جاد حداد

صبغات الشعر تزيد خطر إصابتك بالسرطان؟

14 تموز 2021

02 : 00

أصبح استعمال صبغات الشعر شائعاً جداً، إذ تقرر 50% من النساء على الأقل و10% من الرجال بعد عمر الأربعين صبغ شعرهم. لكن بسبب تدابير التباعد الاجتماعي التي فرضها وباء كورونا المستمر، تخلى عدد كبير من الناس عن مواعيدهم الاعتيادية في صالونات تصفيف الشعر.

في ظل تلاشي لون الشعر الطبيعي بسبب الصبغات المستعملة، لا بد من التساؤل: هل تزيد صبغات الشعر الدائمة مخاطر الإصابة بالسرطان؟

أبحاث طويلة ونتائج متضاربة

ثمة ثلاثة أنواع أساسية من صبغات الشعر: صبغة مؤكسدة (دائمة)، وصبغة مباشرة (شبه دائمة أو موقتة)، وصبغة طبيعية. تكون معظم صبغات الشعر المستعملة في الولايات المتحدة وأوروبا دائمة (منها خلطات منزلية أو أخرى مستعملة في صالونات تصفيف الشعر). تخضع هذه الأنواع لتفاعلات كيماوية لإنتاج مادة صبغية تتوزع على خصل الشعر وقد تطرح أكبر المخاطر السرطانية.

يتعرض الناس للمواد الكيماوية الموجودة في صبغات الشعر عبر الاحتكاك الجلدي المباشر أو عبر استنشاق الأبخرة خلال عملية تلوين الشعر. صُنّف التعرّض لصبغات الشعر أثناء العمل، كما يحصل مع مصففي الشعر، كسبب محتمل للإصابة بالسرطان. لكن لم يتضح بعد إلى أي حد يزيد الاستعمال الشخصي لصبغات الشعر الدائمة مخاطر السرطان أو حالات الوفاة المرتبطة بالأمراض السرطانية.

استكشفت دراسات عدة الرابط بين الاستعمال الشخصي لصبغات الشعر ومخاطر السرطان وحالات الوفاة المرتبطة بها. كانت النتائج متضاربة بسبب شوائب الدراسات، وتراجع عدد المشاركين فيها ومدة مراقبتهم، وصعوبة تصنيف مستوى التعرّض للمواد الشائكة (عند استعمالها شخصياً أو أثناء العمل) أو تحديد نوع صبغات الشعر (دائمة أو موقتة)، وعدم مراعاة عوامل الخطر المُسببة للسرطان بعيداً عن استعمال صبغات الشعر الدائمة.

لا زيادة في مخاطر السرطان بشكل عام!

في دراسة جديدة نشرتها "المجلة الطبية البريطانية"، قيّم باحثون من كلية الطب في جامعة "هارفارد" الاستعمال الشخصي لصبغات الشعر ومخاطر السرطان وحالات الوفاة المرتبطة بها. راجع المشرفون على الدراسة بيانات 117 ألف و200 امرأة كنّ قد تسجّلن في "دراسة صحة الممرضات". جُمِعت تلك البيانات على مر 36 سنة بدءاً من العام 1976. صنّف الباحثون المعلومات التي شملت العمر، والانتماء العرقي، ومؤشر كتلة الجسم، وعادة التدخين وشرب الكحول، ولون الشعر الطبيعي، وطريقة استعمال صبغات الشعر الدائمة (حصلت مقارنة بين مستخدمي الصبغات ومن لم يستخدموها يوماً، والعمر عند استعمال الصبغة للمرة الأولى ومدة استخدامها، ووتيرة تكرار الصبغة)، وعوامل الخطر المرتبطة بأنواع محددة من السرطان.

مقارنةً بالمجموعة التي لم تستخدم صبغات الشعر يوماً، لم يرتفع خطر الإصابة بالسرطان أو الوفاة في المجموعة التي اعتادت على استعمال صبغات الشعر الدائمة.

عند تقييم أنواع محددة من السرطان، ارتفع خطر الإصابة بسرطان الخلايا القاعدية (إنه النوع الأكثر شيوعاً من سرطان الجلد) بدرجة بسيطة لدى مستخدمي صبغات الشعر. كذلك، بدا وكأن مخاطر بعض أنواع سرطان الثدي والمبيض ترتفع تزامناً مع استعمال الصبغات الدائمة لفترة طويلة. لوحظ أيضاً أن المرأة ذات الشعر الداكن طبيعياً تكون أكثر عرضة لسرطان الغدد الليمفاوية "هودجكين"، بينما تكون المرأة ذات الشعر الفاتح طبيعياً أكثر عرضة لسرطان الخلايا القاعدية.

كان الباحثون حذرين عند طرح نتائجهم وأكدوا على ضرورة إجراء أبحاث إضافية لفهم حقيقة هذه الروابط. كذلك، يجب أن يتذكر الجميع أن ظهور هذا النوع من الروابط لا يثبت وجود علاقة سببية بين مختلف العوامل.

دراسة محدودة رغم أهميتهاكانت الدراسة الأخيرة كبيرة ومُصمّمة بطريقة متقنة وارتفع فيها مستوى تجاوب المشاركين. حلل الباحثون بيانات مفصّلة وتمكنوا بذلك من تحديد مستوى ارتباط مخاطر السرطان باستعمال صبغات الشعر الدائمة أكثر من عوامل خطر محتملة أخرى.

لكن كانت هذه الدراسة محدودة على مستويات عدة أيضاً. في المقام الأول، كانت معظم المشارِكات ممرضات من أصل أوروبي، ما يعني أن النتائج لا يمكن تطبيقها بالضرورة على الرجال أو جماعات عرقية أو إثنية أخرى. كذلك، لم تأخذ الدراسة بالاعتبار جميع عوامل الخطر المُسببة للسرطان (مثل التعرّض للمبيدات الحشرية ومواد كيماوية بيئية أخرى). ولم تُجمَع بيانات حول منتجات الشعر الأخرى بل اقتصرت على صبغات الشعر. وربما أخطأت المشارِكات في تصنيف نوع صبغات الشعر، فاستعملن أنواعاً طبيعية أو شبه دائمة لكنهنّ اعتبَرْنَها صبغات دائمة. ونظراً إلى غياب بيانات وافية حول لون صبغات الشعر المستعملة، افترض العلماء أن ذلك اللون قريب من درجات الشعر الطبيعية. لكن قد يؤثر هذا الافتراض سلباً على تقييم مستوى التعرّض للمواد الكيماوية. هذا ما يحصل مثلاً حين تتعرض المرأة ذات الشعر الداكن لكميات إضافية من المواد الكيماوية نتيجة تجريد الشعر من مواده الصبغية الداكنة الطبيعية.

مع أم ضد صبغ الشعر؟

بعد انتهاء وباء كورونا، قد يفكر البعض بصبغ شعره مجدداً. توصلت الدراسة الأخيرة إلى الاستنتاجات الأساسية التالية:

• لم يكن الاستعمال الشخصي لصبغات الشعر الدائمة مسؤولاً عن زيادة مخاطر معظم أنواع السرطان أو حالات الوفاة المرتبطة بها. إنها نتيجة مطمئنة، لكن تبرز الحاجة إلى مراقبة سلامة الناس باستمرار.

• لا بد من إجراء أبحاث إضافية لتحليل تأثير الخلفية العرقية والإثنية، وألوان صبغات الشعر (الألوان الفاتحة مقارنةً بالداكنة)، وأنواع السرطان الفرعية، ومستويات التعرّض للمواد الشائكة (مقارنة الاستعمال الشخصي بالاستخدام المرتبط بمهنة تصفيف الشعر).

• رصدت هذه الدراسة روابط محتملة بين استعمال صبغات الشعر الدائمة وزيادة مخاطر بعض أنواع السرطان، لكن ما من أدلة جديدة وكافية لإطلاق توصيات واضحة حول استعمال الصبغات الدائمة. إلى حين ظهور معلومات وافية عن هذا الموضوع، من الأفضل أن يقيّم كل فرد تاريخه الشخصي والعائلي حين يقرر استعمال صبغات الشعر الدائمة. إذا ساورتك أي شكوك، استشر الطبيب لتلقي توجيهات إضافية.


MISS 3