نيري زيلبر

أتباع نتنياهو السابقون أطاحوا بـ"الملك بيبي"

14 حزيران 2021

المصدر: New Lines Magazine

02 : 00

يواجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول عهداً في تاريخ إسرائيل، احتمال انتهاء حُكمه القائم منذ 12 سنة، لكنه قرر أن يجرّب مساراً مبتذلاً للتمسك بالسلطة. فطرح نظريات مؤامرة حول "الدولة العميقة" التي تسيطر على الائتلاف الحكومي المرتقب، وانتقد مواقع التواصل الاجتماعي العملاقة مثل فيسبوك لأنها فرضت الرقابة على مناصريه، وهاجم الصحافة الليبرالية على اعتبار أنها معادية له، وسخر من المزاعم القائلة إنه يحرّض على العنف خلال العملية الانتقالية الشائكة.

إضطر نتنياهو بعد فشله في الاستحقاقات الانتخابية لتحويل أصدقائه القدامى إلى أعدائه تزامناً مع محاولة جعل أعدائه القدامى أصدقاءه الجدد. الوضع سيئ لهذه الدرجة.

إستهدفت حملاته الهجومية اللاذعة رئيس الوزراء المحتمل نفتالي بينيت وموالين سابقين لمعسكر اليمين أصبحوا اليوم بصدد التعاون مع الأطراف اليسارية والوسطية (أو حتى الحزب الإسلامي) بهدف إسقاطه من السلطة.

أعلن نتنياهو ما يلي: "اليميني لا يصوّت لصالح حكومة يسارية. وإذا صوّت لهذه الحكومة، فلن يكون يمينياً".

ستكشف السجلات التاريخية أن زعيم المعارضة الوسطي، يائير لبيد، هو مهندس التحالف غير المتوقع الذي أطاح بـ"الملك بيبي"، لكنّ أتباع نتنياهو السابقين في معسكر اليمين هم من أطلقوا عليه رصاصة الرحمة.

على مر أربعة انتخابات غير جازمة في آخر سنتين، ومع اقتراب استحقاق انتخابي خامس، انقلب عدد كبير من الحلفاء اليمينيين ضد رئيس الوزراء. لا يتعلق هذا الموقف بوجود خلافات سياسية بقدر ما ينجم عن زيادة المخاوف من الانقسامـــات المتزايـــــــدة التي يُسببها عهد نتنياهو.

في الأســـبوع الماضي، حذر بينيت مما يحصل قائلاً إن نتنياهو يريد التعامل مع البلد كله وكأنه قلعته الخاصة. لذا حان الوقت برأيه لإيقاف هذا الجنون وتحمّل المسؤولية. كان بينيت آخر منشق يميني ينقلب على نتنياهو، ففتح المجال بذلك أمام نشوء ائتلاف حكومي بديل يوم الأحد 13 حزيران.

لكن كان أفيغدور ليبرمان أول منشق حقيقي عن خط نتنياهو، وهو من كبار المساعدين السابقين في مكتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في عهد نتنياهو. تخلى ليبرمان عن نتنياهو بعد انتخابات نيسان 2019، وهي الأولى من أصل أربع جولات لاحقة، واتخذ هذه الخطوة بعد بداية الوضع "الجنوني".

كان المنشق التالي أقرب إلى معسكر نتنياهو وعضو في حزب "الليكود". في كانون الأول الماضي، قبيل آخر انتخابات شهدها البلد، انشق المسؤول البارز في الحزب، جدعون ساعر، لإنشاء حزبه اليميني الخاص وقد سمّاه عن قصد حزب "الأمل الجديد". أخذ ساعر معه مشرّعين آخرين من حزب "الليكود".

في ظل هذا الوضع، اضطر نتنياهو للجوء إلى حزب إسلامي صغير اسمه "القائمة العربية الموحدة". تخلى هذا الحزب عن المواقف التقليدية الشائعة منذ عقود وعبّر عن استعداده للمشاركة في ائتلاف سياسي إسرائيلي. كان الحزب يطالب بتحسين الميزانية والبنى التحتية المخصصة للمواطنين العرب في إسرائيل (حوالى 20% من سكان البلد)، لكنه لم يطالب بأي تغيرات جذرية في المواقف الدبلوماسية أو السياسة الخارجية.

كان هذا الموقف ثورياً بالنسبة إلى حزب سياسي عربي إسرائيلي. لكن يبقى موقف نتنياهو استثنائياً بالقدر نفسه لأنه كان يعتبر أعضاء "القائمة العربية الموحدة" "داعمين للإرهاب" ونسخة من "الإخوان المسلمين" قبل أسابيع قليلة.

لكن ظهر العائق الحقيقي أمام نشوء حكومة مماثلة في معسكر اليمين الذي ينتمي إليه نتنياهو، وتحديداً اليمين المتطرف: إنه حزب "الصهيونية الدينية" الذي يضمّ مستوطنين متطرفين وفصائل متديّنة ومتشددة، بما في ذلك جماعة فاشية ترتبط روحياً بالحاخام الراحل مئير كهانا الذي أُقصي من المشهد السياسي في أواخر الثمانينات بسبب عنصريته ضد العرب.

عمد نتنياهو شخصياً إلى هندسة الحزب لزيادة حصة الأصوات التي يحصدها معسكر اليمين لأقصى درجة، ما يعني ضمان صموده السياسي أيضاً. خلال الحملات الانتخابية، دعا نتنياهو الناخبين إلى الاختيار بين "الليكود" و"الصهيونية الدينية". لكن رغم هذه التطورات كلها، رفض الحزب مناشدات نتنياهو الذي طالب بتقبّل دعم حزب عربي عند تشكيل الحكومة.

أعلن بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب "الصهيونية الدينية" ووزير النقل السابق في حكومة نتنياهو، أنه لن يشارك في "عملية انتحار معسكر اليمين ودولة إسرائيل من خلال تأييد حكومة تتكل على جهة تدعم الإرهاب وتعادي الصهيونية وتجعلنا جميعاً رهينة لديها".

ذكر سموتريتش أيضاً أن هذا النوع من الانتهازية العابرة سيترافق مع عواقب كارثية على المدى الطويل: بعبارة أخرى، لن يكون مصير نتنياهو الوشيك أهم من إبقاء الأحزاب العربية الإسرائيلية تحت السيطرة والتمسك بتفوّق اليمين القائم منذ عقود على اليسار الوسطي في البرلمان.

أدى اعتراض حزب "الصهيونية الدينية" على نشوء حكومة يرأسها نتنياهو ويدعمها العرب إلى ظهور فرصة كبرى اقتنصتها المعارضة بكل سرور. كان أي اتفاق حكومي مرتقب بين "القائمة العربية الموحدة" والحكومة المقبلة ليرتكز بشكلٍ شبه كامل على وعود أطلقها نتنياهو. هكذا استفاد بينيت من خسارة نتنياهو.

رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل هو رئيس مكتب نتنياهو السابق وكان وزير الدفاع في عهده، وهو يرأس حزباً صغيراً ومؤيداً للاستيطان اسمه "يمينا". على غرار جميع السياسيين اليمينيين الآخرين (باستثناء ليبرمان)، أقسم بينيت يمين الولاء لنتنياهو على مر الانتخابات المتلاحقة، فكان وفياً له لدرجة أن يرفض أي بديل عنه في منصب رئاسة الحكومة.

كافأ نتنياهو بينيت على وفائه عبر استبعاده من حكومة عابرة تشكّلت في السنة الماضية، وهذا ما دفعه إلى الانتقال إلى معسكر المعارضة.

في تلك الفترة، نشر الحساب الرسمي لحزب "الليكود" على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً ساخراً، فكتب: "إنها نهاية حقبة بينيت"! لكن استرجع بينيت على مر السنة الماضية مكانته العامة عبر مهاجمة حكومة نتنياهو على خلفية تعاملها مع التداعيات الصحية والاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا. حاول بينيت تحسين صورته المتشددة قائلاً: "إذا لم يشمل الحل معيشة الناس، فلا أهمية له".

حصد بينيت سبعة مقاعد فقط. لكن في النظام البرلماني الإسرائيلي المعقد، كان هذا العدد كافياً لمنحه مكانة "صانع الملوك" من خلال عقد اتفاق على تقاسم السلطة مع يائير لبيد الذي سيكون رئيس الوزراء خلال أول سنتين من عهد الحكومة الجديدة. ثم سينتقل لبيد من وزارة الخارجية لاستلام هذا المنصب بالتناوب.

يملك لبيد وبينيت حق نقض متبادل في أي قرارات تصدر عن الائتلاف المتنوع الذي يتألف من أحزاب يسارية مؤيدة للسلام (حزبا "العمل" و"ميرتس")، وحزب "القائمة العربية الموحدة" الإسلامي، وفصائل وسطية ("يش عتيد" بقيادة لبيد، و"كاحول لافان" برئاسة وزير الدفاع بيني غانتز)، وفصائل يمينية متطرفة ("إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان، و"الأمل الجديد" بقيادة ساعر، و"يمينا" بقيادة بينيت).

أعلن بينيت في الأسبوع الماضي: "لن يُطلَب من أي طرف أن يتخلى عن إيديولوجيته، لكن سيضطر الجميع لتأجيل جزءٍ من أحلامهم. سنُركّز على ما يمكن تحقيقه بدل التجادل حول أهداف مستحيلة".

من المتوقع أن تشمل البنود التي حصدت إجماعاً بين مختلف الأطراف مجالات الاقتصاد، والصحة، والتعليـم، والبنية التحتيــة. وحتى الملفات الشائكة في مجال السياسة الخارجية، مثل إيـران، لن تُسبب انقسامات غير ضرورية.

ثمة إجماع واسع في الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بقيادة بينيت ولبيد وغانتز، حول اعتبار العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، بالشكل الذي تُخطط له إدارة بايدن، أسوأ خيار على الإطلاق. وعلى غرار نهج نتنياهو، تنوي إسرائيل متابعة الاعتراض على هذه الخطوة تزامناً مع الضغط نحو تحسين الاتفاق أو التخلي عنه والتمسك بالعقوبات ضد طهران.

لكن أجمع المسؤولون الإسرائيليون الثلاثة أيضاً على الأضرار التي سببتها تصريحات نتنياهو الصدامية في هذا الملف وانعكاساتها السلبية على العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لذا تبرز الحاجة إلى تليين المواقف وحل المشاكل وراء الأبواب المغلقة.

في مقابلة مع "القناة 12" الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، تكلم بينيت عن السنوات التي أمضاها في الولايات المتحدة كمتعهد تقني، فقال إن مقاربته كانت ترتكز على "الصدق... أي التكلم بطريقة مباشرة وقول الحقيقة". أضاف بينيت: "يجب أن نحاول تحديد نقاط الاختلاف والسيطرة على الوضع، لكنّ نقاطنا المشتركة مع الولايات المتحدة تفوق اختلافاتنا". لكن سيكون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءاً من الخلافات المستمرة مع الولايات المتحدة وداخل الحكومة المقبلة أيضاً.

طوال سنوات كان بينيت، الزعيم الاستيطاني السابق، يضغط باتجاه ضمّ معظم أراضي الضفة الغربية قبل أن يتبنى نتنياهو هذا النهج. وكان ساعر من جهته أكثر تطرفاً من رئيس الوزراء المنتهية ولايته في هذه المسألة. لن تتمكن الحكومة الجديدة من تنفيذ رؤيتها اليمينية، لكنها لن تحصل أيضاً على الفسحة السياسية اللازمة لتفكيك المستوطنات تمهيداً لعقد اتفاق مبني على حل الدولتين.

صرّح عيساوي فريج، الوزير العربي الإسرائيلي المقبل من حزب "ميرتس" اليساري، لإذاعة الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي: "هدف هذه الحكومة هو الحفاظ على الوضع الراهن. لا أتوقع نشوء دولة فلسطينية وانتشار الاحتفالات في الشوارع... لكن لن تستفحل عمليات الاستيطان أيضاً". ستكون مقاربة الحكومة الإسرائيلية الجديدة لتجاوز هذه التعقيدات وتلبية الحاجات السياسية المتضاربة لجميع مكوّناتها كفيلة بتحديد قدرتها على التمسك بالسلطة، واحتمال عودة بنيامين نتنياهو إلى المنصب الذي يعتبره حقاً له في هذا العالم.

في تعليق لصالح "قناة 20" الإسرائيلية في 6 حزيران، تكلم نتنياهو عن السياسيين الذين يستعدون لأخذ مكانه قائلاً: "إنه خليط قاتل من اللامسؤولية وقلة الكفاءة وجنون العظمة. يقال إن رئاسة الحكومة الإسرائيلية هي أصعب منصب في العالم. لكن إذا كنتَ رئيس وزراء من معسكر اليسار، لا مفر من أن يحتضنك الجميع".

من خلال هذا التصريح، أعطى "الملك بيبي" مغتصب العرش الجديد، وهو من أبرز الشخصيات السياسية اليمينية في إسرائيل المعاصرة، طابعاً يسارياً. قد يخدم هذا الموقف مصلحته الشخصية، لكنه يُذكّرنا أيضاً بأن نتنياهو باقٍ ولا يخطط للذهاب إلى أي مكان!


MISS 3