علاء غانم

هذا هو السعر الفعلي لقيمة الليرة اللبنانية

كيف يمكن لهذا البلد الصغير تجاوز أزمته الكبيرة؟

30 تموز 2021

02 : 01

ما هي القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية؟
تعتبر الأزمة المالية التي تمر على لبنان من أسوأ وأخطر الأزمات التي عانى منها بلد ما على مدى السنوات الـ 150 الماضية. في حين أن تراجع قيمة العملة أمر طبيعي في مثل هذه الحالات، إلا أن الفحص الدقيق لشركة "ادفيزري اند بزنس كومباني" (Advisory and Business Company "A&B") يظهر أن رد فعل السوق مبالغ فيه وأن القيمة الحقيقية للعملة اللبنانية يجب أن تكون أقوى من قيمتها في السوق الموازية.





تقوم دراسة "A&B" بتقييم الليرة اللبنانية وفقاً لتقنيتين مختلفتين هما المعيار الذهبي (The Gold Standard) وتعادل سعر الشراء (Purchasing Price Parity "PPP"). المعيار الذهبي هو حالة محددة من أسلوب مجلس العملة (Board Currency) حيث ترتبط قيمة العملة الوطنية بقيمة الذهب بدلاً من العملة الأجنبية. يفضل استخدام هذا النموذج في حال مرور الاقتصاد بمخاطر كبيرة ومواجهته لتحديات غير متوقعة. لا يأخذ هذا السيناريو في الحسبان الاحتياطيات القانونية في البنك المركزي ولا الاحتياطيات الأخرى بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي، وبهذه الطريقة لا ترتبط قيمة الليرة بهذه الموارد. بمعنى آخر، يمكن إعادة استثمار هذه المبالغ، بشكل أساسي في المشاريع التي تنمي الاقتصاد في المستقبل. وفقاً لطريقة المعيار الذهبي، تبلغ القيمة الفعلية لليرة اللبنانية 4566 لكل دولار أميركي.

إستخدمت "A&B" أيضاً طريقة تعادل سعر الشراء (PPP) كأداة إضافية للتقييم وهو الذي يقوم بتسعير العملة بالاعتماد على سعر السلعة المنتجة في بلد ما، مقارنة بسعرها في بلد آخر أي أنه يأخذ في الحسبان تعادل القوة الشرائية في تحديد ما إذا كان سوق الصرف الأجنبي يقوم بتسعير العملة المحلية بدقة. وفقاً لتقنية PPP، تم اشتقاق قيمة عادلة قدرها 5545 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي. هذا أقل بنسبة 68 في المئة من سعر السوق الموازي الحالي.

لا يمكن الوصول إلى هذه القيمة إلّا من خلال البدء بتطبيق إجراءات اقتصادية ومالية على أن تتبعها خطة شاملة. سنعرض في ما يلي أبرز هذه الاجراءات.

كيف نصل إلى هذه القيمة؟

يتجه لبنان إلى اعتماد خطة دعم مالي للأسر الفقيرة لمساعدتهم خلال هذه الأزمة. تؤمن شركة "A&B" بقوة أن هذا لن يساعد الاقتصاد ولا المجتمع، لأنه سيؤدي إلى استمرار تدهور القوة الشرائية للشعب اللبناني وسينقل البلاد إلى نموذج اقتصادي جديد وضعيف. بالمقابل، فإن زيادة الرواتب تعتبر حلاً أفضل من تقديم الدعم المالي لأنها ستساعد الناس على الحفاظ على قوتهم الشرائية، بينما ستتمكن الحكومة من تقليص قيمة الدعم الذي ستتكبّده. سيستفيد حوالى 420 ألف شخص بشكل مباشر من زيادة الرواتب، وخلال السنة الأولى من تطبيق زيادة الرواتب، تتوقع "A&B" أن التكلفة الإجمالية (الرواتب والأجور والتقاعد وتعويضات نهاية الخدمة) ستكون 9821 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل 561 مليون دولار أميركي، حسب سعر السوق الموازية البالغ 17500 ليرة للدولار الواحد. هذا يقارب نصف تكلفة الدعم المالي في حال إقرار البطاقة التموينية. سوف تتكيف أجور ورواتب موظفي القطاع الخاص تلقائياً وسيبدأ الاقتصاد دورة جديدة من النمو المتوازن.

سيتم تمويل الزيادة في الرواتب من خلال الزيادة المتوقعة في الضرائب والرسوم. ستطبق الحكومة سعراً بالدولار يعادل 4566 ليرة لبنانية / دولار أميركي في المعاملات الرسمية. سيتم احتساب الجمارك على المنتجات المستوردة وضريبة القيمة المضافة والضرائب الأخرى وفقاً لهذا المعدل. وفي الوقت نفسه، من الأفضل أن يتم تخفيض جميع معدلات الضرائب بمقدار الثلث لمدة 18 شهراً كمحفز للاقتصاد. يوضح نموذجنا المالي أن الإيرادات الحكومية ستكون كافية لدفع الرواتب الجديدة لموظفي القطاع العام بل وسينتج عن ذلك فائض ملموس. في الوقت نفسه، سيحصل الموظفون على دخل أعلى وسيتمكنون من دفع قيمة اسمية أعلى للمنتجات والخدمات. إذا تم تطبيق هذه التوصيات في النصف الثاني من العام 2021، تتوقع شركة " Advisory and Business Company" أن تصل الإيرادات الضريبية لكامل العام إلى 30.2 ألف مليار ليرة لبنانية، بينما تصل الرواتب والمصاريف المرتبطة بها إلى 16.5 ألف مليار ليرة، مما ينتج عنه فائض قدره 13.7 ألف مليار ليرة خلال العام الحالي. سيرتفع هذا الفائض في السنوات القادمة وهو سيُستخدم في تمويل نفقات تشغيلية أخرى، والنفقات الرأسمالية، ويمكن للبنان أيضاً سداد جزء من الفائدة على سنداته المحلية والدولية.

بالتوازي، لدى لبنان إمكانية استخدام أدوات مالية لإدارة السيولة بالليرة اللبنانية، منها إصدار أذون خزانة ذات أجل قصير (من 7 إلى 28 يوماً فقط). سيتم بيع هذه الأوراق المالية للأفراد والشركات المحلية، مباشرة أو من خلال وسطاء موثوق بهم. يمكن دعم هذه الأذونات ببعض الأصول، والأهم من ذلك أنه يمكن التحوط من أي تغيير هائل في سعر الصرف الأجنبي في السوق السوداء إذا لزم الأمر. ستقلل هذه الشروط من المخاطر وتشجع الأفراد والشركات على الاستثمار فيها، خاصة إذا كانت معدلات الفوائد تأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة. تكمن أهمية هذه الأدوات المالية في أنها ستستخدم لامتصاص السيولة بالليرة اللبنانية وإعادتها إلى القطاع المالي وإلى الحكومة مما يقلل الحاجة إلى طباعة النقود. بالإضافة إلى ذلك، سيتم استثمار بعض السيولة المتوافرة في السوق في هذه السندات ولن يتم تحويلها إلى الدولار الأميركي مما يقلل الطلب في السوق الموازية. سيبدأ الناس في الاستثمار في هذه الأوراق المالية من أجل تحقيق عوائد مرتفعة في فترة زمنية قصيرة. بعد أسابيع قليلة، سيتم بناء الثقة وسيبدأ الطلب على أذون الخزانة في الزيادة، ونتيجة لذلك يمكن أن تنخفض أسعار الفائدة وتطول فترة استحقاق السندات. توازياً، يمكن للبنان تأمين احتياجاته من العملات الصعبة من الحوالات الأجنبية وصادرات المنتجات والخدمات والسياحة بما فيها اليونيفيل والبعثات الديبلوماسية.

وبناءً عليه، سيتم الاحتفاظ بالاحتياطي القانوني من العملة الصعبة وسيساعد التقدم الإيجابي في الاقتصاد على بناء احتياطيات إضافية. سيتمكن لبنان من سداد جزء من قروضه وسيمتلك قدرة أكبر على إعادة جدولة المدفوعات. يمكن للاستثمار الأجنبي أن يدخل البلاد مرة أخرى لا سيما إذا انتهت الاضطرابات السياسية. من خلال التخطيط الصحيح، يمكن توجيه الاستثمار الأجنبي نحو القطاعات الإنتاجية، مما يشجع الإنتاج المحلي ويقلل عجز الميزان التجاري في المستقبل.

لبنان لديه القدرة لكنه يفتقد الإرادة

تعتقد شركة Advisory and Business Company أن لبنان لديه القدرة على تجاوز أزمته، لكن لا يمكن للعملة المحلية أن تصل إلى قيمتها الفعلية إلا إذا كان لدى صانعي القرار في البلاد الإرادة للقيام بذلك. أما إذا فشل صانعو القرار في تطبيق التصحيحات المطلوبة، فسوف تظهر احتياطيات العملات الأجنبية انخفاضاً إضافياً وستحتاج الحكومة إلى طباعة المزيد من الأموال. سيؤدي هذا إلى عدة سنوات من التضخم المفرط.