سامي نادر

عجز ميزان المدفوعات أولاً

23 أيلول 2019

10 : 20

بدأ لبنان الرسمي مسار إقرار موازنة 2020 وحسناً فعل وزير المالية حين قدّم الأسبوع الماضي مسوّدة موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية. وفي ذلك إشارة إيجابية في مرحلة توالت فيها الأنباء السلبية المتعلقة بالإقتصاد اللبناني، وأهمها ما صدر عن وكالات التصنيف الإئتماني من تقارير وتخفيضات بالإضافة طبعاً إلى إدراج مصرف "جمال تراست بنك" على لائحة العقوبات الاميركية، وكلها إشارات تساهم في زعزعة الثقة بلبنان، وتعيق الإستثمار وتدفق الأموال، وبالتالي تعمّق الأزمتين الإقتصادية والمالية الذي يرزح تحتهما البلد الصغير.

لا شك أن تقليص عجز الخزينة أصبح ومنذ إقرار "سيدر"، العنوان الأساس لإعداد الموازنة. ولكن ما لم يقله "سيدر" لم يتوانَ عن ذكره الناطق باسمه السيد دوكان، هو أن تقليص العجز في الحالة اللبنانية يفترض أن يأتي عبر حصر الإنفاق وليس عبر ضرائب إضافية تعمق الركود والبطالة وتدفع بالبلد نحو الإنفجار الاجتماعي. من هذا المنطلق جاءت مسودة موازنة الـ 2020، في مضمونها، مخيبة للآمال فالنفقات المرصودة لسنة 2020 تجاوزت نفقات 2019!

وإن وضعنا جانباً المقاربة الحسابية وغياب الرؤية الإقتصادية واللذين أصبحا سمتي الموازنات في لبنان، وعدنا إلى الأولويات إنطلاقاً من واقع الأمور على الأرض، لتبيّن أن الخطر الأول يكمن اليوم في عجز ميزان المدفوعات قبل أي شيء آخر. هذا هو النزيف الذي يرهق الإقتصاد اللبناني، وقد انعكس أزمة تمويل حقيقية أضحت القلق الأول لدى اللبناني وهاجس قطاع الإنتاج برمّته.

ولمعرفة كيفية مواجهة هذا الخطر الداهم، والجديد على لبنان (منذ 2011) الذي لطالما سجل فائضاً في عجز ميزان مدفوعاته رغم عجز ميزانه التجاري، لا بد من تعداد أسبابه. فهي تعود أولاً الى انهيار الإستثمارات الخارجية، وتراجع السياحة بشكل مطرد، وهبوط الصادرات بنحو 50% (مقارنة مع 2014)، وكلها مرتبطة بانكشاف لبنان على الصراع في الإقليم وانفصاله عن عمقه الإقتصادي في المنطقة العربية، أضف الى هذه الأسباب تراكم الفوائد على اليوروبوند. وأخيراً وليس آخراً عجز الكهرباء الذي يقارب الملياري دولار سنوياً والذي في معظمه مستحق بالعملة الأجنبية.

نقول هذا الكلام بعدما علا أكثر من صوت في الفترة الأخيرة محاولاً القفز فوق الأسباب المذكورة أعلاه، حاصراً عجز ميزان المدفوعات بعجز الميزان التجاري، وإنطلاقاً راح يروج لرفع التعرفات والحواجز الجمركية بهدف "حماية الصناعة الوطنية"، غائباً عن باله كيف سوف ينعكس ذلك على النمو والقدرة الشرائية للمواطن والأهم القدرة التنافسية للإقتصاد اللبناني ولكافة قطاعاته بما فيها الصناعة.

إن حماية الصناعة الوطنية تأتي عبر الإصلاحات التي تخفض كلفة الإنتاج (من إصلاح لقطاع الكهرباء والإتصالات وتبسيط المعاملات الإدارية عبر مكننتها، الخ)، وليس عبر رفع الحواجز الجمركية التي تعزل لبنان عن العالم لأنها تناقض في معظمها الإتفاقات الدولية المعقودة. وتعزيز الصادرات وضبط ميزان المدفوعات يمران حتماً بإعادة الحياة لخطة ماكينزي وربطها بموازنة 2020.

باختصار، وقف النزيف وعودة الدماء إلى الجسد اللبناني يقتضيان اليوم اكثر من أي وقت مضى تحييد البلد الصغير عن صراعات الإقليم. تحييد لبنان شرط ازدهاره. وهو اليوم خشبة خلاصه... الوحيدة.


MISS 3