جاد حداد

The Good Doctor... نظرة مختلفة على مرض التوحّد!

31 تموز 2021

02 : 00

بدأ مسلسل The Good Doctor (الطبيب الجيد) في العام 2017، وهو يعرض حياة الطبيب "شون ميرفي" الذي يستلم منصبه كجرّاح في مدينة جديدة. يُركّز المسلسل في معظمه على مرض التوحد لدى "شون"، فهو يجعله مختلفاً عن جميع الأطباء الآخرين في المستشفى الذي يعمل فيه. لا تتطرق الأعمال الثقافية الشعبية إلى التوحد بالمستوى المطلوب، إذ تصيب هذه الحالة أكثر من شخص واحد من كل مئة على مستوى العالم. يُركّز هذا المسلسل على الشخصية الرئيسية المصابة بالتوحد، لكن نادراً ما نشاهد هذا النوع من الشخصيات في المسلسلات الشهيرة رغم زيادة النقاش حول الموضوع. يستحق هذا العمل الإشادة لأنه يتناول مرض التوحد بطريقة واقعية ومفهومة، من دون الإغفال عن المواقف الغريبة أو حتى الكوميدية التي يواجهها "شون".

يكشف المسلسل الجوانب التي تجعل "شون" طبيباً بارعاً رغم حالته، لكنه يسلّط الضوء أيضاً على المصاعب التي يواجهها في حياته. لا يُطرَح التوحد هذه المرة كحالة سلبية، ومع ذلك لا يتردد المسلسل في التأكيد على النواقص التي يُسببها. يتطرق العمل بأسلوب جريء إلى عدد من المسائل التي يخشى الناس التساؤل عنها، فينشر التوعية وسط الأشخاص غير المطلعين على تفاصيل التوحد. يستطيع "شون" مثلاً أن يتذكر معلومات دقيقة أكثر من الأطباء الآخرين، لكنه أقل ميلاً منهم إلى تغيير أنماط كلامه بحسب الشخصيات التي يخاطبها.




بعيداً عن تركيز المسلسل على مرض التوحد، تتعدد العوامل الأخرى التي تجعل المشاهدين يتعلّقون بالعمل ويتابعون مشاهدته حتى النهاية. تبدو الرسوم البيانية المستعملة في هذا العمل دقيقة من الناحية الطبية ومثيرة للاهتمام. حين يفكر "شون" بحالة أي مريض، يظهر على الشاشة رسم بياني متحرك لعرض المشاكل الصحية المحتملة، إلى جانب جميع المعلومات الطبية ذات الصلة. تساعد هذه الميزة المشاهدين على فهم المعلومات الطبية التي يطرحها المسلسل وتعلّم مسائل جديدة. على صعيد آخر، تبدو الشخصيات مدروسة وتطورات القصة غير متوقعة عموماً، وتكون الأحداث خارج المستشفى كافية كي لا يشعر المشاهدون بأن الحلقات جافة أو غير واقعية. هذه العوامل كلها تحافظ على اهتمام المشاهدين وتُمكّنهم من متابعة المسلسل بكل راحة ومتعة. يستحق The Good Doctor الإشادة إذاً لأنه ممتع ومفيد في آن.

يظهر "شون" كشخصٍ يجد صعوبة في التواصل مع الأطباء الآخرين ومع المرضى أحياناً. قد يعجز عن فهم نبرة الصوت التي تنقل إليه المعلومات، أو يشعر بالارتباك ولا يفهم حاجة المرضى إلى التعاطف في بعض الظروف. يجد عدد كبير من المصابين بالتوحد صعوبة في التواصل مع الغير طوال الوقت. إنه جزء من خصائص هذه الحالة. لكن يعرض المسلسل هذا الجانب بأسلوب يسمح للمشاهدين بفهم سبب ارتباك "شون" وامتناعه عن التكلم بصراحة. وفي بعض الظروف، يسمح دماغه الواقعي بتوضيح المشاكل الطبية والتعامل معها.

على مر حلقات المسلسل، يتلقى "شون" المساعدة من مرشده: إنه طبيب قابله حين كان صغيراً ويواجه مشاكل في منزله. وعندما يصادق "شون" طبيبة أخرى في المستشفى اسمها "كلير"، يخبرها مرشده بضرورة أن تجد أفضل طريقة للتواصل مع "شون" ويحذرها من عدم وجود معادلة سحرية للقيام بذلك. يحمل هذا المشهد تأثيراً قوياً مع أنه ليس طويلاً ولا ملوّناً ولا مليئاً بالحركة والتشويق. لكن يسهل أن يتذكره المشاهدون لأن الفكرة التي يطرحها واقعية جداً. لا تقتصر هذه النصيحة على المصابين بالتوحد، بل يجب أن يكتشف الناس دوماً أفضل طريقة للتواصل مع الآخرين وإقامة علاقة تناسب الطرفين. لا يأخذ الكثيرون عناء التفكير برأي الآخرين بسبب انشغالاتهم أو عملهم المكثف. لكن يثبت هذا المشهد أن ذلك الشعور ينطبق على جميع الناس.

أخيراً، يستحق مسلسل Good Doctor الإشادة لأنه يُصوّر مرض التوحد بهذه الطريقة المختلفة. فهو يكشف عن الجوانب الإيجابية والسلبية من حالة "شون" ويثبت أن هذا الشاب يحمل نقاط قوة ونقاط ضعف، على غرار بقية الأطباء في فريقه. تعجّ الحلقة الأولى بالأحداث الدرامية وتُعرّفنا على ماضي "شون" المؤلم، وهي كافية لإثارة اهتمام المشاهدين وتشجيعهم على متابعة المشاهدة.

يوشك الموسم الخامس من هذا المسلسل المدهش على الصدور، وهو يستحق مواسم كثيرة أخرى مستقبلاً. نأمل في أن تكثر الأعمال التي تتناول مجموعة أوسع من الشخصيات المصابة بحالات مثل التوحد في أبرز القنوات ووسائل الإعلام. من المفيد أيضاً أن تَرِد هذه المواضيع في مسلسلات لا تُركّز بالكامل على الأمراض، فتعتبرها بكل بساطة جانباً من شخصيات متعددة الأبعاد.


MISS 3