خالد أبو شقرا

رياض سلامة إلى التحقيق: تبييض... اختلاس... تزوير...

20 تموز 2021

02 : 00

لا تكاد تخرج قضية اتهام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بجرائم مالية من باب نفيه الإدعاءات وتشديده على أن أمواله قانونية وجمعت مما ورثه، وعبر مسيرته المهنية، حتى تعود وتطل من شباك تحريك الملف في الداخل او الخارج. وجديد المعطيات استدعاء النيابة العامة التمييزية الحاكم لاستجوابه كمشتبه به في جرائم تتصل باختلاس وتبييض الأموال والتزوير والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي.

هذا التطور "ينقل الملف برمته إلى مرحلة متقدمة وأكثر جدية مقارنة مع ما شهدته الفترة السابقة. حيث كان يقتصر استدعاء الحاكم للاستماع اليه وفقاً لطلب المعاونة القضائية مع السلطات السويسرية التي تحقق في دعاوى مقامة ضده"، يقول المحامي كريم ضاهر. وقتها كان هناك تعجّب كبير من عدم مواكبة القضاء اللبناني القضاءين السويسري والفرنسي والتوسع بالتحقيقات داخلياً، في ظل كل الإتهامات الخطيرة المنسوبة للحاكم، وما يمكن أن تكون قد سبّبته من انعكاسات سلبية على الأزمة. وبحسب ضاهر فان "الإجراءات العملية والفعلية بدأت مع تعيين القاضي جان طنوس واستلامه الملف. حيث باشر بحسب المعلومات بمداهمة مكتب شقيق الحاكم رجا سلامة، والإستماع لشهادات بعض نواب الحاكم السابقين وأعضاء المجلس المركزي. الأمر الذي وفّر للقاضي معطيات كافية ووافية لاستدعاء الحاكم للتحقيق معه كمشتبه به وليس شاهداً".

ما يثير الإنتباه في التهم التي بني عليها الإستدعاء هو عدم اقتصاره على الإتهامات القديمة المرتبطة بالإختلاس وتبييض الاموال، بل تخطيها، بحسب ضاهر، إلى معطيين أساسيين: الأول يتعلق بالتهرّب الضريبي، وهو الموضوع الذي كان المدعي العام المالي في سويسرا قد ذكره بطريقة غير مباشرة. أما المعطى الثاني المستجد فهو الإتهام بالإثراء غير المشروع. فهذا المعطى هو من المواضيع المدرجة في الدعوى الفرنسية المقامة ضد الحاكم والتي فُتح بها إجراء قضائي، وتم توكيل القضاة أنفسهم الذين حققوا في ملفات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون. من هنا فان إناطة ملف الحاكم بأهم القضاة الماليين في فرنسا تبرهن عن مدى جدية الدعوى وأهمية الملف بالنسبة للقضاء الفرنسي، الذي يتمتع باستقلالية مطلقة عن التدخلات السياسية.

خلافاً لمحاولة البعض تسخيف الملف أو تمييعه في الإعلام وإطلاق الإتهامات المسبقة بعدم إمكانية وصوله إلى اي نتيجة، فإن "القضاء اللبناني لم يعد قادراً على الوقوف مكتوف اليدين"، يقول ضاهر، ذلك أن الضغط الآتي من الخارج هو الذي أصبح يتحكم بسرعة وجدية تقدم الملف على الصعيد الداخلي. والقضاء المحلي سيكون مضطراً للتوسع بالتحقيقات لإجابة النيابة العامة الفرنسية على اسئلتها، وتزويدها بكل المعطيات المتصلة بالملف. وهي المعلومات التي تتعلق بإظهار عقد تحويل الاموال أو السؤال عن ماهية تضارب المصالح الموجودة اليوم في مصرف لبنان وغيرها الكثير من الأسئلة المتصلة.

ومن وجهة نظر ضاهر فان التحقيقات ستطال مبلغ 326 مليون دولار المحول من مصرف لبنان إلى حساب شركة "فوري أسوسيتس" التي يمتلكها رجا سلامة، وما إذا كان شقيق الحاكم المقيم في لبنان قد دفع عليه ضريبة الأرباح المحددة بـ10 في المئة. أما بخصوص المبالغ التي وصلت الى حسابات الحاكم من "فوري"، سواء كانت مليوناً او مليونين أو 7 ملايين دولار، فهل كانت هبة أو لقاء خدمة معينة؟ فاذا كانت لقاء خدمة قام بها الحاكم لحساب شركة "فوري" فهذا يعني تضارب مصالح ومخالفة المادة 20 من قانون النقد والتسليف؛ أما اذا كانت هذه الاموال كناية عن هبة، فهل دُفعت ضريبة عليها وفق المرسوم الاشتراعي 146/59 المتعلق برسوم الإنتقال.

الدعوى حسبما يظهر "مبكّلة" من جميع الجهات، فان "زمط" الحاكم من دعوى تهريب وتبييض الأموال فسيعلق بالإثراء غير المشروع، وإن لم يعلق بالاخيرة، فسيقع في دعوى تضارب المصالح والحالات الموصوفة في قانون العقوبات (المواد 351 وتوابعها أي تلك التي تتعلق بالإختلاس وصرف النفوذ وسوء استعمال المركز). وعلى حد وصف ضاهر فإنّ "ما يجري اليوم على الصعيدين المحلي والدولي هو أشبه ما يكون بفتح "Pandora's box"، والذي هو بحسب الميثولوجيا الإغريقية، صندوق يتضمن كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة... والقضاء اللبناني سيكون ملزماً بالسير في الملف حتى النهاية.


MISS 3