فريتز شاب

نساء تيغراي وأهوال الحرب في إثيوبيا

6 تموز 2021

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 00

تستعمل قوات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وحلفاؤه الاغتصاب والتجويع في حربهم ضد إقليم "تيغراي". نتيجةً لذلك، أصبحت أعمال العنف هناك مريعة وتتحمل النساء أكبر أعبائها.

"تيغراي" واحد من عشرة أقاليم في إثيوبيا حيث يبلغ العدد السكاني حوالى 7 ملايين نسمة، معظمهم ينتمون إلى جماعة "تيغراي" العرقية. تصاعد القتال في هذه المنطقة وتحوّل إلى صراع وحشي تشارك فيه دول مجاورة مثل إريتريا والسودان. أدى هذا الوضع إلى إصابة آلاف النساء بصدمات نفسية وتجويع الأطفال وتهجير حوالى 1.7 مليون شخص.

تحذر الأمم المتحدة من النقص الغذائي الكارثي الذي يعاني منه 350 ألف شخص من سكان "تيغراي". منذ فترة قصيرة، أعلن مارك لوكوك، منسّق الإغاثة في حالات الطوارئ للأمم المتحدة، أن مظاهر الجوع ستزداد سوءاً. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن عدد المتضررين من تفشي المجاعة ارتفع في الفترة الأخيرة ويصيب اليوم حتى 900 ألف شخص. في خضم الحرب الحاصلة في "تيغراي"، يُعتبر الاغتصاب والتجويع من الأسلحة المستعملة على نطاق واسع ضد المدنيين.

يعود هذا الصراع في الأصل إلى العام 2018، حين أصبح آبي أحمد رئيس الوزراء. تعهد آبي بتطبيق الإصلاحات، وإطلاق المعتقلين السياسيين، والتفاوض على اتفاق سلام مع عدوّة البلد اللدودة، إريتريا، خلال بضعة أشهر. شعر الكثيرون في البداية بالتفاؤل بهذه القيادة الجديدة. حتى أن آبي حصد جائزة نوبل للسلام في العام 2019.

تزامن وصوله إلى السلطة أيضاً مع نهاية ثلاثة عقود من سيطرة جماعة "تيغراي" على الحُكم في إثيوبيا. طوال سنوات، كانت هذه الجماعة تدير حكومة الائتلاف في أديس أبابا، فتُعيّن حلفاءها في مناصب أساسية وتفرض سيطرتها على البلد بقبضة من حديد.

أنشأ آبي حزباً جديداً من دون مشاركة "جبهة تحرير شعب تيغراي". وبعد فترة قصيرة، بدأت حملة دعائية واسعة ضد "تيغراي" واشتقت من أوساط الحكومة، فوُصِفت هذه الجماعة بعبارات مثل "ضباع النهار" أو "السرطان". أجّجت وسائل الإعلام هذه الحملة أيضاً، وتم تسريح المنتمين إلى جماعة "تيغراي" من الجيش والمناصب الحكومية، وتوسّعت مظاهر التمييز ضدهم في الحياة اليومية.

تعهد آبي بتنظيم الانتخابات البرلمانية في صيف العام 2020، لكنه عاد وعلّق هذا الاستحقاق بسبب تفشي فيروس كورونا. لكن في إقليم "تيغراي"، قررت "جبهة تحرير شعب تيغراي" إجراء انتخابات محلية، ما دفع آبي إلى قطع الدعم المالي لتلك المنطقة. وفي شهر تشرين الثاني، أصبح الصراع بين سكان "تيغراي" في الشمال والحكومة المركزية في أديس أبابا علنياً. وفق تقرير جديد صادر عن "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، كانت القوات التابعة لآبي مسؤولة عن إطلاق الحرب في ساعات الصباح الأولى من يوم 4 تشرين الثاني.

جرت الانتخابات الوطنية أخيراً في 21 حزيران ولم يتم الإعلان عن النتائج بعد. لكن من المتوقع أن يُحقق رئيس الوزراء الحالي الفوز لأن عدداً كبيراً من مرشّحي المعارضة قاطع الانتخابات أو يقبع في السجن راهناً.

سافر فريق من صحيفة "دير شبيغل" من "ميكيلي"، عاصمة إقليم "تيغراي"، إلى منطقة "شاير" الواقعة في وسط "تيغراي" في أواخر أيار الماضي. اصطفت الدبابات والشاحنات العسكرية والحافلات المحروقة على طول الطرقات. في البلدات والقرى، يخبر الناجون قصصاً مريعة عن عمليات النهب والإعدام. بحسب قولهم، كانوا ليُقتَلوا أيضاً إذا احتجوا على ما يحصل.

في مدرسة قديمة من منطقة "شاير"، دخلت امرأة إلى أحد الصفوف. سنسمّيها روزينا في هذه المقالة. هي تنحدر في الأصل من غرب "تيغراي" حيث طردت ميليشيات من منطقة "أمهرة" آلاف الأشخاص من سكان "تيغراي". تزعم جماعات "أمهرة" التي تقاتل إلى جانب الجيش الإثيوبي أن منطقة غرب "تيغراي" مُلك لها، وهي تستغل الحرب لتحويل ذلك الادعاء إلى واقع ملموس بأكثر الطرق وحشية. اعتبر المراقبون تلك الحملة بمستوى "التطهير العرقي".

مآسي النساء مستمرة

تشبه قصة روزينا قصص أشخاص آخرين اضطروا للرحيل من المنطقة. حين حاولت الهرب في شهر تشرين الثاني، احتُجِزت مع آلاف الناس الآخرين في مستودع قديم. هي تقول إن ميليشيات "أمهرة" كانت تأخذ الشبان من هناك لإعدامهم في مناسبات متكررة.

روزينا شابة نحيلة عمرها 28 عاماً. لقد نجحت في الهرب من المستودع ثم حاولت الهرب إلى السودان مع أشخاص آخرين. لكنها تقول بإيقاع سريع: "كنتُ حافية القدمين ولم أستطع تحمّل الأرض الوعرة".

تاهت روزينا ونساء أخريات وصادفن رجالاً يحملون المناجل من جماعة "أمهرة". اشتبه هؤلاء بأن النساء جاسوسات، فاعتقلوهنّ.

تقول روزينا: "أخذنا هؤلاء الرجال إلى مركز للشرطة وعذبونا هناك بالصعقات الكهربائية وضربونا بالأسلاك".

ثم ساقوا النساء إلى شاحنة فيها سجناء آخرون واتجهوا شرقاً. وفق تقديرات المراقبين المستقلين في البلد، وصل عدد النازحين من "تيغراي" حتى تلك المرحلة إلى 150 ألفاً.

تضيف روزينا: "لقد أرادوا إعدامنا". لكن حين شاهد المقاتلون عناصر من الصليب الأحمر الإثيوبي، تركوا السجناء وغادروا.

تابعت النساء سيرهنّ إلى أن وصلن إلى بلدة صغيرة حيث قابلن الإريتريين. تقول روزينا إنهم وجدوها واغتصبوها. ثم خبّأتها نساء من البلدة في أحد المنازل. لقد سمعت ما حصل حين عاد الإريتريون وسألوا عن مكانها. ثم أخذوا خراف السكان ونهبوا البلدة كلها. لقد أخذوا كل شيء: الحيوانات والحبوب والمفروشات.

حين غادرت مخبأها بعد أسبوعين، تعرّضت للاغتصاب مجدداً على يد الجنود. قال هؤلاء: "يجب أن نحوّل "تيغراي" إلى صحراء ونقتل أكبر عدد ممكن من الناس هناك".

قبل اندلاع الحرب، كانت روزينا تملك مطعماً صغيراً. لقد أرادت أن تقصد المدرسة الثانوية وتتعلم المحاسبة كي تعطي ابنتها حياة أفضل. هكذا كان حلمها. لكنها تقول الآن: "لا أعرف ما سيحصل في المستقبل. لقد شاهدتُ عدداً كبيراً من القتلى ورأيتُ الدمار في كل مكان. يسرق الإريتريون وجماعات "أمهرة" كل شيء. لا أرى في المستقبل إلا الجوع والموت".

انتقام إريتريا

شهدت الأسابيع الأخيرة نقطة تحوّل محتملة في مسار الحرب. يوم الجمعة 18 حزيران، أطلقت قوات عسكرية من "تيغراي" عملية "العُلا" الهجومية التي أوصلتها إلى عاصمة الإقليم "ميكيلي" ومدن أخرى في شمال "تيغراي". وبعد وصول القوات العسكرية، أصدرت الحكومة الإثيوبية يوم الإثنين قراراً فورياً وأحادي الجانب بوقف إطلاق النار في إقليم "تيغراي" حتى شهر أيلول ووضعت هذه الخطوة في خانة المبادرة الإنسانية. لكن على أرض الواقع، يبدو أن قوات آبي تكبّدت خسائر كبرى لدرجة أن تعجز عن متابعة القتال. ثم تعهد قادة "تيغراي" باسترجاع جميع أراضي الإقليم.

لم تتضح بعد ردة فعل قوات إريتريا على ذلك القرار. يهتم الدكتاتور الإريتري، أسياس أفورقي، في المقام الأول بأخذ انتقامه في "تيغراي" وزعزعة استقرار إثيوبيا. كانت جماعة "تيغراي" تتولى السلطة في إثيوبيا حين أطلق البلد حرباً حدودية وحشية ضد إريتريا بين العامين 1998 و2000، وقد أدى ذلك الصراع إلى سقوط حوالى 70 ألف قتيل. إنه السبب الأصلي وراء كره أسياس الشديد لشعب "تيغراي". طوال سنوات، حاول أسياس إقناع مواطنيه بأن الدول المجاورة في جنوب إريتريا مسؤولة عن معاناتهم وفقرهم. قد يفسّر هذا التوجه جزءاً من أسباب وحشية جيش إريتريا في إقليم "تيغراي". بدأت قواته العسكرية تنسحب الآن على ما يبدو لكنها تحتفظ بعدد من الأراضي شمالاً.

في شهر نيسان الماضي، ذكر مسؤول الأمم المتحدة، مارك لوكوك، أن العنف الجنسي يُستعمل كسلاح حرب في "تيغراي". لكن لم يُمهّد تحذيره لأي تحركات جدّية.

اغتصاب جماعي وإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية

كانت منطقة "ميكيلي" تشمل المنشأة الحكومية الوحيدة التي تُعنى بمساعدة ضحايا الاغتصاب في مرحلة معينة. لكن نشأت مراكز أخرى مشابهة في المنطقة الآن وتتلقى النساء هناك رعاية طبية ونفسية ويستطعن الاختباء في منازل آمنة.

منذ بدء الحرب، لاحظت الممرضة مولو ميسفين تصاعد عدد الضحايا في "ميكيلي". كل يوم، تتابع مولو فقدان جزء من وزنها. هي تقول إنها لم تعد تنام ونادراً ما تأكل لأن معاناة نساء "تيغراي" أثرت بها لأقصى درجة: "لم أعد أعتني بأولادي ولم أعد أعتني بنفسي. بدأ الجميع هنا يخسرون الوزن. لكن يجب أن نقدم المساعدة في جميع الأحوال". تأتي بين 10 و15 امرأة إلى المركز الذي تعمل فيه يومياً ولا تكف الأرقام عن التصاعد.

سمعت مولو مئات القصص المتشابهة وسجلت أكثر من 500 امرأة في مراكزها ويبلغ مجموع الحالات أكثر من 1500 في جميع المراكز الناشطة. لكنّ العدد الحقيقي أعلى من ذلك بعشرين مرة وفق تقديرات مولو. تتابع الخبيرة الهولندية ميريام فان ريزن من جامعة "ليدن" تطورات المنطقة منذ سنوات، وهي تظن أن هذه التقديرات صحيحة. وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في شهر نيسان الماضي، يصل عدد ضحايا العنف الجنسي إلى 22500.

تقول مولو: "في مناسبات متكررة، تخبرنا النساء عن 20 أو 30 حالة مشابهة أخرى في بلداتهنّ. إنهن النساء اللواتي يعجزن عن الوصول إلى مراكزنا".

تتراوح أعمار الفتيات والنساء الهاربات بين أربع سنوات و80 عاماً، ويكون نصفهنّ تقريباً من القاصرات. يصل عدد كبير منهنّ بعظام مكسورة ويصاب بعضهن بفشل عضوي.

تقول مولو إن جزءاً من أولئك النساء أصيب بفيروس نقص المناعة البشرية. في المركز الذي تعمل فيه، تتكرر قصص الجنود الذين يخبرون ضحاياهم بأنهنّ سيرجعن إلى "تيغراي" بسبب إصابتهنّ بهذا المرض. لكن يصعب التأكد من هذه الادعاءات. تضيف مولو: "تحمل جميع ضحايا الاغتصاب الجماعي لدينا فيروس نقص المناعة البشرية. وتحصل معظم عمليات الاغتصاب على يد جنود يهاجمون النساء جماعياً وقد يصل عددهم إلى 30 جندياً في كل مرة. في هذه الحالات، يكون عدد المغتصبات كبيراً لدرجة أن تعجز المرأة عن تحديده بدقة. في إحدى الحالات، سيقت 15 فتاة إلى مخيم عسكري في حافلة صغيرة وتعرّضن هناك للاغتصاب على يد أعضاء فِرَق كاملة طوال أسبوع".

تقول مولو إن المرتكبين يحرصون على احتجاز ضحاياهم لفترة طويلة بما يكفي كي لا يعود علاج فيروس نقص المناعة البشرية ممكناً. هذا ما أصاب راهبة في دير مجاور. اغتصب الجنود تلك المرأة طوال عشرة أيام وهي مصابة الآن بالمرض.

تضيف مولو: "غالباً ما يجبرون العائلات على مشاهدة ارتكاباتهم... الأمهات والآباء والأشقاء... حتى أنهم يقتلون أفراد العائلة أحياناً".

تصبح نصف النساء اللواتي تعالجهنّ مولو حوامل وتمتلئ أسرّة المستشفيات بنساء أجهضن أطفالهن. لكن ما من أدوية كافية لأن الحكومة لا تقدم أي دعم للمستشفى.

حتى النساء الحوامل يتعرّضن للاغتصاب، ثم يضربهنّ الجنود على بطونهنّ بأعقاب بنادقهم إلى أن يبدأ النزيف ويخسرن أطفالهن. وفق رئيسة إحدى الجمعيات، بدأ عدد النساء من ذوي الاحتياجات الخاصة يزداد بين الضحايا أيضاً.

في النهاية، تقول مولو: "هذا الوضع لا يمكن أن يستمرّ. نحن نحتاج إلى السلام ومن واجب العالم أن يساعدنا".