جان الفغالي

"حُكمُ عسكر"؟ أم "حُكمُ العسكر"؟

23 آب 2021

02 : 00

الجيش وأعباء القيادة ومواجهة التحديات

في لبنان، عند تعيين قائد جديد للجيش، يُنظَر إليه على أنه رئيس الجمهورية المقبل، هذا ما حدث في عهد الرئيس الياس الهراوي، تمَّ التمديد له ثلاث سنوات، فتم "التمديد" لقائد الجيش في عهده العماد اميل لحود، لينتقل "انتخاباً" من اليرزة إلى بعبدا.

حين عُيِّن العماد ميشال سليمان قائداً للجيش تم النظر إليه على أنه رئيس الجمهورية الذي سيخلف العماد لحود. وهذا ما حصل.

حين عُيِّن العماد جان قهوجي قائداً للجيش، تعاطى معه كثيرون على انه الرئيس الذي سيخلف ميشال سليمان، لكن الظروف كانت تسير في اتجاه جنرال آخر انتظر منذ 1988 ليصبح رئيساً لا كما كان في بعبدا عام 1988 رئيساً لحكومة عسكرية. وشهيرة عبارة نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في ايلول 2016: "إما عون وإما الاستمرار في الفراغ".

اليوم يُطرَح اسم العماد جوزاف عون كرئيس مقبل للجمهورية خلفاً للعماد ميشال عون. ومنذ أن بدأ التداول بالإسم، بدأت العلاقة تسوء بين ميرنا شالوحي، مقر التيار الوطني الحر، واليرزة. حتى ان وزير الدفاع السابق الياس بو صعب الذي سمَّاه رئيس التيار جبران باسيل، وزيراً للدفاع، لم يستطع فعل الكثير لإعادة وصل ما انقطع بين باسيل وقائد الجيش.

حين اندلاع الثورة في 17 تشرين الأول 2019، لم يكن لدى أي جهاز امني لبناني، وبينها مديرية المخابرات، أي تقدير عن حجم الانفجار الشعبي، بسبب قرار الحكومة وضع رسم ستة دولارات شهرياً على "الواتس آب"، لكن هناك سياسيين، ومنهم من القريبين من التيار الوطني الحر، تهامسوا في ما بينهم أن الجيش "تراخى" في مواجهة المحتجين لإرباك السلطة التنفيذية. هذه "التهمة" لم يستطع التيار اثباتها، لكنها تسببت بمزيدٍ من التباعد بين قائد الجيش ورئيس التيار الوطني الحر.

انفجار المرفأ واستقالة الحكومة وفشل السلطة السياسية والطبقة السياسية في تشكيل حكومة جديدة، جعلت قائد الجيش نقطة محورية سواء داخلياً أو خارجياً:

أنيطت بالجيش مسؤوليات مسح الأضرار وتوزيع المساعدات التي تأتي، وحين بدأت الصرخة في الجيش لجهة الضائقة الاقتصادية والمعيشية، بدأت الدعوات توجّه إليه (فرنسا، قبرص، قطر، مصر، وغيرها... ) هنا بدأت مخاوف الطبقة السياسية و"نادي المرشحين" لرئاسة الجمهورية يرصدون بدقة حركة العماد جوزاف عون: مَن زاره؟ إلى أين سافر؟ على اي مستوى تمَّ استقباله؟

تعرَّض العماد جوزاف عون لسيلٍ من الإنتقادات العلنية من "البيئة الإعلامية " لـ"حزب الله".

السؤال هنا: لماذا تتفادى قيادة الجيش الرد على بعض ما يصدر عن صحافيين من هذه البيئة وفيه تهجم بشكلٍ لاذع على قائد الجيش وقيادة الجيش؟ هل للمسألة علاقة بالحسابات الرئاسية؟ ام ان "المشكل" مع "حزب الله" يُحسَب له ألف حساب؟

هناك مَيْلٌ لدى كثيرين من اللبنانيين الى أن "الجيش غالباً على حق"، فحتى لو ارتكب ضباطٌ منه او عناصر اخطاء، فإنه يجري التخفيف منها او التعمية عليها أو حتى "إحلال أخطاء محل اخطاء"، فعلى سبيل المثال لا الحصر، جرى التعاطي مع انفجار التليل في عكار بترجيح الرصاصة وليس إشعال السيجارة، كمسبب للحريق فالإنفجار، وجرى هذا الترجيح في وقتٍ كان التحقيق في بدايته، ثم لماذا لم يتم التركيز على السماح للمدنيين بإفراغ ما تبقَّى من بنزين في الخزان المنفجِر من دون اخذ اي احتياطات للسلامة العامة وفق الروايات المنقولة؟

"التطنيش" في الامور البسيطة يقود إلى تطنيش على مستوى البلد حين يصبح قائد الجيش، اي قائد جيش رئيساً للجمهورية، والأمثلة اكثر من ان تُحصى في عهود رؤساء جاؤوا من قيادة الجيش.

ما يجب ان يسود هو انه حين يُنتَخَب عسكري إلى رئاسة الجمهورية، فإنه لا يُنتخَب كعسكري ولا يكون حكمه حكم العسكر، بل يكون آتياً من بيئة عسكرية الى حكمٍ مدني، ومع القَسَم الذي يُدلي به، يجب ان يحفظ من الدستور البند الذي يقول: "تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً"، لا كما يحدث اليوم، حيناً عبر المجلس الاعلى للدفاع، وحيناً آخر عبر اجتماعات لا صفة دستورية لها.


MISS 3