جاد حداد

الإغماء... أسباب شائعة ونادرة

1 أيلول 2021

02 : 00

الإغماء مؤشر على وضع القلب؟

تقتصر حالات الإغماء القلبي على 15% من مجموع نوبات الإغماء، أي أقل بكثير من حالات الإغماء الانعكاسي، وهو النوع الأكثر شيوعاً. لكن يبقى الإغماء القلبي أخطر نوع من فقدان الوعي لأنه قد ينذر بوفاة مفاجئة.

غالباً ما تنجم الأسباب القلبية للإغماء عن مشكلة في كهرباء القلب، فيتسارع خفقانه أو يتباطأ بدرجة مفرطة. قد يشتق عدم انتظام ضربات القلب في هذه الحالة من الأضرار المرتبطة بنوبة قلبية أو اعتلال عضلة القلب. تؤثر الحالتان على نظام القلب الكهربائي وتُضعِفان قدرته على ضخ الدم بفعالية. تبرز أسباب أخرى للمشكلة أيضاً، منها تشوهات جينية في نظام القلب الكهربائي، مثل متلازمة "كيو تي" الطويلة أو متلازمة بروغادا. أخيراً، تترافق الحالات التي تكبح تدفق الدم وتُسبب نوبات الإغماء مع تصلّب الصمام الأبهري أو تضيّق منفذ البطين الأيسر بسبب اعتلال عضلة القلب الضخامي.

الإغماء الانعكاسيينجم نصف نوبات الإغماء على الأقل عن استجابة مفرطة من الجهاز العصبي، وتُعرَف هذه الحالة باسم الإغماء الانعكاسي. في جميع الحالات، يُبلِغ الجهاز العصبي القلب بإبطاء إيقاعه ويدفع الأوعية الدموية إلى التوسع، ما يؤدي إلى تراجع ضغط الدم وتباطؤ تدفقه نحو الدماغ. يشير الإغماء الوعائي المبهمي، وهو النوع الأكثر شيوعاً، إلى الآثار التي تطاول العصب المبهم (يتولى تنظيم إيقاع القلب وضغط الدم ويؤدي وظائف أخرى). تنشأ هذه المشكلة حين يبدي الجسم ردة فعل مفرطة تجاه المواقف العاطفية أو عند رؤية الدم، أو خلال الظروف التي تُحفّز العصب المبهم بدرجة فائقة مثل التغوط أو السعال أو البلع.

يُعتبر فرط حساسية الجيب السباتي سبباً نادراً للإغماء، وهو يحصل رداً على الضغوط الناجمة عن ارتداء ياقة ضيقة أو الحلاقة مثلاً في بقعة محددة من العنق. في هذه الحالة، تُنشّط مستقبلات الضغط الإشارات الهرمونية والعصبية لتنظيم ضغط الدم. يكون كبار السن، لا سيما الرجال، أكثر عرضة لهذه الحساسية المفرطة عند تراكم الصفائح في الشرايين السباتية.

انخفاض مفاجئ في ضغط الدم

قد يفقد الناس الوعي في حالات كثيرة أيضاً بسبب تراجع مفاجئ في ضغط الدم. يحصل ذلك مثلاً عند الوقوف وتُسمّى الحالة انخفاض ضغط الدم الوضعي أو الانتصابي. خلال هذا النوع من النوبات، يتراكم الدم في الجزء السفلي من الجسم، ثم تعود كمية أقل من الدم إلى القلب، فينخفض ضغط الدم ويتراجع تدفقه نحو الدماغ. تتعدد الأسباب الشائعة لهذه الحالة، منها الأدوية التي تعالج ارتفاع ضغط الدم أو تضخم غدة البروستات، أو تضرر الأعصاب أو اختلالها بسبب السكري أو مرض الباركنسون أو أمراض أخرى. قد تتفاقم المشكلة بسبب السخونة المفرطة، أو عدم استهلاك كمية كافية من الماء، أو القلق والجوع.

حالة نادرةيُعتبر تضيّق الشرايين من أبرز مؤشرات أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تصيب هذه المشكلة الأوعية التي تغذي الجهة الخلفية من الدماغ، فيصاب المريض بالقصور الفقري القاعدي. تؤدي هذه الحالة إلى تراجع تدفق الدم نحو الجهة الخلفية من الدماغ، وتكون هذه المنطقة أساسية للحفاظ على التوازن والوعي. لكن قد يصيب القصور الفقري القاعدي الناس أيضاً حتى لو كانت شرايينهم مفتوحة عند وجود نتوءات عظمية بسبب التهاب المفاصل بالقرب من شرايين العنق. عند تحريك العنق، قد تضغط تلك النتوءات على الوعاء الدموي وتعيق تدفق الدم. تُعرف هذه الحالة باسم متلازمة الشريان الفقري الدوراني وتبقى نادرة جداً.

تحديد السبب الحقيقييكون تاريخ المريض المفصّل من أفضل الأدلة لتحديد السبب الكامن وراء نوبات الإغماء. إذا كنتَ تفقد الوعي، دوّن الظروف أو الأعراض التي تختبرها في تلك اللحظات. تشمل الفحوصات المطلوبة دوماً تسجيل نشاط القلب الكهربائي وتصوير القلب بالموجات فوق الصوتية لرصد أي تغيرات بنيوية في القلب. كذلك، يحتاج عدد كبير من المرضى للخضوع للمراقبة وتكرار تخطيط القلب الكهربائي لفترة أطول عبر استعمال أجهزة خاصة أو القيام بفحوصات إضافية.

ثمة سبب بسيط لجميع نوبات الإغماء: لا يتلقى الدماغ كمية كافية من الدم. لكن تتعدد الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة، وهي تتراوح بين اختلالات شائعة وحميدة ومشاكل نادرة وخطيرة. يقول الدكتور جيريمي راسكين، مؤسس قسم أمراض اختلال ضربات القلب في مستشفى "ماساتشوستس" العام التابع لجامعة "هارفارد": "يجب أن يتعامل الجميع مع الإغماء بجدية. احرص إذاً على إجراء تقييم طبي إذا أُغمي عليك، لا سيما إذا كنت مصاباً بمشاكل في القلب. لكن لا يعني ذلك أن غير المصابين بمشاكل قلبية سابقة لا يتعرضون للخطر. أحياناً، يكون الإغماء أول مؤشر على مرض قلبي لم يكشفه الطبيب بعد".