رفيق خوري

لبنان محكوم بأخطر من أسطورة "سيزيف"

31 تموز 2021

02 : 00

ليس ما يدور ويدار في لبنان سوى لعبة بلا قواعد. لعبة حكومة يراد تنظيم قواعدها وقت اللعب. لعبة حكم تكبر الرهانات فيها بمقدار ما يقل وزن الحكم ويزداد التحكم به. ولعبة مال تضيع خلالها ودائع الناس في المصارف بإشراف المصرف المركزي، بلا مسؤولية ولا محاسبة. فلا السباق مع الوقت الذي يقوم به رئيس الحكومة المكلف نجيب مقاتي يضمن تحقيق القول: تصبحون على حكومة. ولا تغيير المقاربة في التشاور بكل الممكن من المرونة في الأسلوب هو البديل من مواجهة الأساس والجوهر في الأزمة.

ذلك أن سقف التوقعات يبدو شديد الإنخفاض. لا فقط بالنسبة الى تأليف الحكومة بل أيضاً بالنسبة الى نوعيتها والوظيفة الممكنة لها. فالكلام على حكومة إختصاصيين مستقلين عن الأحزاب. لكن الفعل للبحث في حصص الأحزاب والمسؤولين وأمراء الطوائف، لأنه لا مهرب من المحاصصة. والآمال تتدحرج من "حكومة مهمة" إنقاذية الى المطالبة بأي حكومة. الحد الأدنى لمهمة الحكومة هو إخراج لبنان من تحت الأرض الى سطح الأرض وتأمين الدواء والكهرباء والماء والبنزين والمازوت. وأحدث ما يأمل فيه الرئيس ميقاتي هو ما سماه "تأخير الإرتطام" الكبير. والكل أسير معادلة مستحيلة يقود إليها تناقض في المواقف المحلية كما في المواقف الخارجية وهي: لا حكومة يسيطر عليها "حزب الله"، ولا حكومة من دون "حزب الله".

أبعد من ذلك، فإن المسألة أكبر حتى من حكومة إنقاذية تفتح أبواب المساعدات بمفتاح صندوق النقد الدولي والإصلاحات. وهي أكبر طبعاً من قوى تتصرف على أساس أن كلفة الإنهيار الكامل أقل من كلفة الإنقاذ ضمن حدود النظام. المسألة أخطر من حكم الآلهة في الأسطورة الإغريقية على "سيزيف" بأن يحمل الصخرة من السفح الى رأس الجبل، وكلما اقترب من القمة تدحرجت الصخرة وعليه معاودة حملها. إذ سيزيف بقي هو نفسه.

أما الوطن الصغير، فإن الحكم عليه هو أن ينتقل بلا إستراحة من حمل أعباء ثقيلة لمشروع إقليمي الى حمل أعباء لمشروع آخر. حمل أعباء المنظمات الفلسطينية التي حاولت تحرير فلسطين من لبنان. حمل أعباء المشروع الإسرائيلي قبل الإجتياح وبعده. حمل أعباء المشروع السوري قبل الدخول العسكري ومعه وبعده. وعلى كتفيه اليوم الأحمال الثقيلة للمشروع الإيراني في مواجهة العرب والغرب. لكنه دفع ثمن المشاريع وثمن فشلها. ويدفع حالياً ثمن المشروع الإيراني سواء فشل أو نجح. وهو ضعف وتغير ولم يعد يشبه نفسه، ويكاد يخسر رأسه.

وأبسط ما يعبّر عن إنقسام اللبنانيين في سياسة عبثية أمام الخطر الداهم هو قصة الرجلين اللذين يطاردهما الدب. كل واحد يقول لنفسه: ليس عليّ أن أسبق الدب بل يكفي أن أسبق الآخر. والرابح في الحالين هو الدب.


MISS 3