زينة عبود

قطاع الصناعة في عزّه محلياً والصادرات تراجعت 15%

أزمة الدولار محلولة... وأزمة المازوت مستعرة

28 حزيران 2021

02 : 00

معمل خياطة
من قلب الانهيار الإقتصادي يخرج قطاع الصناعة في لبنان منتصراً أو على الأقل صامداً بخسائر محدودة جداً، وهو قطاعٌ يشكل أحد أهم ركائز تعويم الاقتصاد الوطني وضخّ الأموال في الأسواق. مع تراجع القدرة الشرائية المحلية نتيجة تحليق سعر صرف الدولار، ما عاد "كل شي فرنجي برنجي" إذ تحوّل اللبنانيون الى منتوجات "صُنعت في لبنان" وهي صناعات ذات جودة عالمية مكّنتها من حجز مكان لها في الأسواق الغربية منذ سنوات وحتى اليوم.





إذا كانت المصانع الكبرى في البلد قد ازدهرت مع انخفاض قيمة الرسوم والضرائب المفروضة على الصناعيين وتحسّن رواتب العمال عموماً كون المصدّر يقبض بالعملة الأجنبية، إلا أن أصحاب المؤسسات الصناعية الصغيرة ما زالوا يعانون بعض الصعوبات.

خليل عبود وهو صاحب معمل خياطة (صغير) يقول "صحيح ان الصناعة المحلية ازدهرت بعد انعدام قدرة التجار على استيراد الألبسة من الخارج وتكبّد كلفة السفر في ظل أزمة الدولار لكن بالنسبة الينا كصناعيين أصبحت عملية التسعير هاجساً لأن المبيع بالليرة اللبنانية وهو ما لا يؤمن ربحاً كما كانت الحال في السابق فالمصاريف عالية جداً مقارنة بالإنتاج لكننا نحاول الصمود ريثما تستقيم أمور البلاد".

ويشير خليل الى ان نسبة الأرباح باتت محدودة وغير مشجعة بنحو دولار او اثنين للقطعة الواحدة بينما كانت تقدر سابقاً بنحو 7 دولارات للقطعة وهو انعكاس للتراجع الكبير في القدرة الشرائية لدى الزبائن، ناهيك عن المواد الأولية من أقمشة وخيوط كلّها مستوردة وكلفتها بالدولار، "والمشكلة اذا تعطّلت احدى ماكينات الخياطة، كلفة التصليح كما الصيانة هي الأخرى بالدولار.. حتى اللمبة بالدولار".


صناعة الورق والكرتون في لبنان



أما واقع اليد العاملة فهو صعب جداً، اذ يروي خليل انه بعد مغادرة العمال الأجانب خلال الأشهر الماضية وضع إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع التوظيف يطلب فيها عمال خياطة، ليفاجأ بأن اليد العاملة اللبنانية مفقودة تماماً في هذا المجال من الصناعة. ويقول "الحرفيون اللبنانيون الذين كانوا قبل عشرات السنين يعملون في مجال الخياطة كبروا بالسنّ أو تقاعدوا فيما الجيل الجديد يتّجه أكثر نحو الـ haute couture، وبالتالي فإن اليد العاملة المتوفّرة اليوم لا تملك المهارة الكافية وهو ما يعيق الإنتاج"، ويلفت الى ان إذا ما وُجد عامل ذو خبرة فهو لا يقبل براتب زهيد وهذا حقه نظراً الى الغلاء المعيشي لكن ذلك يزيد من الأعباء على المصانع الصغيرة "وهيي اساساً على صوص ونقطة". ويختم خليل بالقول "الشغل كتير بس المردود قليل والدني فايتة ببعضها".

إزدهارٌ حقيقي

واقعٌ صناعي آخر يرويه عماد خوري وهو صاحب معمل لتصنيع مواد التنظيف والمعقمات، ويشرح ان انتاج معمله ازدهر بشكل مضاعف وزادت مبيعاته مع ارتفاع الدولار وتراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين كانوا يلجأون الى الشامبو وسائل الاستحمام المستورد متجاهلين كلياً المنتجات المحلية فيما اليوم باتت المنتوجات اللبنانية أساسية في الاستهلاك المنزلي، مع العلم ان الأسعار تبقى متحركة مع السوق السوداء للدولار لكن مهما ارتفعت اسعار المنتجات المحلية تبقى أرخص بكثير من تلك الأجنبية المستوردة، يؤكد خوري ويضيف ان المنتجات المحلية الأكثر استهلاكاً في الفترة السابقة عندما كانت كورونا في ذروتها، كانت المعقمات من دون منازع بحيث ازداد مبيعها ثلاثة أضعاف "وما عدنا نلحّق" لكنه تراجع في الأشهر الأخيرة لتتصدّر المبيعات مواد التنظيف المنزلية والشامبو وسائل الاستحمام.

تأقلمنا مع الدولار.. فأطلّت أزمتا المازوت والتصدير!

أمام هذا الواقع يبقى قطاع الصناعة أفضل حالاً بالمقارنة مع باقي القطاعات فهو شهد نوعاً من الازدهار والانتعاش ويقول نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي إن الصناعة في لبنان كانت قد تأقلمت مع تبدّل سعر صرف الدولار المتواصل، علماً ان ثبات سعر الدولار أساسي جداً ويريح الصناعي كما المستهلك.


نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي



اليوم يواجه القطاع الصناعي أزمتين، الأولى تتعلّق بمسألة التصدير الى بعض الدول وخصوصاً الى المملكة العربية السعودية التي تشكل ركناً أساسياً في الصادرات اللبنانية، إلا انه وفي ظل غياب الدولة عن أي معالجات ناجعة، سُجّل تراجع في نسبة الصادرات بنحو 15 بالمئة بعد قرار السعودية منع استيراد أي منتجات لبنانية الى داخل أراضيها.

ويؤكد نصراوي ان وزارة الصناعة تحاول إيجاد مخارج للمشاكل الطارئة على القطاع لكن ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية يتطلّب قراراً سياسياً للمعالجة من دولة الى دولة، وقطاع الصناعة ينتظر ما ستسفر عنه جهود وزير الداخلية محمد فهمي بعدما كُلّف متابعة هذ الملف من خلال التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في السعودية.

أما الازمة الثانية التي تعيق تطوّر قطاع الصناعة في المرحلة الراهنة فهي أزمة المازوت كونها أساسية في عمل المصانع لتشغيل الماكينات. "باتوا يحصلون على مادة المازوت بالقطّارة ما أدى الى تراجع القدرة التشغيلية لدى المصانع" يقول نصراوي الذي يشكو من عدم قدرة الدولة على ضبط عمليات تهريب المحروقات الى سوريا والضرب بيد من حديد رغم كل الإجراءات المعلنة والتي تبقى غير كافية.

وإذا كان لبنان يقف على حافة الانهيار الشامل إلا ان بعض القطاعات الصناعية شقّت طريقها نحو الازدهار وعاشت فترة من العزّ الإنتاجي، يعدّد منها نصراوي صناعة المواد الغذائية والأدوية ومواد التنظيف والمعقمات التي شهدت فورة صناعية كبرى في زمن كورونا.

ويشير الى انه مع خفض كلفة الانتاج اليوم هناك بعض الصناعات بدأت تشق طريقها نحو الانتعاش ايضاً كصناعة الألبسة والأحذية إذ أصبح بالإمكان تصريف الإنتاج في السوق المحلي بعدما باتت الأسعار مقبولة وهو ما يتيح المجال أمام هذه الصناعات للتصدير الى الخارج.


"بتحبّ لبنان... حبّ صناعتو"



أما بالنسبة الى المصانع التي تواجه معوقات معينة ونسبتها قليلة، فإن أصحابها يتّجهون الى نقل مصانعهم الى خارج لبنان إذا ما بقيت الأزمة مفتوحة من دون أي أفق للحلّ، والسبب أن تسعين بالمئة من منتوجات هذه المصانع كانت تصدّر، قبل القرار السعودي، الى أسواق الخليج وقيمة هذه الصادرات تقارب المليار دولار. وهنا تلعب جمعية الصناعيين دوراً في مساندة هؤلاء الصناعيين للصمود في لبنان، عسى أن يتحرّك المعنيون بالملف الحكومي ويهمّوا الى تأليف حكومة فاعلة بأسرع وقت تكون قادرة على اتخاذ قرارات جريئة وجدية على طريق النهوض بالبلاد.

أوكسيجين

ومع انعدام دور المصارف التي توقفت عن منح أي قروض، برز دور cedar oxygen fund الذي يتخذ من لوكسمبورغ مقراً مركزياً له، في دعم الصناعيين اللبنانيين عبر تأمين قروض لهم لشراء المواد الأولية بالدولار لتسهيل أمورهم المالية.


الصابون البلدي



ما هي الآلية التي يعتمدها هذا الصندوق؟

مدير تطوير الأعمال في الصندوق وسام غرة يشرح لـ"نداء الوطن" أن الصندوق يختلف في آلية عمله عن المصارف فهو يؤمّن قروضاً قصيرة الأمد فقط، تُسدّد في فترة ما بين ثلاثة الى ستة أشهر تكون كافية للصناعي لاستيراد المواد الأولية التي يحتاجها وتصنيع منتوجاته وبيعها ومن ثم تسديد مستحقاته للصندوق ويضيف "بذلك يكون الصندوق قد ساعد الصناعيين الذين كانت لديهم مهلة ستة أشهر للدفع بعد شراء المواد الأولية والبضاعة المطلوبة للتصنيع، فيما بات اليوم ملزماً الدفع مسبقاً وبالدولار".

أما آلية تقديم الطلب للحصول على قرض صناعي من الصندوق فتقوم على أن يقدّم الصناعي طلباً عبر برنامج الكتروني يرفقه بكل المستندات المطلوبة والطلب يمرّ عبر لجنة التسلفيات الموجودة في فرنسا وهي مؤلفة من شخصين من الصندوق وثلاثة مستقلين، اثنان منهم غير لبنانيين وذلك عملاً بمبدأ الشفافية الكاملة، قبل ان يتم توقيع الالتزام الذي تقوم به شركة أجنبية أيضاً. وهذه العملية تحتاج شهراً واحداً إذا كانت كل المستندات مؤمّنة.

منذ إنشاء الصندوق قبل نحو عام وحتى اليوم، استفاد من تسهيلاته ثمانية وعشرون صناعياً بقيمة خمسين مليون دولار، علماً ان المبلغ الإجمالي لأموال الصندوق بلغت مئة وخمسة وسبعين مليون دولار، يقول غرّة الذي يوضح أن المستثمر الأكبر والرئيسي في cedar oxygen fund هو مصرف لبنان المركزي لكنه لا يملك أي صلاحيات للتدخل في آلية عمل الصندوق أو إدارة ملفاته، إضافة الى مستثمرين آخرين من المغتربين.