ريتا ابراهيم فريد

بعد عرض مسرحية "8 شخصيات تمثّل المفتّش العام"

ماريان صلماني: المسرح مرآتنا التي تعكس الصورة بشكل أوضح

22 أيلول 2021

02 : 01

هم مجموعة من الشبان والشابات الذين لم يفقدوا إيمانهم بالثقافة وبالفنّ الذي يعكس رقيّ المجتمع. أرادوها مواجهة بينهم وبين ظروفهم الصعبة في البلد. خاضوا التحدّي وانتصروا، وعرضوا مسرحية "ثماني شخصيات تمثّل المفتّش العام" على مسرح دوّار الشمس، حيث لاقت أصداء رائعة. العمل المقتبس عن مسرحية "المفتّش العام" للكاتب الروسي نيكولاي غوغول، هو من إعداد وإخراج ماريان صلماني. "نداء الوطن" تواصلت مع ماريان للإضاءة أكثر على هذا العمل الفني الذي شقّ طريقه نحو النور، بالرغم من كل الصعاب التي نمرّ بها في لبنان.



هل تعتبرين أنّ العمل المسرحي اليوم يحتاج الى نوع من التحدّي كي يبصر النور؟


هو بالفعل تحدٍّ، والأمر يحتاج الى الكثير من الجرأة. فبالإضافة الى التحدّيات الإقتصادية المعروفة، أجرينا التمرينات داخل شقّة صغيرة تعود الى إحدى قريباتي، والممثّلون كانوا يتزوّدون بالوقود من السوق السوداء كي يتمكّنوا من الحضور الى التمرين، كونهم يتوافدون من مناطق مختلفة بين الشوف وبعلبك وزحلة وبيروت. ومنذ أن بدأنا بالتحضيرات للمسرحية، حاولنا التفاوض مع إدارة مسرح "دوار الشمس" كي يقدّموا لنا المساعدة، لأنّ حجز المسرح مكلف أيضاً، كما أنه لم يكن من السهل تحديد سعر البطاقة كي تتناسب مع الجميع، لا سيّما وأنّ تحقيق الربح المادي ليس أولوية بالنسبة لنا.
لكن بالرغم من كلّ هذه العوامل، أصرّينا على أن تبصر المسرحية النور. فنحن نؤمن بأنّ المسرح هو المكان الأوسع الذي يمكننا من خلاله أن نعبّر عن غضبنا وأوجاعنا في ظلّ الظروف الصعبة التي نمرّ بها في لبنان.



العمل مقتبس عن مسرحيّة "المفتّش العام" للكاتب الروسي نيكولاي غوغول. لماذا وقع الخيار على هذه المسرحية بالذات؟


خلال دراستي الجامعية في كلية الفنون، كنتُ أميل أكثر نحو العروض الدرامية التي تتضمّن إحساساً، لكن الوضع الحالي في لبنان لا يحتمل ذلك. فاللبنانيون "قلبهم من الحامض لاوي"، فقرّرنا أن نتّجه نحو الكوميديا. وفي الوقت نفسه حاولنا أن نجمع بين جمهور المسرح الأكاديمي، وبين الجمهور الذي ليس معتاداً على التردّد الى المسرح، لذلك اخترنا نص غوغول الذي يتحدّث عن الفساد، كونه الموضوع الأبرز الذي يحيط يومياتنا في لبنان، بين فساد المؤسسات وفساد السلطة، والأهمّ الفساد الذي يكمن داخل كلّ شخص منا. ومع الأسف، تبيّن أنّ واقعنا اليوم في لبنان يشبه الى حدّ كبير واقع روسيا في العام 1840 لناحية الفساد الذي سلّطنا الضوء عليه، وفي الوقت نفسه عرضنا مواقف كوميدية قادرة على أن تجمع مختلف شرائح الناس.



كيف أجريتِ المعالجة على النصّ الأساسي للمسرحية كي تتناسب الشخصيات مع المجتمع اللبناني؟


العمل الذي قدّمناه هو تقريباً مسرحية داخل مسرحية. حيث عرضنا ما يحصل مع الممثلين خلال بروفا التحضير للعمل الأساسي في روسيا. فالحوار والمنطق الذي يستعمله الممثّلون لتبرير أخطائهم التي تشمل الرشوة مثلاً، يشبه الى حدّ كبير المنطق الذي نعيشه اليوم في لبنان لناحية الفساد.

الشخصيات تعكس صورة المجتمع اللبناني بتنوّعه، وهي تضمّ شاباً من الأشرفية، شاباً من بعلبك، شاباً من الجبل، شاباً مثلي الجنس، شابات محجّبات وشاباً سورياً يعيش في لبنان... حاولنا أيضاً أن نُظهر كيف أنّ منتج المسرحية ترك الممثلين كي يتدبّروا أمورهم بأنفسهم، تماماً كما أنّ الشعب اللبناني متروك من قبل سلطته. وبالتالي فالمنتج يعكس صورة السلطة، والحالة اللبنانية تجسّدت في صورة التمرينات على مسرحية. كما أضفنا الى نصّ غوغول فكرة تعكس ما حصل في كارثة الرابع من آب.





هل كانت الأصداء على قدر التوقّعات؟ وماذا عن العروضات المقبلة؟

قدّمنا المسرحية خلال عرضين في ليلتين متتاليتين، وأؤكّد خلالهما أني جدّ فخورة بالأصداء. فبالرغم من الأزمة الحادّة للوقود، كانت الصالة ممتلئة خلال الليلتين. والأهمّ أنّ الجمهورين كانا مختلفين، ففي العرض الأول حضر الأهل والأصدقاء، وفي العرض الثاني كان الجمهور يتألّف بمعظمه من أشخاص لا نعرفهم، بين أكاديميين وطلّاب وخرّيجي مسرح. وبالتالي نجحنا في أن نجمع نوعين من الجمهور في عرض واحد ضمن توليفة خاصة تتيح للجميع أن يستمتع بالعرض. وبعد النجاح الذي حصدناه، نحاول الآن التنسيق مع إدارة مسرح جديد كي نقدّم عرضاً آخر في بيروت. كما يحاول كلّ شخص من الفريق أن يتواصل مع المعنيّين في منطقته كي نعرض المسرحية في مناطق مختلفة.



لأي مدى ترين أنّ المسرح يساعد على الشفاء من الغضب الذي يكمن في داخلنا اليوم؟

بالإضافة الى شقّ العلاج بالدراما الذي يُستعمل طبّياً في حالات عدة، المسرح هو فسحة تساعد الإنسان على التحرّر من القيود التي تكبّله، خصوصاً في مجتمعاتنا التي نعاني فيها من نسبة عالية من التوتّر. مع انطلاق الانتفاضة في 17 تشرين، كنتُ أبحث عن طريقة أستطيع فيها من خلال المسرح أن أوصل صوتي. المسرحية التي عرضناها كانت صرخة بالنسبة لنا وللجمهور الذي أكّد لنا بمعظمه أنها كانت "فشّة خلق"، فحين نضحك على أوجاعنا، نستوعب الأمور أكثر ونبتعد عن التعصّب الذي يكبّلنا، وحينها نرى المشكلة بصورة أوضح.



مع انطلاق انتفاضة "17 تشرين"، تكرّرت عبارة "بدنا خبز وعلم ومسرح". أنتِ كمخرجة مسرحية شابّة، ماذا تعني لك هذه العبارة؟


تعني لي الكثير، فأساتذتي وزملائي هم من كتبوا هذه العبارة على الجدران خلال الانتفاضة. الخبز هو بطبيعة الحال أبسط حقوقنا كي نعيش، والعلم هو أساس الوعي كي نفهم ما الذي يحصل معنا. أما المسرح الذي يعكس الثقافة، فهو المرآة التي تتيح لنا أن نرى صورتنا بوضوح، ويساعدنا على طرح الأسئلة الحقيقية حول ما نعيشه، كخطوة أولى تخرجنا من النفق الذي نسير فيه.



برنامج "حكي مسرح" قريباً


"حكي مسرح" برنامج جديد من إعداد وتقديم ماريان صلماني، سيبصر النور قريباً على قناة MTV، حيث سيستضيف فرقاً مسرحية أو موسيقية تعمل على الأراضي اللبنانية للتحدّث عن وضع المسرح في لبنان.

في هذا الإطار تشير ماريان الى أنّ إدارة القناة أرادت أن يكون مقدّم هذا البرنامج شخصاً متخصّصاً في المسرح، وأن يكون منحى الحوار مع الضيوف أكاديمياً، لذلك وقع الإختيار عليها. وأضافت أنهّم صوّروا عدداً من الحلقات وسوف يتمّ عرض البرنامج قريباً.