مايا الخوري

في مواجهة الوضع الإقتصادي الصعب

المعالِجة النفسية مارتين أبي زيد: قولوا الحقيقة لأولادكم

27 تموز 2021

02 : 00

مارتين الزغبي ابي زيد
غلاء معيشي، بطالة، أزمة إقتصادية حادّة، ضغوط كثيرة تُلقي بثقلها على اللبنانيين الذين فُرضت عليهم تغييرات جذرية في نمط حياتهم اليومية، خصوصاً أرباب العائلة الذين ينظرون بحسرة إلى رفوف السوبرماركت، يحسبون ما تبقّى في جيوبهم للتوفيق ما بين رغبات الأولاد وتأمين الحاجات الأساسية اللازمة لتمرير الأزمة بأقلّ خسائر ممكنة. يسمع الأولاد ذويهم يشتمون الأوضاع التي حلّت بالبلاد والعباد، يتابعون نشرات الأخبار المسائية بتقاريرها المحبطة وما يسجّله الدولار في السوق السوداء، فكيف يمكن التحدث إليهم بشفافيةٍ من دون أن يفقدوا الشعور بالأمان؟

"ما تعصّب" "هدّي البال" "بكرا بتنحل وبتفرج"، كلمات لا تنفع في الأزمات، ولا تهدّئ غضب الأب المكبّل، غير القادر على تأمين لقمة عيش عائلته. وهي لا تمسح طبعاً دمعةً بين المقلتين، عندما يسأل طفل صغير عن لعبةٍ أو سكاكر أو حتّى كوب حليب!

لكن مهما إزداد الوضع سوءاً نحن مدعوون جميعاً إلى الحفاظ ولو قليلاً على التوازن النفسي في المنزل أمام الأولاد والسبب "تمتّع الأطفال برادارٍ يلتقط القلق الذي يعيشه الوالدان والمتغيرات العائلية. وبالتالي، قد يلاحظون أثناء مرافقة والدتهم إلى السوبرماركت، إنفعالها وتعابير وجهها أمام غلاء الأسعار"، بحسب المعالجة النفسية مارتين الزغبي أبي زيد التي تشير الى أنّه "يُفضّل مصارحتهم بحقيقة الوضع الإقتصادي، بدلاً من إكتشافها بأنفسهم، وتحليلها على ذوقهم. لأن تحليلات الأولاد خطيرة جداً وقد تبلغ مراحل مؤذية أكثر من الواقع بحد ذاته".

اذاً، يجب مصارحة الأطفال بالحقيقة كما هي، مستخدمين وفق أبي زيد كلمات بسيطة تناسب سنّهم. ولكن، مهما تفاوتت الأعمار، علينا إطلاعهم على كيفية التمييز ما بين الحاجة والرغبة. حيث تتمثّل الأولى بالمأكل والمشرب والنوم والهواء النظيف والثانية بالسفر والنشاطات وشراء الثياب والألعاب. بعدها نفسّر لهم، عدم قدرتنا على تحقيق الرغبات كلها، والإكتفاء بتأمين الحاجات الأساسية، مهما كلّف الأمر، وفق قدراتنا المالية في ظلّ الظروف الإقتصادية الصعبة.

صحيح أن إرتفاع أسعار اللحوم والحليب والدجاج فرض علينا التقنين على صعيد الحاجات الأساسية، إنما يجب، برأي أبي زيد "ألا يفقد الأولاد الشعور بالأمان، لنؤكد لهم، ببساطة أنهم لن يتناولوا منها يومياً. ما يقطع الطريق أمام تحليلاتهم الشخصية بأنهم سيموتون جوعاً". وتشددّ على "ضرورة شطب عبارة "سنموت جوعاً" المؤذية جداً من يوميات أولادنا والتي يسمعونها في الأخبار وعبر "السوشيل ميديا" وفي اللقاءات الإجتماعية"، مضيفةً: "أولادنا مهمومون أساساً بسبب "كوفيد 19" الذي أجبرهم على ملازمة المنزل منذ عامين، فلنبق إذاً تحليلاتنا السياسية وتوقعاتنا المستقبلية لنا، وعدم مشاركتهم إيّاها".

أثبتت دراسات أن من عاش مرتاحاً يتأثر أكثر بالأزمة الإقتصادية ممن عانى الحرمان أساساً، لذا سينعكس الوضع الحالي برأيها، إحباطاً كبيراً لدى الأولاد. من هنا تدعو إلى تفهّم ما يعيشون، والتحدث إليهم عمّا عانينا منه نحن في زمن الحرب، وكيف إختبرنا ظروفاً ومشاعر مماثلة. مؤكدين أيضاً حقّهم بحياة طبيعية تتوافر فيها الثياب والألعاب والنزهات. والأهم هو مشاركتنا لمشاعرهم والتعبير عن وجعنا أيضاً بسبب عدم قدرتنا على تغيير الواقع. لكن اللبناني بحسب أبي زيد، معروف بإبداعه وقدرته على إبتكار أسلوبٍ للصمود لذا من المهم أيضاً، التفسير لأولادنا أن هذه الأزمة الصعبة ستزول حتماً ويمكن تخطيها بفضل قوّة العائلة، القادرة بوحدتها على إيجاد مخرجٍ يخفف من وطأة الأزمات.

أهمية دور الأم


إلى ذلك، تعوّل أبي زيد على دور الأم في تخطي هذه الظروف، لأن نفسية الأولاد تكون عادة إنعكاساً لنفسية والدتهم، سواء كانت مكتئبة أو قلقة أو قويّة، وبالتالي كلما ضبطت أعصابها وأخفت قلقها، خفّ تأثّرهم. وكلمّا عبّرت بطريقة بسيطة وعادية عن تغيير نمط الحياة، خففّت من وطأة التأثير السلبي عليهم. ولا تُخفي قلق الأولاد الذين يزورون عيادتها بسبب الواقع الإقتصادي في البلد، فهم يعبّرون عن خشيتهم من إبداء رغباتهم لوالدتهم، لئلا يجرحون مشاعرها، ولئلا تحزن بسبب عدم توافر المال لتأمين ما يريدون.

لا يمكن الحديث عن البطالة وتردّي الأوضاع الإقتصادية في البلد، من دون الإلتفات إلى إنتقال عدد لا يستهان به من طلاب المدارس الخاصة إلى الرسمية، فأي إنعكاس لذلك على نفسية الأولاد؟ تُجيب: "إن تغيير المدرسة مرادف لتغيير البيئة التي إعتاد الأولاد عليها. لذا أدعو الأهل عند إتخاذ قرار مماثل الإنتباه إلى كيفية التحدث مع أولادهم في هذا الإطار. من المهمّ جداً عدم التقليل من شأن المدرسة الرسمية أمامهم والقول بإنها أقل مستوى من مدرستهم الأساسية لأنهم سيشعرون حتماً بالتراجع الكبير. بل على العكس، يجب أن نشرح لهم بأن إنتقالهم سيكون إلى مدرسة مجّانية تقدّم المستوى التعليمي نفسه على صعد البرامج والكتب والأساتذة، وبالتالي سيكتسبون المهارات نفسها ليتخرجوا ويتخصصوا في الجامعة، عندها سيتقبّلون هذا التغيير".

ورداً عن سؤال حول المشكلات النفسية التي يمكن أن يعاني منها الأولاد بسبب الحرمان المستجدّ بعد الأزمة الإقتصادية، تقول: "ينظر الطفل المكتئب إلى الأمس مقارناً ما بين مكتسبات الماضي وحرمان اليوم. تتمثّل عوارضه بالحزن والإنطواء، البكاء الدائم وعدم الإبتسامة، النشاط الخفيف، عدم الرغبة باللعب، واللااستقرار في النوم والأكل. كما يمكن أن يعيش إكتئاب أهله، شاعراً بأن حياته إنتهت كونه لا يستطيع العيش كما في السابق. أمّا حالات القلق، فمرتبطة بالنظرة إلى المستقبل، مثل قلقه من عدم العودة إلى المدرسة، أو من تناول اللحوم أو إرتياد المسابح ومدينة الملاهي مثلاً. تتوّجه أسئلة الولد القلق إلى المستقبل، وتتمثل عوارضه بالبكاء التلقائي والإنفعال السريع وعدم القدرة على ضبط النفس. ويمكن أن يؤدي القلق المفرط إلى الإكتئاب أيضاً. لذا يجب الإنتباه إلى بعض التفاصيل لندرك ما إذا كان الولد مرتاحاً أم لا، مثل مراقبة نشاطه اليومي وشهيّته ونومه".

من جهة أخرى، تُطمئن أبي زيد إلى قدرة الأولاد على التأقلم السريع، وعلى فهم الأمور بطريقة بريئة. فتكون وطأة الأزمة خفيفة عليهم شرط "سيطرة الأهل على ردود الفعل وتخفيف الدعاء والشتائم أمامهم". داعيةً إيّاهم إلى منعهم من متابعة الأخبار المسائية والتقارير الإجتماعية المصوّرة في الطرقات، لأنهم سيسمعون أشياء تفوق قدرتهم على التحمّل.

نــــصــــائــــح نــــفــــســــيــــة

تؤكد أبي زيد أن نصائحها لا تصبّ في إطار التنظير خصوصاً أننا نواجه جميعنا ظروفاً صعبة، لكننا نتحمّل كأهل مسؤولية ألا يعيش أولادنا عبء تعبنا في المنزل، إضافةً إلى الضغوط التي يشعرون بها أساساً. لذا ترتكز المتابعة العيادية على توجيه الأهل أولاً، بسبب حاجة الأولاد إلى الشعور بالأمان، وبأن أمهم وأباهم، هما سندهم في الحياة. فإذا لم يعد سندهم مصدر أمانٍ، نقع في مشكلة حقيقية، وتقول: "أحترم من إتخذ قرار الهجرة لتوفير الأمان المفقود في لبنان. فهو وجد الحلّ هناك، فيما بحث بعضهم عن عمل إضافي، وحدد بعض آخر الحاجيات والرغبات للتأقلم مع الواقع المستجدّ. لذا مهما إختلفت أساليبنا يبقى بحثنا كلنا عن الأمان المناسب لعائلتنا هو الأساس وكل ما يلزم، لأن غيابه يُرعب الأولاد ويسبب لهم القلق المزمن".

وعمّا إذا كانت تتخوّف من إرتدادات هذا الواقع على مستقبل الأجيال الناشئة، تقول: "أتوقع بعد 5 أعوام، نسبةً تعاني من الإكتئاب ونسبة أخرى من القلق. لذا كلما سيطر الأهل على الوضع وتأقلموا نوعاً ما مع الواقع، خففوا من وطأة الظروف على الأولاد. فعندما تنقطع الكهرباء مثلاً، بدلاً من شتم الدولة والوزراء والنواب وإحباط أولادنا، فلنستغلّ هذا الوقت للسير معهم في الطبيعة أو الخروج. وفي حال لم تستطع العائلة شيّ اللحوم يوم الأحد، يمكن إيجاد البديل المفيد للصحة أيضاً بدلاً من الشتم".

ختاماً، توّجه أبي زيد نصيحة إلى الوالدين، بأن يكونوا كطائر الفينيق القادر على بناء ذاته من تحت الرماد وأن يشكّلوا السند الدائم لأولادهم، ليدرك هؤلاء بأنهم قوّتهم مهما اشتدّت الصعوبات، فيؤمنوا بأنهم قادرون على فعل المستحيل من أجلهم، وتختم حديثها قائلةً: "لا تعكسوا قلقكم وغضبكم عليهم، بل جنّبوهم المشكلات الكبيرة. كونوا صريحين وقولوا الحقيقة لهم بكلمات بسيطة تشعرهم بالأمان والإستقرار".