طوني كرم

الراعي: السعودية لم تنتهك يوماً سيادة لبنان... لا بل كانت تهبّ لضمان استقلاله وبخاري: لا شرعيّة لمفهوم الأقلية أمام هوية مسيحية - إسلامية عربية جامعة

العلاقات بين بكركي والمملكة بداية جديدة لدورها في تعزيز سبل التعايش

9 تموز 2021

02 : 00

في ظل الحراك الدبلوماسي، الفاتيكاني والدولي، لمحاولة إنقاذ لبنان من الإنهيار، أكّد خادم الحرمين الشريفين عبر سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري من بكركي أمام لفيف من السياسيين ورجال الدين من مختلف العائلات الروحيّة، "عمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية، والتي تمثل ضمانة حقيقية للحفاظ على لبنان الرسالة، لبنان الحر والسيد المستقل".



بخاري والوعد والعهد

أمس اتجهت الأنظار إلى بكركي خلال إحياء الإحتفال لمناسبة صدور كتاب "علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية" لقدس الأباتي انطوان ضو الأنطوني، الذي دعا اليه الرئيس العام للرهبانية الانطونية المارونية الآباتي مارون ابو جودة بحضور حشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والنقابية والدينية والديبلوماسية. بعد الكلمات الإفتتاحيّة لكل من الآباتي أبو جودة والأباتي ضو وناشر الكتاب نوفل ضو واستعراض العلاقات المتينة مع المملكة العربية السعودية والزيارة التاريخية للبطريرك الراعي إلى السعودية انسجاماً مع تطلعات الكنيسة ورؤية المملكة لتعزيز العيش المشترك، ومن كنيسة القيامة في الصرح البطريركي جدد بخاري "العهد والوعد بدور المملكة العربية السعودية بنشر ثقافة السلام ومد جسور الوسطية والاعتدال وتعزيز سبل التعايش وحفظ كرامة الإنسان"، مشدداً على أن "مستقبلنا في هذا الشرق هو السلام، بعيداً كل البعد عن التعصب والطائفية والتطرف أيا كان مصدره وذريعته.

وأستذكر بخاري رسالة البابا فرنسيس في "يوم الصلاة من أجل لبنان": "إن لبنان هو مشروع سلام رسالته هي أن يكون أرض تسامح وتعددية وواحة أخوة تلتقي فيها الأديان والطوائف المختلفة"، ودعا إلى "المحافظة على التنوع والعيش المشترك الذي أرسى أسسه إتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي".

وشدد بخاري من الصرح البطريركي على أن لا شرعيّة لمفهوم الأقلية أمام هوية مسيحية - إسلامية عربية جامعة، مؤكداً قول العلامة محمد مهدي شمس الدين، في المكون العربي بقوله: "في منطقتنا العربية ـ الإسلامية، لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد أقليات مسيحية، بل توجد أكثريتان كبيرتان، إحداهما هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب".

وتوجه بخاري إلى الأفرقاء السياسيين آملاً "أن يغلبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص بشكلٍ واضحٍ وصريح، على أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي".

ولفت بخاري إلى أن "العمق العربي يشكل ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تعزيز الانتماء لهوية ثقافية معاصرة ترسم آفاق المستقبل أمام "عولمة العروبة" التي تتسع للجميع وتزخر بقبول الآخر والتفاعل والتكامل معه، مؤكداً انطلاقا من رمزية المناسبة والمكان تجديد المملكة اليوم الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة ركائزها الاعتدال، الحوار، المحبة والسلام، مشدداً على أن "المملكة لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكون أساسي ومكون وازن في هذه الهوية المشرقية العربية الأصيلة".


البطريرك والسفير (رمزي الحاج)



الراعي وتجديد التاريخ

بدوره تحدث البطريرك بشارة الراعي في كلمته عن روابط الصداقة التي تربط لبنان بالمملكة العربية السعودية آملاً أن تكون هذه المناسبة نداءً من القلب إلى لقاءٍ وطنيٍ جامع يؤدي إلى إنقاذ اللبنانيين فتؤلف الحكومة وتجرى الإنتخابات النيابية والرئاسيّة في موعدها.

وأكّد الراعي أن السعودية لم تنتهك يوماً سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحرّ ولم تتجاهل دولته، ولم تسع يوماً إلى تحميله وزراً أو صراعاً أو نزاعاً، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله، مثنياً على دورها في رعاية مؤتمر الطائف الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني "التي فهمناها امتداداً للميثاق الوطني".

ولفت الراعي إلى أنّ "علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية تتخطى الاعتبارات التي تتحكم بعلاقة دولة بدولة. فالسعودية بالنسبة لهذا الصرح هي السعودية. نحبها كما هي. ولا ننظر إليها من خلال خياراتها السياسية ومواقفها القومية وعلاقاتها العربية والدولية. علاقتنا بها تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية - الإسلامية. فأحد بواعث خيار الكرسي الماروني للبنان الكبير بغناه التعددي هو أن يكون امتداداً لمحيطه من دون أن يكون نسخة عنه أو يذوب فيه. فهذا تاريخنا ونهجنا، وهذا وعدنا للبنانيين وللسعودية والعرب والعالم، وهذا وعد المملكة للبنان".

وشدد الراعي على "أنّ أبناءنا حين يهاجرون، فللعمل لا للسياسة، وللدخل لا للتدخل؛ وهم رسل لبنان لا رسل دولة أخرى، أو مشروع آخر"، وتوجه "إلى كل لبناني يعيش في المملكة أو يعمل فيها أن يحب شعبها ويحترم قيادتها ويلتزم قوانينها وتقاليدها ويحفظ أمنها. فمن لا يكون مستقيماً في الدولة التي تحتضنه لا يكون أمينا للوطن الذي أنجبه".

وختم الراعي متمنياً أن تستعيد العلاقات اللبنانية - السعودية عفويتها وتقاليدها السابقة حين كان قادة المملكة يزورون ربوع لبنان ويلاقون الترحيب الشعبي العظيم أينما حلوا. قائلاً: يومها كان عندنا دولة واحدة وآمنة".

السنيورة والمناسبة التي قد لا تتكرر

وعلى هامش اللقاء، شدد الرئيس فؤاد السنيورة على أهميّة المناسبة التي قد لا تتكرر والتي جمعت المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية واللبنانيين، للتأكيد مرة جديدة وقوف السعودية إلى جانب لبنان والتشديد على أهميّة الإتفاق الذي عقد لمصلحة لبنان واللبنانيين في الطائف والدعوة إلى احترامه والإلتزام به، بعيداً عن الممارسات المستمرة لخرق الدستور التي نراها اليوم والتي يجب أن يتوقف من أجل إنقاذ لبنان. السنيورة دعا الساسة اللبنانيين الذين يتصرفون خلافاً للدستور للعودة إلى رشدهم والإلتزام بمصلحة لبنان واللبنانيين، تمهيداً لعودة ووقوف جميع الإخوة العرب وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية إلى جانب لبنان. وقال، لقد سمعنا الكثير من كل الأشقاء والأصدقاء في العالم يطالبون الساسة اللبنانيين بأن يعملوا لما فيه مصلحة لبنان، إلّا أنّ الذي نراه اليوم، هو إستمرار في هذا الإستعصاء على الإصلاح والإستعصاء على الدستور وعدم الإلتزام به، لذلك المطلوب العودة إلى إلتزام الطريق الصحيح من خلال إحترام الدستور وإستعادة الدولة اللبنانية من خاطفيها، لأن لا إمكانيّة للخروج من المآزق إذا لم تعد الدولة صاحبة السلطة الوحيدة على كافة الأراضي اللبنانية.

الرئيس الجميل ودور بكركي

وأثنى الرئيس أمين الجميل على الدور الذي تقوم به بكركي من أجل التأكيد على ضرورة توطيد العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعوديّة تحديداً في هذه المرحلة، داعياً المسؤولين الحكوميين إلى وضع حدّ لبعض الممارسات التي أدّت إلى إبعاد الإهتمام السعودي بلبنان، وإتخاذ إجراءات عملانيّة لحلّ المسائل التي تعيق وتعرقل العلاقة اللبنانية السعودية والتي ترتد سلباً على اللبنانيين.

الفرزلي والرسائل

واعتبر نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أن أهميّة هذا اللقاء المميز تكمن في المضمون والرسائل التي شاء أن يبعث بها مضمون هذا الكتاب والتأكيد على علاقة الشعبين اللبناني والسعودي، آملاً أن تثمر المساعي الإيجابية خيراً للبنان.


النائبة ستريدا جعجع والوزيرة مي شدياق والسفير بخاري



بو عاصي والدلالات

في حين أكّد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب بيار بو عاصي أن أهميّة اللقاء تكمن في دلالاته ورمزيته للدلالة على عمق العلاقة بين اللبنانيين عامة والمملكة العربية السعودية والموارنة خاصةً حول قيم السلام المشتركة والإنفتاح وقبول الآخر والسعي إلى الإزدهار والإصرار على سيادة لبنان، داعياً إلى الإنطلاق من الرسالة التي وجهها اللقاء، وتنشيط العلاقة مع المملكة، لأن العلاقات بين الدول والجماعات تاريخياً لا تقتصر فقط على السياسيين، بل يمكن للأفراد القيام بهذا الأمر كما حصل بين اللبنانيين ودول الخليج، قبل أن يعمد مؤخراً المسؤولون اللبنانيون للأسف إلى عرقلة وضرب العلاقة الإستراتيجية مع المملكة. بوعاصي شدد على أهمية الدور الإنساني الوطني الذي تقوم به بكركي اليوم في إعادة خلق إطار سليم لتطوير هذه العلاقة دون الدخول في العمل السياسي، والذي يصب في خدمة الشعبين والدولتين.

ولفت بوعاصي إلى أنّ "القوات" غالباً ما تكون مقاربتها للأمور متطابقة مع بكركي من السيادة إلى التعددية الديمقراطية وصولاً إلى الحياد، ومن موقعها السياسي تسعى إلى تحقيق أهداف هذا الصرح العريق.

أبو فاعور والرسالة المعاكسة

بدوره شدد النائب وائل أبو فاعور على أهميّة اللقاء، الذي أكّد عدم وجود وهم تحالف الأقليات في ظل أكثرية عربيّة يجب أن تكون متنورة، إلى جانب الرسائل السياسيّة والتاريخيّة التي وجّهت، من خلال رسالة البطريرك والتأكيد على كلام السفير السعودي الذي يفتح المجال أمام نقاش مختلف من أجل تصحيح العلاقات اللبنانية العربية، وفي مقدمها مع المملكة العربيّة السعوديّة، من خلال إرسال رسالة معاكسة إلى بعض الجحود اللبناني الذي خرّب علاقة لبنان بالدول العربيّة وأوصلنا إلى ما وصلنا إليه.

سعيد وحجر الأساس

واعتبر رئيس "لقاء سيدة الجبل" الدكتور فارس سعيد، الذي واكب زيارة البطريرك الراعي إلى السعودية، أنه بلحظة إنهيار الجمهوريّة اللبنانية، بكل معالمها، يبقى هذا الصرح حجر أساس لبناء العلاقات اللبنانية العربية، وما جرى اليوم يؤكد أنّ هناك في لبنان شيئاً عابراً، وآخر ثابتاً. الثابت هو الكرسي البطريركي، والعابر هو الطبقة السياسيّة التي لم تستطع بناء دولة حتى هذه اللحظة، بسبب المحاور والتدخلات الخارجية التي منعت قيام دولة في لبنان. أمّا كلمة خادم الحرمين الشريفين الذي مثله سفير المملكة العربية السعودية، فكانت كلمة من القلب تؤكد إلتزام إتفاق الطائف، ونهائية الكيان وعروبة لبنان المرتكز على العيش المشترك.

الوزير قزي وبداية الخروج من النفق

من جانبه، أشار الوزير السابق سجعان القزي إلى أن اللقاء مميز بتوقيته أولاً الذي يتزامن مع لقاء الفاتيكان والتحرك الدولي الذي أدخل لبنان بمنعطف جديد، من خلال الإنتقال من الإنهيار الكامل إلى بداية الخروج من النفق، مشدداً على أن هذا اللقاء ما كان ليحصل لولا التحرك الدولي والمبادرات التي يقوم بها البطريرك الراعي في ظل غياب دولة في لبنان تتجاوب الأمم معها، مؤكداً في الوقت نفسه أن البطريرك ليس قوة تنفيذية إنما عمله يقوم على تصويب البوصلة وإعطاء الإرشادات لسدّ الثغرات من خلال طرح المبادرات لعقد مؤتمر دولي يعترف بحياد لبنان وتثبيت إستقلاله.

السيد الأمين واللقاء الجامع

ومن العائلات الروحيّة، لفت السيّد حسن الأمين إلى أن هذا اللقاء جامع لكل اللبنانيين وعبارة عن إعادة لبنان إلى حضنه العربي ورفض أي محاولة لإخراجه وسلخه عن محيطه العربي، من خلال تذكير اللبنانيين بمقدمة الدستور أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه عربي الإنتماء والهوية ولا يحتاج إلى ولاءات غير ولاءاته الوطنية وإنتمائه العربي.


في حين أكّد الشيخ غسّان اللقيس أنّ اللقاء وطني بامتياز، لتأكيد التقاء الثقافة الإسلاميّة مع الثقافة المسيحيّة والتشديد على التقارب المهم بين بكركي والمملكة العربيّة السعوديّة، داعياً المملكة للقيام بدورها الفاعل وإنقاذ لبنان بالتعاون مع البطريركيّة والمخلصين في الدولة اللبنانية من أجل إنقاذ لبنان من الغرق والمأساة الطويلة.