ريتا بولس شهوان

روّاد جونية لا يُريدون تغيير نمط حياتهم!

12 حزيران 2021

02 : 00

بانتظار أن تعود الحركة ناشطة

إنّ السياحة الداخلية في لبنان كجهاز تنفّسٍ اقتصاديّ للمواطن اللّبنانيّ المخنوق، والخارج من حجرٍ صحّيّ طالت مدّته بفعل خطر جائحة كورونا. وفي هذا الإطار، تتأمّل مدينة جونية خيراً مع بداية الموسم السياحي هذا العام. إذ تتحضّر هذه المدينة، وهي أحد أهمّ مقاصد السياح، بما تبقّى لها من طاقتها لاستقبالهم لعلّ الحركة الاقتصاديَّة تنشط في أسواقها، فتنتقل ارتداداتها من المطاعم والمقاهي إلى المحالّ التجارية التي أقفل أكثر من 50 منها بفعل الأزمة الاقتصاديَّة الَّتي ألقت بظلالها الثّقيلة على كلّ الحركة الاقتصاديَّة في لبنان.

في ظلّ هذه الظروف القاهرة، تدرس المقاهي سوقها بعناية لعلّها تجذب مَنْ تبقّى لديهم قدرة شرائية من الزبائن، لذلك فهي تُخرج من المخازن الموادّ وتُعيد كتابة ملاحق الأسعار التي لا تتبدّل بين يوم وآخر، ويحاول صاحب كلُّ محلّ أن يجتذب شريحة معينة. ومع ذلك، فإنّ عدد الزبائن الذين قابلتهم "نداء الوطن" يستهلكون طعاماً أقلّ عند زيارة المطعم إلا أنّهم يحافظون على وتيرة "الضّهرة" المعهودة؛ فـ"أنطوني" مثلًا لا يريد أن يغير نمط حياته؛ لأنّ عمله متعب ويحتاج إلى أن يُعدّل مزاجه. وهذا النموذج من روّاد الشارع يتكرّر غير أنَّ هناك فئةً أخرى تتأثَّر بأزمة البنزين التي تحجزها في منطقة إقامتها أي في جونية، فيرتاد أفرادها المحلّ الأقرب، ويقتصدون كلّ الشهر لصرف مئتي ألف ليرة ثمن الطّبق المفضّل الذي اعتادوه شهرياً.

وقد تقلَّصت هذه القدرة الشرائية لدى المواطن نتيجة عوامل متعدّدة من جائحة "كورونا" إلى الأزمة الاقتصادية الَّتي انعكست على حركة السّوق انعكاساً خانقاً أدّى إلى إقفال بعض المطاعم التي كانت تقدّم برامج غنائية في نهاية كلّ أسبوع إقفالاً تامّاً، إذ يُخبرنا "جان جمّال" أنَّ مطعمه أقفل أبوابه نهائياً منذ ثورة 17 تشرين الأوَّل، أمّا "حبيب واكيم" زميله في شارع الـATCL فكان أن أعاد المشكلة إلى سببٍ آخر يتمثّل في التّجّار ومهاتراتهم التي كادت أن تخسّره مدّخراته التي يسعى بعد الإقفال إلى التعويض عنها بتأجير محلّه لمالك جديد، غير أنَّ العقدة تكمن في التسعيرة التي سيعتمدها من سيستثمر المحلّ. ويشترك "بول عقيقي" مالك محلّ سابق في شارع جونية الأثري معه في التّفكير من ناحية أسباب الإقفال إلّا أنّه وجد طريقة أخرى لتعويض خسارته ألا وهي الانتقال إلى البترون ضمن مشروع موسّع؛ لأنَّ توجّه زبائن جونية الأثريَّة نحو المقاهي أكثر منه نحو المطاعم، إضافة إلى اعتراضه على سياسة إدارة الشارع والتضييق على أصحاب المحلّات.


وبموازاة حركة الإقفال هذه، ثمَّة حركة لإعادة فتح الأبواب كمطعم السنيور الذي لديه فرعان في نطاق جونية، أحدهما يستقطب طلاب الجامعات، وهو ما زال مغلقاً بسبب توقّف الجامعات عن استقبال طلابها حضورياً، أمّا الثاني المطلّ على البحر فقد بدأ حملةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليُعيد "مدّ الإجر" إلى المحلّ. إذاً، تشهد منطقة جونية حركة إقفال وإغلاق للمطاعم والمقاهي، وإعادة تجديد المبدأ كلّه؛ إذ يرى المالك أنه من خلال هذا التَّجديد أو التَّبديل يجذب زبائن وسيّاحاً جدداً. وتشير المعلومات إلى أن المطاعم التي أقفلت حتّى الوقت الرّاهن في الكسليك وجونية لا تعاني كلُّها مشاكل اقتصادية، بل إنّ السبب الأساسي لذلك يُعزى إلى تغيّر كلفة الإيجار الَّتي يفرضها مالك المحلّ ليجد المستأجر أنّ التسعيرة الجديدة باتت مرتفعة نسبة إلى أرباحه الآخذة في التّقلّص. وقد ترافق هذا التّبدّل مع توقّف بعض المطاعم الَّتي تستمرّ في عملها عن تقديم بعض المأكولات أو الكفّ عن بعض العروضات أو خدمة الـ "زوماتو"؛ لأنَّها "ما بتوفّي" مع صاحب المطعم.


وفي هذه الظروف، امتنع الجميع عن تقديم حفلات وبرامج موسيقية، وبات يركّز على الاستمرارية بمنطق "يومك يومك" مع إدخال عناصر جديدة إلى الخدمة، كما فعل صاحب مطعم في شارع جونية الأثري "غبريال نجم" الذي انتقل من مقهى يقدّم المشروبات إلى مطعم متخصّص بطبقٍ غير أنه يُخبر أنه عانى كثيراً للحصول على رخصة مطعم بسبب الروتين الإداري في وزارة السياحة. ويشرح نجم الصعوبات التي ترافقه في مسيرته، فيُشير إلى اختلاف الأسعار بين الكحول المستوردة والكحول المحلّيّة المنخفضة أسعارها نوعاً ما والمناسبة للمواطنين ذوي القدرة الشرائية المحدودة لافتاً إلى أنَّه لا يمكن غشّ السّيّاح غير اللّبنانيّين بالأسعار؛ فهم يعرفون أحوال السوق السوداء أكثر من اللبنانيين أنفسهم! وبحسب نجم أتعبت جائحة كورونا القطاع لأنّ الدولة لم تكن تدرك ماذا تفعل، في ظلّ امتثالٍ للإجراءات الاحترازية في المنطقة. وللمفارقة، فكما يتّكل بعض أصحاب المطاعم في جونية على رأس مالهم، هناك من يتّكئ على سمعته وحدها في زمن الانهيار لاجتذاب الزّبائن كصاحب محلّ "شي زخيا" لبيع الأسماك شاكياً من تقلُّب أسعار التجّار غير المنضبطة التي تختلف بين ليلة وضحاها من غير أن يقدر على الموازنة - وفق سعر الدّولار المتبدّل بجنونٍ - بين سعر ما يشتريه ولوائح أسعاره للمأكولات الَّتي يبيعها مطالباً وزارة الاقتصاد التدخُّل والمتابعة الفعليَّة.

ويستغرب بعض روّاد الحانات لِمَ لا يحذو شارع جونية حذو شوارع جبيل والبترون بالنسبة إلى ساعة الإقفال، إلا أنَّ المسؤول عن اللّجنة السياحية في البلديّة "سامي برجي" يشرح موضحاً السّبب بأن َّالحانات يُحيطها سكّان. ومع ذلك تسهّل البلدية الاستثمارات في المقاهي للجيل الجديد بعدم تعقيدها من دون التشدّد معها؛ لأنّ الأزمة خانقة في الأساس. وبحسب مشاهداته، فما زالت الحركة خفيفة وإن كان يأمل تسارع وتيرتها في بداية الموسم، غير أنّه وعلى الرغم من تفاؤله يحافظ على واقعيّته متحدّثًا عن أنَّ بعض المواطنين غير قادرين على دفع رسوم البلديّة وإن كانت ضئيلة جداً، مشيراً إلى أنَّ بلدية جونية مازالت - على الرّغم من التّضييق الَّذي فرضته ظروف كورونا على النشاطات التي قد تجذب الحركة الى المدينة - هي البلديّة الوحيدة في لبنان التي تدفع معاشات الموظفين كاملةً.

ويربط رئيس لجنة تجّار جونية وكسروان "سامي عيراني" بين الانتعاش الخفيف لحركة المطاعم في بداية الموسم السياحي الحالي وتعطّش المواطنين إلى الترويح عن أنفسهم بحركة التجارة في المحلّات التجارية؛ إذ إنّ هذه الحركة، على حدّ تعبيره، تُحفّز المواطنين للإقبال على المحالّ التجارية في جونية والكسليك بعد أن لفَّها شبح الإقفال مدَّةً طويلةً، غير أنَّ الانتعاش البطيء أصاب المحالّ التي تبيع بأسعار مقبولة، وليس محلّات العلامات التجارية المعروفة التي تتكل على الاستيراد والَّتي هجرت في الأصل تلك المنطقة. لذلك، فإنَّ المحلّات المستمرة اليوم في عملها هي تلك التي تعتمد على ما خزّنته سابقاً أو على ما تستورده من البضائع ذات النوعية الجيّدة، ولكن بأسعار معقولة من الصين أو تركيا، أو تلك الَّتي تلجأ إلى المنتوجات اللّبنانية التي تضاهي البضائع المستوردة. ويلفت "عيراني" إلى أنَّ الدولة لم تسامح التاجر مادّيًاً إلّا أنَّها أجّلت بعض استحقاقات الدّفع. ولذا، يرى بصيص أمل بالنّسبة إلى جونية من زاوية الاتّكال على الملابس والأحذية المصنّعة محلّياً وخصوصاً أنّ زبائن العلامات التجارية تقلّص عددهم، وصاروا يتوجّهون أصلاً إلى الأسواق التّجاريّة المتوسّطة.