذكر الباحثون أن هذه الدراسة المبنية على مراقبة المشاركين ترصد بكل بساطة وجود رابط بين بنية العائلة وأمراض القلب والأوعية الدموية لكنها لا تقيم رابطاً سببياً بين العاملَين.

وبسبب قلة البيانات، عجز الباحثون عن مراعاة عوامل متغيرة مثل الإجراءات التشخيصية، والحالة الاجتماعية والاقتصادية للأبوين، والتدخين، والحمية الغذائية، وعوامل أخرى ترتبط بأسلوب الحياة وقد تؤثر على تحليلهم للمخاطر القلبية والوعائية.

وبما أن العوامل الاجتماعية ترتبط على الأرجح بتداعيات بنية العائلة على النتائج الصحية، بما في ذلك مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، قد تؤثر استنتاجات الدراسة على سياسة الصحة العامة.

جرت هذه الدراسة في السويد التي تتمتع بنظام متطور في مجال الرعاية الاجتماعية. يستنتج الباحثون أن هذا الموضوع يتعلق بالصحة العامة لأن الدول تدعم سياسات مختلفة لإعالة العائلات وعدد من الأولاد.

أخيراً، يظن العلماء أن الأبحاث المستقبلية يجب أن تحاول رصد الآليات البيولوجية أو الاجتماعية التي تربط بين المواليد البكر وتراجع مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية.