خالد أبو شقرا

الفساد والتقاسم الطائفي والعمل للمنفعة الشخصية... أسباب المشكلة

لبنان أمام الامتحان الأصعب

27 أيلول 2019

02 : 05

بقدر ما تثير القلق وتبعث الخوف في نفوس العامة، بقدر ما تستفزّ الأزمة الإقتصادية والنقدية التي يمرّ بها لبنان الخبراء والمسؤولين، وتدفع بهم الى التعجّب والتساؤل عن عدم المباشرة بتنفيذ الحلول الإنقاذية، رغم توفّر الإمكانات والخبرات العلمية. ثلاثة وزراء مال وإقتصاد سابقون يوصّفون الواقع ويطرحون الحلول من وجهة نظرهم.

رغم اختلاف الحقبات والتوجهات السياسية والاقتصادية، يتفق كل من جورج قرم (وزير المال في حكومة سليم الحص، بين العام 1998 والعام 2000)، ياسين جابر (وزير الاقتصاد في حكومة رفيق الحريري بين العام 1995 والعام 1998)، ورائد خوري (وزير الاقتصاد في حكومة سعد الحريري بين العام 2016 والعام 2019)، على ان الفساد والتقاسم الطائفي والعمل للمنفعة الشخصية، هي أسباب المشكلة الواقع فيها لبنان، وما يأتي بعدها من أزمات نقدية وعجوزات تجارية وتراكمات ديون محلية وعالمية وتدهور ميزان المدفوعات، هي نتائج وليست أسباباً، لا يمكن معالجتها إلا بالقضاء على المسببات الرئيسية.قرم: لتخفيف وطأة الأزمة

"بدنا تغيير سياسي شامل" يجيب قرم، ضاحكاً عن الحال لما وصلنا اليه من تعقيدات ومشاكل. "فالطبقة السياسية والمالية الحاكمة التي سمحت لقلة من المواطنين بمراكمة الثروات من خلال لعبة الاستدانة بالدولار الاميركي بفائدة 5 في المئة، وتوظيف القروض بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية بـ 25 و 30 في المئة، من دون أن تعود هذه العملية بأي فائدة على الإقتصاد أو أي نمو او إزدهار، هي أساس المشكلة الاقتصادية التي نعانيها، وعليه فان هذه الطبقة لن تكون أداة للحل بالتأكيد"، يقول قرم.

ولعل أخطر ما نواجهه اليوم، هو بروز توجه عام الى جعل الوضع اللبناني مشابهاً للوضع الذي كان سائداً في اليونان قبل الازمة، من خلال تحول بنية ديون البلد السيادية من الداخل الى الخارج، "فتسويق سندات اليورو خارجياً هي الغلطة الكبيرة التي ترتكب بحق الاقتصاد والبلد"، يقول قرم، ويضيف: "نحن نعيش في أسوأ نظام إقتصادي على الاطلاق والذي يتمثل في تعايش عملة قوية كالدولار مع عملة ضعيفة كالليرة".

هل هذا يعني إنعدام الحلول؟

يضيف:"كان بالامكان تصحيح المسار الخاطئ للاقتصاد خلال السنوات الماضية عندما كان ميزان المدفوعات إيجابياً وكنا نحقق فوائض مالية، أما اليوم وقد أصبح بعيد المنال فيجب التركيز على تخفيف وطأة الازمة، وتحاشي وصاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمقرضين الدوليين الخارجيين ومنهم "غولدمان ساكس" الذي أتى بوديعة منذ فترة قريبة الى لبنان. أما بخصوص ما يحكى عن تحرير سعر الصرف فيجب أن يكون تدريجياً وعلى فترات ومع توفر احتياطات كافية، بالرغم من أنه سيشكل نكسة لطبقة واسعة من العمال ومحدودي الدخل". جابر: الثقة أولاً

"إستعادة ثقة المواطنين الهارعين الى المصارف والجاهلين لمستقبلهم ومستقبل بلدهم، واعادة ثقة المجتمع الدولي واصدقاء لبنان وهيئات التصنيف، هي الاساس"، يقول جابر، وهي تتطلب "البدء فعلاً لا قولاً، بخطوات جدية في الاصلاح. فالانشاء لم يعد يفيد". ويسأل جابر ساخراً: "كيف يمكن الايمان بالتصحيح إذا كان إنشاء معمل للكهرباء في دير عمار يتطلب الانتظار أشهراً طويلة ليتم التقاسم بين فريقين أو أكثر؟ ومن سيساعدنا إذا كانت سلة أسئلة دوكان (المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" بيار دوكان) عن الهيئات الناظمة والاصلاح تعود فارغة الى الدول الداعمة من دون أي جواب شاف؟ لقد أفرغوا البلد والمؤسسات، من الكهرباء الى الاسواق المالية والمرافق الاساسية والهيئات الرقابية وغيرها".

ما الحل؟

يوضح "الأمور تصحّح نفسها فور البدء الجدي بعملية الاصلاح. المواطنون يطمئنون والمجتمع الدولي يعاود دعمه"، يقول جابر، ويضيف: "انما مع الاسف لغاية اللحظة لا يوجد أي حل. وها قد مضى اكثر من 24 يوماً على اجتماع بعبدا الانقاذي الذي وضع 22 بنداً للتطبيق ولا من حس ولا من خبر". خوري: ما كان يصح في الماضي لم يعد جائزاً اليوم

"إستعادة الثقة ووقف السرقة والهدر والفساد في القطاع العام"، عنصران يجب البدء بالعمل عليهما بحسب خوري، قبل ان "نقول مرحبا"، ومن بعدهما تأتي الكهرباء، "فمن غير المسموح بعد 30 عاماً على انتهاء الحرب، ألا تكون الكهرباء مؤمنة 24/24 وان تبقى تكلف الدولة مع (التقنين) حوالى الـ 3 مليارات دولار سنوياً. والمصيبة أن مشاكل لبنان لا تتطلب البحث عن تكنولوجيا مفقودة أو حلول مستعصية بل ان كل ما يتطلبه الامر البدء بالتنفيذ. كما يجب إصلاح نظام الجمارك من خلال تكليف شركة خاصة مثل "فيريتاس" كي تكشف على المستوعبات، وتحدد بلد المنشأ والمصدر والكمية والنوعية، لوقف عداد الهدر"."ماكينزي" جاهزة ولكن...

أمامنا بحسب خوري حوالى 5 الى 6 سنوات من الاصلاحات واستعادة الثقة وتقوية الانتاج الوطني كما نصت خطة "ماكينزي"، ومن المفترض بعدها أن نبدأ بانتاج الغاز ليدعم الاقتصاد. انما هذه السنوات الصعبة تتطلب البدء الجدي بعملية تنفيذ الخطط والاصلاحات، "فمن غير المفهوم الاستمرار بحالة المراوحة من دون أي تغيير جدي. فنحن نمر بمرحلة عقم في النظام السياسي غيرالمنتج يسببها مسؤولون بشخصيات متناقضة وقلة خبرة ومعرفة. فما كان يصح في الماضي القريب، لم يعد جائزاً اليوم في ظل كل ما يعانيه الاقتصاد من مشاكل. واذا لم نتخذ الخطوات الجدية فالمشكلة ستقع قريباً".


MISS 3