جنى جبّور

مخرجون يرفعون اسم لبنان عالياً في مهرجان أميركي

2 تموز 2021

02 : 00

المخرج أنطوني مرشاق

يطلّ لبنان الى العالمية ومن باب السينما هذه المرة، حيث فاز 3 مخرجين لبنانيين بجوائز مهرجان جنوب أميركا السينمائي (South America Awards)، رافعين اسم بلدنا عالياً رغم افتقارنا الى صناعة سينمائية فعلية.



نبدأ بـ"بيروت بعد الـ40"، فيلم وثائقي (سيرة ذاتية) للمخرج أنطوني مرشاق الذي عاش لحظات رعب جريمة المرفأ والتي ما زالت مطبوعة في ذاكرته حتّى اللحظة، كما كثر من اللبنانيين. قرر مرشاق بعد أن تخطى "صدمته" بمساعدة طبيب نفسي، أن يوثق بكاميرته ما حصل في تمام الساعة 6:07 دقائق وينقلها للعالم الأجمع. وهكذا صار، بعد 40 يوماً من الانفجار المشؤوم. عاد المخرج الشاب الى "مسرح الجريمة" حيث كان يصور آنذاك فيلماً بعنوان "خيط تماس"، متنقلاً بين صيدا وصور والنبطية وصولاً الى بيروت، وتحديداً داخل ستوديو في شارع مار مخايل على بعد أمتار قليلة من الانفجار، فأصبح "الفيلم (خيط تماس) داخل فيلم في فيلم آخر"، يقول مرشاق، ويتابع: "في ذلك اليوم تغيّر كل شيء في تاريخ بيروت وحياتي. كمخرج، كان من واجبي تحويل هذا الحدث الى فيلم وثائقي. لذلك، انكببت على العمل باحثاً عن أشخاص التقيتهم يوم 4 آب، مستخدماً لقطات حقيقية كنت قد حصلت عليها ونشرتها للمرّة الأولى في فيلمي، اضافةً الى الـ"الفويسات" التي ارسلتها لوالدتي وأصدقائي يومها. صدقاً، لم يكن هدفي الفوز بأي مهرجان، بل اردت أن أنقل تجربتي الشخصية التي تشبه تجارب آلاف اللبنانيين".



مشهد من "بيروت بعد الـ40"



شكل هذا الفيلم "طريقة علاج" لمرشاق. حاول لملمة جراحه النفسية من خلاله، الّا أنه لم يشفَ تماماً. فبعد أن انتهى من التصوير وانكب على الاخراج... سرعان ما توقف. عادت به عقارب الساعة الى الوراء، مسترجعاً ذكرياته الأليمة، الّا أنّ حبه للبنان، ساعده على التقاط أنفاسه مجدداً، وأدرك أنه لا يجب أن يضيع جهده سدى كما دماء كل ضحية وكل شهيد وكل مصاب... وهذا ما حصل. بعد 3 أشهر، أنجز الفيلم الذي يمتد على 24 دقيقة، باللغة العربية مع عناوين ثانوية باللغة الانكليزية، الّا أنّ كارثة بهذا الحجم، لم تكن بحاجة الى كلمات توصّفها، ولعلّ الصور والمشاهد بعدسة مرشاق كانت أكثر من كافية لتدخل الى صميم كل من شاهدها، فحصد "بيروت بعد الـ40" الكثير من الجوائز بدءاً من مهرجان لندن للأفلام الوثائقية كأفضل فيلم وثائقي "سيرة ذاتية"، من ثمّ في مهرجان البرازيل الدولي الشهري (BIMIFF) 2021 كأفضل فيلم وثائقي، وفي مهرجان "GIMFA - Gralha International Monthly Film Awards" في البرازيل أيضاً، كأفضل فيلم وثائقي وأفضل مخرج لفيلم وثائقي وصولاً الى مهرجان جنوب أميركا (South America awards)، حيث فاز بجائزتين كأفضل فيلم وثائقي وأفضل مخرج لفيلم وثائقي عن فئة الأفلام الوثائقية - سيرة ذاتية، منتصراً على 8 افلام و7 دول منها: كندا، اليابان، مالطا، إيران، إيطاليا وأميركا. ويكمل الفيلم جولته في المهرجانات، إذ رشح حديثاً الى مهرجان برودواي الدولي، على أن يفتتح مرشاق دورته الـ14في الولايات المتحدة بدعوة من المهرجان عينه.


ملصق "بيروت بعد الـ40"


عَرضُ الفيلم في بيروت، ما زال قيد الدراسة، أمّا مرشاق فيهدي جوائزه الى "لبنان أولاً، والى كل ضحية وشهيد" على حد قوله، ويشير الى أنّه "تلقى الكثير من رسائل الدعم للشعب اللبناني من كل الدول التي شاهدت فيلمه، وما زال يتلقى دعوات للمشاركة في مهرجانات عالمية أخرى"، مضيفاً: "هذه الجوائز مهمة جدّاً بالنسبة الي لانها تظهر كفاءة المخرجين اللبنانيين، كما انها طريقتي الخاصة بالنضال الى حين الوصول الى الحقيقة. أمّا عن مشاريعه المستقبلية فلفت الى أنه "في صدد تصوير فيلم قصير بعنوان "مش للبيع" ويتفرغ لكتابة فيلم طويل".



مشهد من "إلى حيث"



"الى حيث" رحلة الى جسد المرأة

ننتقل الى باميلا نصور التي دخلت عرين مهرجان جنوب أميركا السينمائي مع اختيار فيلمها الأول "الى حيث"، للمنافسة عن فئة الأفلام التجريبية التي تدمج بين الفنون البصرية والسينما التقليدية، وتتخطى الحدود الكلاسيكية، علماً أنّ جمهور هذا النوع من السينما محدود جدّاً. يمكن القول إن "الى حيث" فيلم جريء بطريقة معالجته، يتناول جسد المرأة بأسلوب حديث ومختلف، ويظهر لقطات بصرية تبرز تضاريس جسد المرأة بشكل لا يوحي اصلاً بأنه جسد، يرافق هذه اللقطات شعر كتبه فوزي يمين بعنوان "رحلة" بالفصحى، امتد على ثماني دقائق، مدّة الفيلم، فاستطاعت نصور من خرق عين المشاهد وتحفيز عقله ومخيلته بمساعدة "ديالوغ" صوتي شعري، قامت به سلمى الحاج وفوزي يمين. نسأل نصور لماذا اخترت جسد المرأة؟ تجيب: "تعودنا على رؤية جسد المرأة باطار ترويجي واستهلاكي يصب بخانة الرغبات والجنس. يستفزني كثيراً هذا الموضوع وأردت تغيير هذه النظرة. كوني سينمائية، كنت متأكّدة أنه يمكن للكاميرا أن تبرز الجسد بطريقة مختلفة عن الحالة التقليدية، فلجأت الى كاميرا "الماكرو" فأظهرت عدستها ما لا نراه بالعين المجردة، فنرى مثلاً "الركبة" كأنها مسطح شبيه بالجبل او الوادي. بشكل أوضح وضعتُ لغز جسد المرأة تحت مجهر الكاميرا فظهر كأنه رحلة شيقة، متعبة وغير محدودة نتوه فيها الى حيث لا ندري".



المخرجة باميلا نصور



امتد تصوير الفيلم على 4 سنوات، وشارك في تصويره أكثر من عارضة وساعد في انجازه جوزيف عبدو كمدير للتصوير، وجيمي مناع في الموسيقى التصويرية وزياد مزرعاني في المونتاج. جال "الى حيث" في الكثير من المهرجانات العالمية وحازت نصور على جائزة أفضل مخرجة للفيلم القصير، وأفضل موسيقى تصويرية وأفضل مونتاج في مهرجان جوائز "غرالها" العالمية في البرازيل. وحققت أيضاً جائزة أفضل مخرجة للفيلم التجريبي في مهرجان البرازيل الدولي للسينما المستقلة الشهرية، وجائزة أفضل فيلم قصير فني في مهرجان "FFTG". وحديثاً، نالت جائزة أفضل مخرجة وأفضل مونتاج في مهرجان جنوب أميركا السينمائي. كما سيشارك فيلمها في احد مهرجانات بيروت في أيلول المقبل، وتُجهز مخرجته لعرض حضوري خاص في بيروت تتبعه مناقشة مع فريق العمل، وتعمل حالياً على عرض فيلمين قصيرين انتهت من تصويرهما وهما: "محاولة- An Attempt" و"بيرجع عالموضة- Repurposed". وتقول نصور في هذا الصدد: "نفتخر حين يرافق العلم اللبناني اسمنا في المهرجانات العالمية. للأسف أن السينما والفنون غير مدعومة في لبنان، وكل ما نقوم به يصب في خانة المبادرات الفردية، الّا أنّ ذلك لا يمنعنا من المثابرة لرفع اسم بلدنا عالياً، علنا نساهم ولو معنوياً من كسر الصورة القبيحة التي رسمت لنا بالخارج".






لم نوفق بالتواصل مع المخرج خليل زعرور الذي فاز فيلمه "نور" بأفضل نصّ وتصوير ومونتاج وانتاج عن فئة الأفلام الطويلة، كما حازت بطلته فانيسا أيوب على جائزة افضل ممثلة. وعلى أي حال، رغم كل الأزمات التي تحاصر بلدنا، نفتخر بالمبادرات الفردية والجهد الشخصي للشباب اللبناني، على أمل أن تلتفت الدولة (المفقودة اصلاً) يوماً ما الى هؤلاء وتشجعهم داعمةً قطاع السينما في لبنان ليستمر ويتطور.


MISS 3