شربل داغر

سرحان سرحان يخرج من قصيدة محمود درويش

6 أيلول 2021

02 : 00

وردت أخبار أميركية، في الاسبوع الماضي، عن إمكان إطلاق سراح الأسير الأميركي من أصل فلسطيني: سرحان سرحان. وكان الشاعر الراحل محمود درويش (1941-2008) قد كتب قصيدة مستقاة من سيرة الأسير، "سرحان يشرب القهوة في الكافيتيريا"، ونشرت في المجموعة الشعرية: "أحبك أو لا أحبك" (1972)، تنطلق القصيدة من واقعة سياسية معروفة، وهي أن سرحان بشارة سرحان يُقدم على اغتيال روبرت كينيدي، أخ الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، أثناء حملته الانتخابية الرئاسية في العام 1968، بسبب مواقفه المؤيدة لإسرائيل.

لا نحتاج إلى أدلة كثيرة لكي نتأكد من أن درويش اطلع على تفاصيل حياة سرحان (من مواليد العام 1944) قبل حلوله مع عائلته في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1957.

"دعوني قبل أن أحدِّثكم أغسل فمي، لأنني شربتُ قهوة عربية قبل قليل": هذا ما رواه روبرت كينيدي، حسب بعض الأخبار، في تجمع يهودي أميركي، أثناء حملته الانتخابية، بعد لقائه بوفد ديبلوماسي عربي. أمِن هذه الواقعة بدأ درويش كتابة قصيدته، وحددَ منطلقها السردي، إذا جاز القول، ابتداء من... القهوة (حيث هي، في القصيدة، "جغرافيا")؟

القصيدة ذات مبنى مختلف عن سابق شعر درويش، وتجمع بين: سيرة سرحان، وسيرة فلسطين، ومواقف نقدية من التخاذل العربي. وتبدَّلَ موقعُ النظر إلى فلسطين: كان درويش يخاطب فلسطين، في بداياته الشعرية، من "داخلها"، فيتوجه مباشرة إلى الإسرائيلي، أو إلى الفلسطيني. أما في قصيدة "سرحان..." فقد أصبح درويش ينظر إلى فلسطين من "خارجها"، راوياً تاريخها.

هكذا يلتقي، في القصيدة، الفرد بالمجموع، والشخصي بالوطني، والسِّيَري بالتاريخي، ما يُشكِّلُ بناءَ سيرةٍ، بناءَ تاريخ. وهو نوع آخر من "تأكيد" الوجود، وتدوينه، بحيث بات العنوان الجديد: سجّلْ، اسمي سرحان بشارة سرحان؛ سجّلْ هذه هي سيرتي، وهذا هو تاريخي. إلا أن هذا التأكيد لم يعد يتمُّ توجيهه إلى الإسرائيلي، وإنما إلى آخرين: منهم الشاعر نفسه، ومنهم الفلسطينيون؛ أي باتت القصيدة تواكب مسار "الشتات" الفلسطيني في توجهه صوب فلسطين التاريخية.


MISS 3