جاد حداد

الكلب أفضل صديق لك... لكن هل يعالجك أيضاً؟

26 حزيران 2021

02 : 00

يتكل البشر على الكلاب لمرافقتهم وتسليتهم والاستفادة من حاسة شمّها القوية. يساعد الكلب الإنسان خلال الصيد، ويُسهّل عليه تعقب المجرمين ورصد الأسلحة أو المخدرات أو المتفجرات في المطارات. اليوم، يستكشف العلماء مدى قدرة الكلاب على شمّ الأمراض قبل أن يعرف الناس أنهم مصابون بها.

الروائح وحاسة الشم

تتفوق حاسة الشم لدى الكلاب على حاسة البشر بأشواط. يُخصّص دماغ الكلب موارد إضافية مثلاً لتحليل الروائح، ويشمل أنفه مستقبلات روائح أكثر من البشر بستين مرة (حوالى 300 مليون مقابل خمسة ملايين)، وتكون حاسة الشم لديه أكثر دقة بكثير. تقول الدكتورة صوفيا كو، خبيرة في الأمراض المعدية في معهد "دانا فاربر" للسرطان التابع لجامعة "هارفارد": "يكون أنف الكلب بالغ الدقة ويستطيع رصد الجزيئات في أجزاء من التريليون. أما البشر، فهم يرصدون الروائح في أجزاء من المليون".

نظرياً، يُفترض أن تكون الكلاب مناسبة لرصد الروائح التي تنتجها الجراثيم أو الخلايا البشرية المريضة. تنتج هذه الكائنات الحية والخلايا جزيئات فيها روائح مختلفة وسلسة تنبثق من النَفَس أو سوائل الجسم أو البشرة أو حركة الأمعاء. وحين تتبخر الجزيئات في الهواء، تصبح قابلة للاكتشاف.

في هذا السياق، يقول الدكتور بول نغوين، طبيب أورام في معهد "دانا فاربر" للسرطان: "نعرف أن بعض الجزيئات قد يرتبط بسرطان البروستات ثم يتسلل إلى البول. لذا يُفترض أن تتمكن تقنيات دقيقة بما يكفي من رصدها".

منافع اقتناء الكلاب

تترافق تجربة اقتناء الكلاب مع منافع صحية عدة. كشفت الدراسات تراجعاً في ضغط الدم ومستويات الضغط النفسي لدى أصحاب الكلاب، حتى أن هذه المجموعة من الناس تميل إلى تناول المأكولات الصحية وتنجح في خسارة الوزن أكثر من غيرها. يتعلق السبب جزئياً بتحرك الناس للتنزه مع الكلاب.

على صعيد آخر، تعطي الكلاب منافع كبرى على مستوى الصحة العاطفية بفضل رفقتها الممتعة وحبّها غير المشروط، فتساعد الناس على تجنب مشاعر الوحدة وتعطي معنى لحياتهم.


الكلاب تتعلم حِيَلاً جديدة


يدرس العلماء منذ عقود مدى قدرة الكلاب على رصد أنواع عدة من الأمراض بناءً على حاسة الشم الخارقة التي تتمتع بها هذه الحيوانات.

السرطان: خضعت الكلاب للدراسة لتقييم قدرتها على الكشف عن سرطان الرئة والجلد والثدي والمثانة، لكن لطالما كانت النتائج مختلطة. يستكشف العلماء اليوم مدى قدرة الكلاب على شمّ سرطان القولون والمستقيم والبروستات، وتبدو النتائج واعدة. يقول الدكتور نغوين: "كان جزء من الدراسات المرتبطة بسرطان البروستات مبهراً جداً وبلغت دقة الكلاب في رصد المرض 90% وما فوق".

الالتهابات: في بعض الدراسات الصغيرة، نجحت الكلاب بدرجة معينة في الكشف عن التهابات المسالك البولية لدى أشخاص من جميع الأعمار، والملاريا لدى الأولاد. كذلك، رصدت الكلاب عدوى المطثية العسيرة الخطيرة التي تُسبب الإسهال في دراسات عدة.

كذلك، تتعلق جهود أخرى مثيرة للاهتمام حول العالم اليوم بتحديد مدى قدرة الكلاب على شمّ فيروس "كوفيد-19" لدى البشر. في تجربة عشوائية صغيرة نشرتها مجلة "بي إم سي" للأمراض المعدية، استطاعت الكلاب أن تُميّز بدقة عالية بين عينات مأخوذة من أشخاص يحملون العدوى وآخرين غير مصابين بها: كشفت الكلاب حوالى 83% من الحالات الإيجابية و96% من الحالات السلبية. (قُتِل فيروس "كوفيد" في العينات التجريبية قبل أن تتعرض له الكلاب).

أمراض أخرى: تخضع الكلاب للتجارب أيضاً لتقييم قدرتها المحتملة على شمّ مرض الباركنسون والخدار (نوبات مفاجئة من النوم العميق). سبق وبدأ استعمال الكلاب لتنبيه مرضى السكري من ارتفاع مستويات السكر في دمهم أو انخفاضها. لكن يبقى استخدام الكلاب لهذه الغاية مثيراً للجدل بسبب عدم تنظيم القطاع وادعاءات مرتبطة بخداع بعض مدرّبي الكلاب.


إنـــــجـــــاز مـــــمـــــكـــــن؟


كانت الدراسات المرتبطة بكلاب الفحص الطبي واعدة، لكن يترافق استعمال الحيوانات خارج المختبرات مع عوائق كبرى.

في المقام الأول، يصعب الحصول على أدلة قوية حول دقة النتائج. تقول الدكتورة كو: "تتمتع الكلاب بقدرة هائلة على رصد روائح الأمراض، لكنها تحتاج إلى تدريب مكثّف للتمييز بين المرض وغياب الأمراض. كذلك، تختلف قدرة الكلاب على التمييز بين درجات المرض. تبرز أيضاً عوامل مؤثرة أخرى، إذ يسهل أن تلتهي الكلاب بأي عناصر خارجية ثم ترصد إشارات خاطئة أو تغفل عن الإشارات الصحيحة بسبب مصادر الإلهاء".

على صعيد آخر، قد يكون استعمال الكلاب للكشف عن الأمراض في العالم الحقيقي غير واقعي. لن يكون تكليف أعداد كبيرة من الكلاب بفحص البول أو أنواع أخرى من العينات خياراً عملياً، بل يجب أن تحصل هذه العملية عبر أجهزة مخبرية كي تصبح النتائج مقبولة وقابلة للقياس.

لهذا السبب، يختبر العلماء آلات قد تنجح في رصد روائح الأمراض. تقول كو: "أظن أن أجهزة استشعار الروائح المعقدة ستصبح مفيدة لتشخيص بعض الأمراض ولن تكون منافعها عابرة. تبدو الإمكانات المحتملة في هذا المجال وافرة. لذا تُخصَّص أبحاث كثيرة في مختبري لتحديد الجزيئات التي ترصد مختلف أنواع التهابات الرئة، ويمكننا أن نبتكر آلات للكشف عنها".

أخيراً، يعرف الباحثون أن هذه التكنولوجيا تحتاج إلى المزيد من التطوير. في النهاية، يستنتج نغوين: "لا يزال الطريق طويلاً قبل أن نتمكن من استنساخ ميزة الشمّ الفائقة التي منحتها الطبيعة للكلاب".


MISS 3