شربل داغر

إنفجار المرفأ: وقائع حرب مستورة

2 آب 2021

02 : 00

ما انفجر قبل عام في مرفأ بيروت معروف، مسبوق، مثل جريمة مسبقة التوقيت والأسباب خصوصاً.

فما عايشه هذا البلد، منذ العام 2005 على الاقل، مقتلاتٌ سياسية متشابهة في تلاوينها السياسية، من جهة المغدور بهم، ومن جهة المخططين والمنفذين.

جريمة موصوفة، مفضوحة، ومع ذلك لم يتوصل اي تحقيق- بما فيه تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان- الى كشف دلائل جرمية تقوم على شهادات واعترافات وغيرها.

قوى 8 آذار (قوى الممانعة) منعت تركيب كاميرات مراقبة في موجة الاغتيالات المتتالية. لكن المتابع تنبه الى ان تركيبها لم يحل المشكلة، إذ إن إحدى الكاميرات، التي كانت تراقب مسار سيارة اللواء وسام الحسن، قبل اغتياله، سجلت صورة وجهية للشريك في الجريمة، فتبين انه كان يضع قبعة على رأسه، ما جعل التعرف الى هويته صعباً... بل تبين انه حدّق في الكاميرا، التي كان يعلم بوجودها، كما لو انه يتحداها.

هذا لا يعني انها جريمة سياسية ممتدة فقط، بل يعني ان من خطط لها، ومن نفذها، ومن حماها وسعى إلى إبطال اي تحقيق فيها، هم كثرة، تشمل فئات من اللبنانيين (عدا الخارجيين)، ما يقارب من الفعل الحربي، المخطط له والمعمول على إخفاء وجوهه الكريهة.

جريمة المرفأ لا تختلف عن الفعل الحربي هذا، إذ إن تواقت وصول اطنان المواد المتفجرة إلى المرفأ ترافق في العام 2013 مع اشتداد الحرب المتعددة في سورية، بل لم يلبث ان ظهرت فيها... البراميل المتفجرة.

حرب ممتدة، موصولة، يمكن ان تُشبه، في الانفجار الأخير، ما يسمى في اللغة الامنية: "تسهيل مهمة".

فما يَظهر في التحقيق من مسؤوليات "تقصير" او "إهمال"، حسب لغة القانون، لا يعدو كونه تسهيل مهمة، او غض النظر من قبل قوى امنية وادارية عاملة في المرفأ، منذ اكثر من سبع سنوات، وتعرف بوجود المواد المتفجرة، وبكيفيات تناقصها المريعة: بين أعداد الأطنان التي رست في المرفأ وبين الأعداد التي تفجرت يوم الرابع من آب المنصرم. هذه المواد التي تناقصت، لم تُستعمل سماداً زراعياً، ولم يَلحظها أي لبناني قرب بيته، أو في عملية امنية وغيرها.

جريمة انفجار المرفأ جريمة سياسية وإدارية حكماً، وقضت على المئات في لبنان وخارجه: بين ضحايا نعرف اسماءها ووجوهها، وبين ضحايا تفحّمتْ في رماد الحرب الواسعة.

هذه ليست بجريمة، هذه حرب، ولا يفي أي قضاء بالحكم اللازم لها.