التجمّع الوطني اللبناني بعد اجتماعه بحضور المنسّق العام رضوان السيّد:

المحكمة الدولية على وشك الزوال ولا من يسأل... ووقف تمويلها قرار بإعدام الدولة

02 : 00

الإستخفاف بالدستور والمقايضة عليه من أسباب انهيار الدولة

عقد التجمع الوطني – وحدة بيروت، اجتماعه الدوري في حضور المنسق العام للتجمع الدكتور رضوان السيد والاعضاء. وأصدر بيانا انتقد فيه مسألة التخاذل في تأمين تمويل المحكمة الدولية التي لم تنشأ من أجل شخص الرئيس رفيق الحريري، وغمز من قناة الرئيس المكلف سعد الحريري والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى لجهة التهاون في مسألة هضم، ما سماه، حقوق السنة. وقد جاء في البيان:

“أولا – أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلغاء بدء المحاكمة في قضية سليم عياش الذي كان مقررا في 16 حزيران 2021، وفي قضايا محاولة اغتيال النائب المستقيل والوزير السابق مروان حمادة واغتيال جورج حاوي ومحاولة اغتيال الوزير السابق إلياس المر، وعلقت أيضا جميع القرارات المتعلقة بالمستندات المودعة حالياً أمامها، وبأيّ مستندات تودع مستقبلا وذلك حتى إشعار آخر. وجاء قرار غرفة الدرجة الأولى عقب إيداع رئيس قلم المحكمة مستنداً في 1 حزيران 2021، أبلغ فيه الغرفة بالوضع المالي الحاد الذي تواجهه المحكمة حاليا والذي سوف يؤثر في قدرتها على تمويل استمرار الإجراءات القضائية وإنجاز ولايتها، ما لم ترد مساهمات إضافية هذا الشهر.

كان هذا قراراً صادماً ومؤشراً خطيراً في الوقت نفسه. فالمحكمة الدولية التي صوت عليها مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 30 أيار عام 2007، وفق القرار 1757 للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005، وفي الجرائم اللاحقة المتعلقة بها، تعاني من شح التمويل الذي يغطي لبنان 49% منه، ويموَّل الباقي من مساهمات طوعية.

المفاجئ الآن، ليس شح التمويل فقط، بل مرور قرار تجميد أعمال المحكمة من دون أي رد فعل حقيقي في لبنان، ومن طرف السياديين خاصة، الذين كانوا مستهدفين حصرا بهذه الاغتيالات المتسلسلة التي روعت البلاد على مدى عقد، واعتقلت الحياة السياسية برهاب القتل والاغتيال.

إن ما دفع إلى اللجوء إلى العدالة الدولية آنذاك، هو الذي لا يزال لبنان يعاني منه حتى اللحظة. صحيح أن النظام السوري بأجهزته الأمنية والعسكرية كان يهيمن على مفاصل الدولة ومؤسساتها، بحيث لم يكن متاحاً إجراء تحقيق شفّاف أو نزيه في الجرائم السياسية، ولا إحقاق العدل بالقبض على المحرضين والمخططين والمنفذين، وإنزال العقوبات المنصوص عليها في القانون اللبناني. لكن الأمر لم يتغير حتى بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، إذ بقيت العدالة يتيمة لا حول لها ولا قوة، والقضاء مكبل، والتعيينات القضائية معطلة، وأبرز دليل الآن، هو اقتراب الذكرى السنوية لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب العام الماضي، ولا أمل في الأفق في إحقاق الحق وإنصاف المظلومين.

إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لم تُشكَّل من أجل شخص واحد هو رفيق الحريري. وهي لا تعني فقط فئة أو تياراً أو طائفة. بل هي مطلب عموم الشعب اللبناني، وحق الشهداء علينا، ومن أجل لبنان السيد الحر والمستقل عن أي وصاية، ولأن العدالة هي مكون أساسي من مكونات الدولة ذات السيادة، فلا دولة ذات سيادة وحريات بدون عدالة، أي بدون قانون يتناصف به المواطنون، وبدون مساواة بين المواطنين أمام القانون.

لذا، فإن وقف تمويل المحكمة الدولية، هو قرار ليس فقط بتشريع الجريمة واستباحة المعارضين والناشطين فقط، بل هو قرار بإعدام الدولة اللبنانية التي تنازع في الرمق الأخير.

ثانيا: انعقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في 12 حزيران الحالي برئاسة سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وفي حضور الرئيس المكلف سعد الحريري، فكان البيان منصباً على نقطتين أساسيتين هما: ما اعتبره البيان انتقاصاً من مقام رئيس الحكومة ومسّاً بصلاحياته الدستورية في التشكيل وفقاً للدستور واتفاق الطائف، في سياق متدهور غير مسبوق اقتصادياً واجتماعياً، وكذلك ما رآه البيان من تعاطي بعض المسؤولين بمزاجية تهضم حقوق البعض على حساب البعض الآخر، وهذا أمر تجلى في كثير من المرافق الرسمية عند إحالة بعض الموظفين على التقاعد، والمقصود به هضم حقوق أهل السنة في التعيينات الإدارية، والتي حدثت أخيرا في وزارة التربية تحديدا.

ومع أن البيان كان محقا بشكل عام في هاتين النقطتين، إلا أن مكمن الخلل أكبر من هذا وأجلّ. فهل الانتقاص من مقام رئاسة الحكومة والمس بالصلاحيات الدستورية، أمر ناشئ الآن، وهل بدأ هضم حقوق أهل السنة في الوظائف الرسمية في حكومة تصريف الأعمال، أم أنهما باتا من يوميات العهد منذ إقرار التسوية الرئاسية عام 2016، وبتسهيل من الرئيس المكلف العتيد وموافقة منه؟

أما الأخطر في بيان المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، فهو غياب الإشارة إلى أزمة تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في توقيت دقيق، مع ما يعني ذلك لجهة تضاؤل الاهتمام بالشأن الوطني العام، والعدالة هي من أسمى قضاياه ومعانيه، والتركيز بدلا من ذلك على قضايا فئوية خاصة تتعلق بوظائف ومناصب، مهما كانت مهمة في مجال تقاسم الوظائف بين الطوائف.

إن لبنان عامة وأهل السنة خاصة، أمام مفصل حاسم في تاريخ البلاد المعاصر. فالدولة التي كانوا من بناتها الأساسيين تنهار، ومن الأسباب المركزية لهذا الانهيار هو الاستخفاف بالدستور والمقايضة عليه وعلى سلطة الدولة وسلامة مؤسساتها لحسابات سياسية ضيقة. وها هي المحكمة الدولية على وشك الزوال، ولا من يسأل، عند السياديين، ولا من قيادات أهل السنة، المعنيين خاصة بإحقاق الحق، وهم الأكثر تضرراً من الاغتيال السياسي منذ تأسيس دولة لبنان.

إن غياب الإجماع السني على الأولويات الوطنية الكبرى، عن وعي القيادات وتصرفها على الأقل، يبعث على الأسى والغضب معا. لا بد من التغيير، لا بد من التغيير، باتجاه استعادة الوعي، واستعادة قوة التمثيل وصحته. ولا نامت أعين الجبناء والمتخاذلين والنائمين في العسل على حساب الوطن والدولة والعدالة والسيادة وعيش اللبنانيين”.