ريتا بولس شهوان

دع عنك لوم المختبرات فـ "الفوضى" هي الداء

28 آب 2021

02 : 00

فحص دم حسب الحاجة

صحياً المريض في لبنان كـ"الرجل المعلّق على شجرة" عارياً، ولا يعرف ان كان سيتمكن من تحديد مرضه عبر تأمين فاتورة المختبر. تختلف الفاتورة بين مختبر وآخر نسبة الى الأدوات والادوية الطبية والسوق السوداء، مما يشي بأن الدولة سحبت يدها كلياً عن الرقابة على المختبرات، أكان من ناحية الدعم او حتى تحديد سقف لهذه الفاتورة التي تتنوع بتنوع المختبرات والفحوصات. جالت "نداء الوطن" على مختبرات في كسروان، المتن وجبيل ووجدت أن مشاكل المواطنين مرتبطة بـ "الفوضى" التي تعمّ هذا البلد ولا من يسأل ولا من يجيب.



"سعر الصرف" يغيّر في أسعار الفحوصات

فرق الضمان لم يعد كما كانت حاله بالنسبة الى المختبرات التي تتعامل مع شركات ويحصلون على موافقة مسبقة من الضمان الاجتماعي، ففي حين كان الفرق هذا طفيفاً في فاتورة المرضى اصبح ضيفاً ثقيلاً على بعض المرضى مثل وردة، والدة احد الموظفين المصابة بالسرطان وتحتاج الى فحوصات روتينية، فيتخطى المبلغ المستحق راتب ابنها الذي ما زال بالليرة اللبنانية. تصل كلفة فحص دمها وصور الأشعة الى المليون ونصف مليون ليرة لبنانية، وهو رقم كانت نسبته اقل بـ25% منذ أسبوع على سؤالها عن لائحة فحوصاتها الطويلة، وعلّل صاحب المختبر لها سبب تبدّل السعر هذا بمدة زمنية وجيزة لأن "سعر الصرف" ارتفع.

لم تكن وردة قادرة على التحكم بهذه المدة الزمنية، بل "الدولة" من فعلت بقطعها الكهرباء حتى عن المختبرات وتقنين المولدات الذي لم يمكّنها ضرب موعد مع الكهرباء بدل المختبر للتصوير. مثلها مثل عدد كبير من المرضى الذين يفضلون الانتظار في المختبر لساعات ليحصلوا على نتيجتهم من دون دفع أي تكلفة إضافية بعد عدة أيام. هذه ليست المصيبة الوحيدة التي تعصف بالطبقة العاملة اذ يضاف على سلسلة الأزمات هذه، تأزم علاقة المختبرات بشركات التأمين التي أجبرت المواطن، كما حالة أوديت، أن تدفع فرق "الفرق" أي النسبة التي لا تغطيها شركة التأمين التي ما زالت تعتمد سعر الصرف الرسمي لتكون الهوة بين تسعيرة المختبر والشركة فاتورة "باهظة" على عاتق المواطن.



كيف تتأقلم المختبرات مع سعر الصرف وأزمة النفط؟



لا طاقة لمدراء المختبرات على التعاطي مع مشاكل الموظفين والمرضى فينتفض مالك مختبر الراعي (جونية) طوني الراعي مع كل سؤال كأنه محفّز لتذكيره بمعاناته مع المولد من ناحية انقطاع المازوت او الفاتورة التي تتخطى الثلاثين مليون ليرة شهرياً رافضاً تحميلها الى المرضى معتبراً ان سلوك الدولة كالذي يقول "روح سكّر مؤسستك وقعود ببيتك". سائلاً كيف سنؤمن رواتب الموظفين ان لم نعمل في ظل انقطاع الكهرباء، مما سيحتم على صاحب المختبر ان يستنزف مدخراته الخاصة التي شارفت على الانتهاء بالتزامن مع طول الازمة التي لم تصل الى حلول.

هذا ما ترك بعض الموظفين في عدد من المختبرات في جبيل، جونية وجبيل، وهم سكان هذه المناطق وحيدين مع أزمة البنزين يشكون من هذا "المرض" الذي صار وباءً في لبنان يمنعهم من الوصول الى عملهم فيثورون على رب العمل الذي لا يقسّم الدوامات بشكل يخفف عبء التأفف عن العاملين لديه. وعند الاستفهام عن تأثير ذلك على الراتب يجيبون "ليش قدي المعاش؟" واضعين احتمال عدم التمكن من القدوم الى العمل نصب اعينهم متناقشين بينهم عن كيفية طرح هذا الاحتمال على رب العمل. يمضي المُتعبون منهم وقتهم بانتظار الكهرباء والمولد كالذي ينتظر الفرج فيضطرون أحياناً تأجيل مواعيد فحوصات الاشعة وكل ما يحتاج الى الكهرباء.

تغير الأسعار بين أسبوع وآخر نسبة الى سعر الصرف في بعض المختبرات لا ينطبق على مختبر شلهوب (المتن) الذي يديره كارلوس شلهوب لكن الأسعار تتغير تدريجياً فالذي كان يتم شراؤه من المواد على السعر المدعوم، أي الف وخمسمئة ليرة، لم يعد متداولاً فهناك مواد تشترى على الثمانية آلاف ومواد على الخمسة عشر الف ليرة وعندما ارتفع سعر الصرف الى قمته أصبحت كل المواد على سعر صرف السوق. التضامن مع المواطنين له حده، خصوصاً ان شركات التأمين تحاسب وفق سعر الصرف نسبة الى الالف وخمسمئة ليرة لبنانية بالتالي على حد تعبيره ان لم نحصّل الفرق من الزبائن لا يمكن الاكمال في عملنا فالمواد الطبية كلها نادرة الوجود مما ينعكس على التسعيرة التي تضرب بعشرين. ما زال المختبر قادراً ان يقدم كل الخدمات وان تعذر عليه ذلك يتواصل مع مختبرات أخرى. كما ما زال يتعاون مع شركات التأمين علماً ان لا تسعيرة موحدة بين كل المختبرات لتسعير الفحوصات. يعلل مختبر طالب (جونية) الفرق في التسعيرة بين مختبر وآخر "إنه إن لم يجد المختبر المواد الطبية المطلوبة قد يلجأ الى السوق السوداء، لكن يدفع المواطن فاتورة وفق السقف الذي يحدده المختبر الذي لا يريد ان يخسر الزبائن".

توقف مختبر صليبا (جبيل) عن الاخذ ببوالص التأمين والتعاقد مع شركات حتى لو أدى ذلك الى خسارة زبائنه، بدل ان يقع في خسارة لا تحمد عقباها وفق مديره شربل صليبا، اذ ان الأموال تلك تحوّل الى المصرف فتعلَّق أمواله ويتسلّمهم بـ "شيك" مصرفي وشركات المعدات والمواد الطبية لا تقبل بذلك. ينتظر صليبا النقابة التي تتفاوض مع الشركات لتحل المسألة مستمراً على قبول المضمونين الذين يحصّلون بأنفسهم ما يدفعونه من الضمان الاجتماعي. لم يصل صليبا الى مرحلة إضافة فاتورة المولد الى فاتورة المريض لكن يخبر كيف ان النقابة عدّلت في الأسعار نسبة الى أسعار المعدات والمواد الطبية علماً ان الفواتير تأتي بالدولار والمختبر يدفع على سعر صرف السوق مما انعكس تلقائياً على المريض الذي ارتفعت فاتورته واصبح فقط يطلب ما يحتاجه بدون فحوصات عامة مشيراً انه مستقبلاً ان استمر الوضع كما هو عليه سيجبَر على ان يحمل المريض هذا الفرق كله، مما يزيده تشاؤماً من مستقبل هذه المهنة التي سيتقلص حجمها تدريجياً لتندمج المختبرات سوياً او داخل المستشفيات فقط.

هكذا خرجت المختبرات عن التسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة والضمان الاجتماعي للفحوصات بحسب نقيبة مختبرات الدم ميرنا جرمانوس بسبب غلاء المعيشة وما عادوا يلتزمون بها وذلك ليستطيعوا الاستمرار بالعمل، مع بعض التضحيات وفق تعبيرها للتضامن مع المواطن الذي ما عاد قادراً حتى على تأمين صحته.


MISS 3