نوال نصر

هل دخلت مستشفى البترون نار جهنم؟

لقاح المياه والملح بدل فايزر... القصّة الكاملة

15 تموز 2021

02 : 00

مستشفى البترون
هلموا الى التطعيم: فايزر، أسترازينيكا، سينوفارم، سبوتنيك... لكن ماذا لو أتاكم الطعم بمكوّني الملح والمياه؟ هناك، في مستشفى البترون، أكل المئات "الضرب" فلُقحوا من أشخاص "بلا أخلاق"، مجرمين، بمياه المصل وما زالوا أحراراً طلقاء! إنها جريمة ضدّ الإنسانية في لبنان الجريح المنكوب على كل الأصعدة الذي أتاه من عبثوا بصحة الناس فيه بلا رفة جفن ويسعون، بإشارة ما، الى تلبيس الجرم الى آخرين! فماذا في التفاصيل؟




لا يلتقي إثنان في مدينة البترون وقرى القضاء إلا وتحلّ أخبار الجريمة ثالثهما. ثمة يا شعب لبنان العظيم مجرمون يرقصون على دمائكم ويشربون النبيذ والعرق ويدخنون النرجيلة والسيكار وهم يقهقون. فهل نحن في دهاليز جهنم؟

وزارة الصحة العامة تُحقق. النيابة العامة تلقت دعوى في الموضوع. ومنظمة الصحة العالمية يفترض أن تتحرك. فما حدث ليس قليلاً أبداً ويفترض ان يجري حوله تحقيق اللهمّ ألا يكون من عبثوا في صحة الناس "محصّنين"! بدأت القصة حين انتقل أحد من ظنّ انه أخذ لقاح فايزر في مستشفى البترون الى مختبر قريب ليفحص نسبة المناعة التي كونها فجاءت النتيجة صفراً. اتصل بقريب نال ايضاً اللقاح فأجرى الإختبار وأتت نتيجته مماثلة. فسرى الخبر وكبر كما كرة الثلج فتبيّن ان المئات لقحوا بالمياه والملح.


سيزار وسيلين زكريا... وكاسكم



اللقاح بعشرين دولاراً

المتهمة الأولى سيلين زكريا، الممرضة التي طُردت منذ وقت من المستشفى بسبب سلوكياتها، وعادت إليه من بوابة بلدية أميون، لتشارك في عملية التلقيح. كل الأدلة تشير الى تورطها في الجريمة. سيلين هي قابلة قانونية sage femme، كانت تعمل في مستشفى البترون قبل ان يرفع بها زملاؤها وزميلاتها، ممن حبست بعضهم في الحمام وأقفلت الباب عليهم وضربت إحداهن، عشرات التقارير عما تقترفه من سوء معاملة فطُردت. وأتت جائحة كورونا فعينتها بلدية أميون من قبلها مسؤولة عن أخذ عينات PCR من البيوت ومتابعة عملية التلقيح في المستشفى. وبدأت "تنغل" على مسرحها. كل الإتهامات موجهة إليها، يعاونها شقيقها سيزار زكريا المسؤول عن مختبر الدم في المستشفى وصوره عبر السوشال ميديا كثيرة مع "إبن بيّ الكلّ" المدلل جبران باسيل، ووالدتها تدير كافيتريا المستشفى. والمعلومات التي راجت حكت عن مئات الأشخاص الذين وعدتهم أنها قادرة أن تعطيهم لقاح فايزر خارج المنصة. وُعدوا فلبوا. وكانت تحصل، على ما قيل، على بقايا اللقاح والقناني الفارغة من المختبر المسؤول عنه شقيقها وتخلطها مع المياه والملح وتلقح بها "الجهلة" في الكافيتريا والبيوت والسيارات مقابل عشرين دولاراً بدل اللقاح الواحد.

هكذا انطلقت الجريمة. وحين ظهر الجرم ادعت ان طبيب القلب الدكتور جورج طنوس، المسؤول عن مركز التلقيح في المستشفى، شاركها الفعل من خلال إعطائها اللقاحات. لكن، كل من يعملون في المستشفى وكل فاعليات البترون "يشكون بأنفسهم ولا يشكون بالطبيب غنطوس". فهو، بحسب أمين سر اللجنة الطبية في مستشفى البترون الدكتور الياس غصن "آدمي جداً". النائب فادي سعد يشاطره الرأي ويقول "سيتقدم الدكتور طنوس بدعوى اليوم (البارحة) وإذا لم يفعل سأفعل بنفسي ذلك". الدكتور جورج طنوس (زوج الإعلامية ريما عساف) تقدم بالفعل البارحة بدعوى. فماذا لديه ليقول؟ يجيب "رفعتُ دعوى في النيابة العامة في طرابلس من أجل إجراء تحقيق جدي يذهب بما حدث حتى النهاية وليتحمل كل طرف مسؤولياته كاملة".


الدكتور جورج طنوس


دعوى من الدكتور طنّوس

هل رفع دعوى ضد مجهول؟ يجيب "رفعت الدعوى ضد كل من لفق وكذب وتطاول وأعطى اللقاح المغشوش". هل نفهم من ذلك أن دعواه ليست ضد سيلين زكريا مباشرة؟ يجيب "إنها دعوى ضدّ كل من يستأهلون، وتركت لإدارة المستشفى تحديد الأفعال المشينة". لكن، لماذا هناك من تجرأ وتطاول على اسمه؟ يجيب "ربما لأنني مسؤول عن مركز التطعيم. ومركزنا هو في الخيمة. وكل اللقاحات فيه قانونية مئة في المئة وجرت وفق المقاييس التي حددتها المنظمة ووفق المواعيد المحددة وإرشادات وزارة الصحة، لكن ما حدث اننا عرفنا قبل اسبوع بوجود لقاحات مزيفة تعطى في الكافيتريا والبيوت وعلى الطريق وهي كثيرة. من فعلوا ذلك أناس بلا ضمير بحق الناس وأرادوا تشويه سمعتي".

البارحة وصلت لجنة تحقيق من وزارة الصحة وجلست سيلين زكريا أمامها وكأنها ما فعلت شيئاً. فهل نحن في الحضيض أخلاقياً؟ وهل يتحمل المواطنون الذين استجابوا الى من زيفوا اللقاح مسؤولية مماثلة لمن أجرم في حقهم كونهم أتوا من خارج المنصة؟ يجيب الدكتور فادي سعد من الآخر: "صحة الناس ليست لعبة. إنها ليست للمتاجرة. والمواطنون وقعوا ضحية فساد المرتكبين. ونحن لن نبقى متفرجين أمام مسؤولية هؤلاء الأخلاقية والقانونية. فالممرضة، أي ممرضة، لا يحق لها تطعيم المواطنين في البيوت من دون إشراف طبيب وخارج المركز، كما لا يحق لها تقاضي اموال مقابل لقاحات يفترض ان تكون مجانية، كما انها باعت الوهم. فماذا لو أصيب من يظن نفسه محصّناً ولديه مناعة ومات؟".

فظيعٌ ما حصل في مستشفى البترون. فظيعة هي من مارست هذا الفعل. والأنكى أن المتهمة الأولى أتت أول البارحة الى المستشفى، بحسب الدكتور سعد، مع صحافيين لترمي "فعلتها" على آخرين. هي حاولت لكن هل نجحت؟ الدكتور طنوس على ذمة الخصوم قبل الأقربين من الأطباء الأكثر تميزاً، هو من يسدد من جيبه الخاص كلفة ما يعجز عن سداده مرضاه من فقراء لبنان وما أكثرهم. هذا الطبيب من قلة قليلة جداً ما زالوا في مستشفى البترون ممن لا ينتمون الى "سلطة الأمر الواقع". فماذا عمن يحكمون ويقررون ويعينون ويقيلون؟


النائب جبران باسيل



بين الخيمة والكافيتريا

أحد الأطباء ممن تركوا المستشفى وهم في الأصل ينتمون، أو كانوا ينتمون الى التيار الوطني الحرّ، "تكلم بأصله": "المستشفى مليئة اليوم بالفساد. والتطعيم القانوني يتم في المركز، الذي هو كناية عن خيمة، يديرها الطبيب جورج طنوس وهي في حرم المستشفى، أما التلقيح المزيف فتمّ في الكافيتريا الواقعة عند مدخل المستشفى. هناك، في الكافيتريا، كانت تحصل الجريمة عشرات المرات يومياً. وهناك كانت تركب "الأفلام والمسلسلات" على أيدي القابلة. هي طُردت من المستشفى وكل زملائها السابقين يتحدثون عن شراستها وكانت "لا تطاق". والناس صدقوها وكثيرون كانوا يدفعون عشرين دولاراً بدل أن ينتظروا في الصف دورهم. أقدم هؤلاء على أخذ هذا اللقاح عن جهل. ويُحكى أن إحدى العاملات في المنصة خضعت لرشوة مقدارها 500 دولار لتسجيل إسم، لم يرد على المنصة، لكنها رفضت. هي آدمية أيضاً. والآدميون يركبون لهم أفلاماً. وأنا شخصياً ذهبت مراراً الى التفتيش المركزي تحت حجج واهية وقررت في النهاية الإبتعاد. فالمستشفى باتت في أيدي حزب معين، بدليل أنهم أتوا بطبيب كلى من الضاحية بديلاً عني. فساد هائل. "حزب الله" يمسك حالياً مستشفى البترون ومن يصمد فيها هم من يتبعون جبران باسيل. فهو من عين مسؤول المختبر وهو من أعطى حق الإستثمار للكافيتريا وهو من وضع مسؤول المأكولات والمشروبات في المستشفى".

وحده الطبيب طنوس ليس محسوباً على فئة في بلد يعتبر من ليس لديه مرجعية حزبية العنصر الأضعف.


كل من تلقّحوا داخلها بأمان



لا مسؤولية للمستشفى

ما رأي الدكتور الياس غصن، أمين سر اللجنة الطبية في مستشفى البترون؟

يؤكد الطبيب على أمرين: "كل من تلقى اللقاح من خلال المنصة الرسمية، في الخيمة، في أمان، ولا إشكالية حوله ولا يفترض أن يخاف، أما من تلقوه خارج الخيمة فيفترض أن يتأكد من مناعته" ويشرح "هناك إحدى الممرضات، ممن طردن من المستشفى لأسباب إدارية، كانت تعطي لقاحات غير صحيحة. والمستشفى لا تتحمل أي مسؤولية. ونحن كلجنة طبية أصدرنا بياناً وطالبنا بالتحقيق والمساءلة. أما في خصوص ما وردنا من المتهمة عن تورط أحد الأطباء وهو رئيس اللجنة الطبية الدكتور جورج طنوس فهو إشتكى لأن هناك قدحاً وذماً به وهو من اعتاد أن يدفع كلفة طبابة كل محتاج. نحن تعجبنا كثيراً لأنها أصرت على إيراد اسمه، لذا نريد التحقيق في الموضوع بلا لفلفة ولا تمييع ومن دون أي تدخل سياسي. ولن نسكت عن الموضوع".

تتكرر جملة "وجوب عدم لفلفة الموضوع سياسياً" فهل هذا إيذان بأن هناك من قد يتدخلون سياسياً؟


النائب د. فادي سعد



بلديات بترونية كثيرة تتابع الموضوع. رئيس بلدية شبطين طوني أديب عبود يتابع الموضوع عن كثب وقد أعاد التأكيد"أن كل من أخذ اللقاح من خلال المنصة (من الخيمة) لا غبار عليه ولا شك حول فعالية ما أخذ" ويشرح "هناك جرم وهناك أناس قبلوا أن يساعدوا في إتمام هذا الجرم بأخذ اللقاح في شكل غير قانوني و"طلعت براسن" فقد أخذوا لقاحاً مزيفاً. وأقول ان ذاك المجرم من صنع أيديكم. غُرر بكم وأنتم إستجبتم. يضيف: نحن كرؤساء بلديات البترون والقائمقام ورئيس إتحاد البلديات في القضاء ندرك أن الضرر الذي حصل كبير. ونحن متأكدون من الأطباء (ومن الطبيب) الذين أوكلوا بأعمال المنصة وسنتابع الموضوع الى الآخر. والجرم قد يحدث في كل مكان ولو كان الناس يعرفون مسبقاً به لما حدث. على أمل ألا يضرب أحد بالحجارة على مستشفى البترون فالجرم فردي، ويفترض عدم وضع الجميع في ميزان واحد".

هناك محاولة من المتهمة لإلباس الجريمة الى بعض الأطباء على رأسهم جورج غنطوس وشارل زعيتر والياس غصن. هذه جريمة كبيرة وإستسهال إلباسها الى آخرين جريمة أكبر. والسؤال، هل يعقل ان الأجهزة الأمنية، التي لا يبنى جدار في القضاء إلا و"تطبّ" عليه، لم تنتبه الى ما كان يحدث؟ السؤال الآخر، ألم يسأل من تلقوا اللقاح عن الشهادة؟ هناك قناعة أن ما كُشف صدفة في البترون وراءه شبكة كبيرة تنتشر على امتداد لبنان. وإذا صحّ ذلك فكلنا في خطر. وهناك سؤال آخر أيضاً، كيف لم تتوقف الممرضة على الفور علماً أن التوقيف يتم على الشبهة وما حصل قصة جناية؟ وهل وزارة الصحة هي المرجعية الأولى في التحقيق مع العلم أن ما حدث ليس خللاً إداريا بل جناية موصوفة؟